بغداد: 3 محطّات مهمّة شهدتها جولة رئيس الوزراء العراقيّ حيدر العبادي الخارجيّة الأسبوع الماضي، كانت أبرزها في السعوديّة، كونها الأولى منذ تسمّنه منصبه منذ حوالى 3 سنوات، وجاءت في توقيت تشهد فيه العلاقات الخليحيّة أزمة تاريخيّة بدأت بعد إعلان السعوديّة والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة قطع العلاقات الرسميّة مع دولة قطر.
وأكّد حيدر العبادي في لقاء مع مجموعة من الإعلاميّين قبيل مغادرته بغداد، متوجّهاً إلى السعوديّة في 17 أيّار/مايو من عام 2017، وحضره "المونيتور"، أنّ "زيارته للرياض مقرّرة منذ أكثر من عام، وأنّها لن تبحث في الأزمة الخليجيّة، والعراق لن يكون طرفاً فيها على الإطلاق"، وقال: "تهدف الزيارة للسعودية إلى تعزيز العلاقة بين البلدين، وخصوصاً على الصعيد الإقتصاديّ، حيث وعدت الرياض بتقديم تسهيلات إلى المستثمرين العراقيّين وبالمساهمة في إعمار المدن العراقيّة المحرّرة من داعش، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمنيّ بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب".
ووصل العبادي في 19 حزيران/يونيو الماضي إلى الرياض على رأس وفد حكوميّ رفيع، والتقى الملك سلمان بن عبد العزيز، ووليّ العهد السابق محمّد بن نايف، ووليّ وليّ العهد محمّد بن سلمان، وأبرز ما رشح عن هذه اللقاءات تأسيس "مجلس تنسيق مشترك"، كما ورد في البيان السعوديّ- العراقيّ، والذي جاء فيه: "حرصاً على الأخذ بكلّ ما من شأنه توطيد العلاقات المشتركة، اتّفق البلدان على تأسيس مجلس تنسيقيّ بينهما للارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجيّ المأمول، وفتح آفاق جديدة من التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسيّة والأمنيّة والاقتصادية والتنمويّة والتجاريّة والاستثماريّة والسياحيّة والثقافيّة، وتنشيط الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين، ومتابعة تنفيذ ما يتمّ إبرامه من اتفاقات ومذكّرات تفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة".
وكشفت صحف دوليّة، ومن بينها "ذا ناشيونال"، عن وساطة يقوم بها العبادي لتهدئة الأوضاع في المنطقة وإنهاء حالة الاحتقان بين السعوديّة وإيران، لا سيّما أن طائرة العبادي توجّهت من مدينة مكّة مباشرة إلى العاصمة طهران في خطوة توازن سياسيّ ولعب دور الوساطة المبطّنة.
ووفقاً لعضو إئتلاف "دولة القانون" عدنان السرّاج المقرّب من العبادي، فإنّ الأخير "لم يحمل وساطة مكتوبة أو معدّة سلفاً للتهدئة بين طهران والرياض، إلاّ أنّه عبّر في أكثر من مناسبة عن أمله في إنهاء حالة العداء، التي وصلت إلى التهديد المباشر بين السعوديّة وإيران".
وقال السرّاج لـ"المونيتور": "إنّ العراق هو أكثر طرف مؤهّل للعب دور الوساطة لأنّه المتضرّر الأوّل من أيّ صدام يحدث في المنطقة. وفي الوقت ذاته، يمتلك علاقات جيّدة مع الجميع، لكنّ الهدف الأوّل من جولة العبادي هو حثّ هذه الدول على المساعدة في إعادة إعمار المدن المحرّرة من داعش".
ونفى السرّاج أن تكون زيارة العبادي لطهران مفاجأة وغير مخطّط لها، على عكس تصريحات بعض المسؤولين في إيران، ومن بينهم مساعد وزير الخارجيّة الإيرانيّ حسين جابري أنصاري، الذي أكّد عدم استعداده الجيّد لاستقبال العبادي، الأمر الذي يعكس امتعاض الجانب الإيرانيّ من انفتاح العراق الجديد على السعوديّة أو عدم رغبة في قبول وساطة بغداد للتهدئة مع الرياض.
ووصل العبادي إلى طهران في 20 حزيران/يونيو الجاري، والتقى رئيس الجمهوريّة حسن روحاني ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، إضافة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي أكّد خلال حديثه مع الوفد العراقيّ ضرورة الحفاظ على قوّات الحشد الشعبيّ، التي وصفها بـ"ثمرة مباركة وأحد عوامل قوّة العراق"، مثنياً على وصول الحشد إلى الحدود السوريّة، لافتاً إلى أنّها "خطوة استراتيجيّة كبيرة". وحذّر العبادي من الثقة بالأميركيّين واتّباع سياساتهم في العراق.
وأكّد مصدر في الوفد العراقيّ المرافق للعبادي، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور" أنّ "زيارة العبادي للرياض كانت بدعوة من قبل الجانب السعوديّ، في حين أنّ الحكومة العراقيّة هي التي طلبت من الجانب الإيرانيّ استقبال وفدها الحكوميّ العراقيّ في هذا التوقيت بالذات".
وأشار إلى أنّ "الغاية من تزامن الزيارات هي إيصال رسائل تطمين إلى داخل العراق وخارجه بأنّ الحكومة العراقيّة لن تكون مع طرف إقليميّ ضدّ طرف آخر، وترفض سياسة المحاور في المنطقة".
وعن الأنباء التي تحدّثت عن وساطة عراقيّة بين السعوديّة وإيران أو حتّى التدخّل في الأزمة الخليجيّة، قال المصدر: "لم تكن هناك وساطة، لكنّ العراق عبّر عن موقفه من الأزمات الراهنة في المنطقة، وأوضح أنّه المتضرّر الأكبر منها، ودعا إلى تفهّم الأوضاع الداخليّة في العراق وضرورة تحقيق التهدئة بين الجميع".
ولعلّ ختام جولة العبادي في الكويت، التي اتّخذت الدور الرئيسيّ في الوساطة بين قطر وكلّ من السعوديّة والإمارات والبحرين، جاءت لشرح الجهود العراقيّة في هذا المجال، إذا ما صدقت الأنباء عن مساع حميدة للعراق في هذا الخصوص، لا سيّما أنّ علاقة قطر بإيران كانت السبب وراء القطيعة الخليجيّة، وهي الطرف المتّهم بشقّ وحدة الصف الخليجيّ.
والتقى الوفد العراقيّ في 21 أيّار/مايو الفائت بأمير دولة الكويت صباح الأحمد، وبحث معه في إمكانيّة تأجيل التعويضات المترتّبة على غزو العراق للكويت في عام 1990 والبالغة نحو 4 مليارات دولار، إضافة إلى جلب استثمارات الكويت إلى المحافظات العراقيّة، التي عانت من الحرب ضدّ تنظيم "داعش".
ومن الواضح أنّ نجاح إدارة العبادي في الوصول إلى علاقات متميّزة مع السعوديّة، والأمر الذي يعني أيضاً تعزيز العلاقات مع الإمارات والبحرين وحتّى مصر، وتمكنّها من إعادة التمثيل الديبلوماسيّ إلى أعلى المستويات وجذب الاستثمارات السعوديّة، سيضعانها أمام اختبار حقيقيّ لإثبات عدم اصطفافها في المحور السعوديّ المعادي بطبيعة الحال للمحور الإيرانيّ، وربّما سيكلفها ذلك خسارة بعض الحلفاء الشيعة الرافضين لأيّ دور سعوديّ في العراق.