انخفض الى حد ما صوت صفارات الإنذار التي كانت تدوي في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وذلك قبل وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى القدس في 22 ايار / مايو مع تضاءل احتمال تقديم هذا الأخير مبادرته الدبلوماسية هناك.
لم يزل الخطر، إلا أنه تلاشى شيئا ما ولم يعد "خطرا واضحا وحاضرا" (عبارة إسرائيلية غالبا ما تُستخدم في سياق هجوم إرهابي وشيك)، إذ كان لدى ترامب مواضيع أكثر أهمية على جدول أعماله، أولها مسألة نجاته السياسية. ومع ذلك، كان نتنياهو واضح التوتر قبل 24 ساعة من وصول الرئيس الأمريكي فإذا به يخوض جدالات مع بعض وزرائه ويخفق جلسة لرؤساء الائتلاف ليعقد بعدئذ اجتماعا متشنجا لمجلس الوزراء مساء يوم 21 مايو / أيار. كان من المقرر أن يصل سلاح الجو واحد في اليوم التالي، ولم يكن لدى نتنياهو أي فكرة عن من - أو ماذا - سيخرج من الطائرة لإلقاء التحية عليه.
الضجة عارمة وراء الكواليس، وليس فقط على المستوى السياسي، فهناك أفراد في النظام الأمني الإسرائيلي يبذلون كل ما في وسعهم إزاء إمكانية تجديد العملية الدبلوماسية. ووفقا لمصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى، فإن المفهوم الجديد الذي تتم مداولته في القاعات وفي الاجتماعات الأمنية العالية المستوى هو "تحالف أمني إقليمي،" تتوجه "العملية الإقليمية" التي كثيرا ما تتم مداولاتها فيصلح كوثيقة تأمين جماعي من مختلف اللاعبين، وهي الجائزة الكبرى التي ترغب بها كافة الدول المنتمية بشكل مباشر أو غير مباشر إلى "الكتلة السنية" العملية، علما أن قادة هذه المجموعة هم الذين استمعوا بعناية فائقة إلى خطاب الرئيس في الرياض يوم 21 أيار/ مايو.
ولكن لكي يحدث ذلك، على إسرائيل أن تحرز تقدما على الساحة الفلسطينية. بعبارة أخرى، عليها أن تجدد المفاوضات نحو حل الدولتين وإظهار أنها جادة في ذلك المسعى. وقد اتفق السعوديون ودول سنية إضافية (خاصة في الخليج) على تبني إيماءات رمزية سبق وتمت مناقشتها في السابق، مثل فتح المجال الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية. إذ لن تتجسد "الخطوة الحقيقية" سوى عندما يتم إحراز تقدم حقيقي في المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، علما أن "الخطوة الحقيقية" عبارة عن تحالف إقليمي يضم المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة وربما الكويت وطبعا إسرائيل.
وفي حين لن يشكل هذا التحالف الإقليمي تحالفا دفاعيا تقليديا يضم الولايات المتحدة، إلا أنه سيكون تحت رعاية أميركية وسيحظى بدعم اميركي عسكري ودبلوماسي كامل ليكون بمثابة مؤسسة مستقلة لدول الشرق الاوسط التي تخشى انتهاء صلاحية الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الست مع ايران، علما أنه لدى انتهاء صلاحية هذه الاتفاقية، ستواجه إيران حاجزا محصنا يتضمن المال السعودي - الخليجي، والقوة العسكرية المصرية، والتفوق التكنولوجي الإسرائيلي. وهذا هو حلم عدد كبير من الأبطال الإقليميين السريين الذين يحومون حول الشرق الأوسط هذه الأيام. إن فرص تحقيق هذه الخطط تعتمد الآن نوعا ما على تصميم ترامب وعزمه، هو الذي كان منهك القوى لدى وصوله الى اسرائيل يوم الاثنين بعد يومين طويلين في السعودية.
أول من حدد إمكانية التحالف الإقليمي هذا كان إفرايم سنيه، العميد (الاحتياط) والوزير السابق في مختلف الحكومات الإسرائيلية. وقد اشتهر سنيه، وهو شخصية أمنية معترف بها في الشرق الأوسط، بعلاقاته الطيبة مع جيران إسرائيل العرب. وبعد انتصار ترامب في الانتخابات، في الأيام التي دفن فيها الجميع حل الدولتين واحتفل بنهاية عملية السلام، استمع سنيه إلى مقابلة أجرتها صحيفة وول ستريت جورنال مع ترامب في نوفمبر / تشرين الثاني 2016 فكان الرئيس المنتخب يغرد خارج السرب فيها ليتحدث عن "الصفقة النهائية" التي يريد تحقيقها بين اسرائيل والفلسطينيين. فاستغل سنيه الفرصة، وبعد عدة أيام، نشر مقال في صحيفة هافينغتون بوست مقترحا "الصفقة" عينها بناء على حل وسط بين المقترحات التي ناقشها الفلسطينيون والإسرائيليون على مر السنين، ثم أضاف اقتراح التحالف الإقليمي إلى الصفقة.
ومع الوقت، تردد صدى مفهوم التحالف الإقليمي في العواصم المتتالية، وعندما تم بذل محاولات لإنشاء حكومة وحدة في إسرائيل مع زعيم الفريق الصهيوني إسحاق هرتسوغ، استمرت فكرة التحالف الإقليمي في الازدهار في حين قامت شخصيات مثل مبعوث الشرق الاوسط تونى بلير والوسطاء الآخرين بدعم فكرة إقامة حكومة وحدة استنادا إلى المبادرة.
اعتبارا من اليوم، التحالف الإقليمي هذا جزئي الوجود بين إسرائيل والدول السنية، وذلك في إطار جهود مشتركة لوقف التوسع المستمر في المحور الشيعي بقيادة إيران وحزب الله. وتشعر دول مثل السعودية والاردن والامارات العربية المتحدة بالرعب إزاء ما سيحدث في "اليوم التالي" لإنهاء الاتفاق النووي بين ايران والقوى العالمية. وتشير المعلومات الاستخباراتية (من إسرائيل ومن منظمات استخبارات غربية) إلى أن إيران مستمرة على أكمل وجه في برنامجها للصواريخ الباليستية وسط مخاوف لدى السعوديين من أن تطلق إيران صواريخ نووية بعيدة المدى فور انتهاء الاتفاق النووي. في تلك المرحلة، سيحتاجون إلى التكنولوجيا والخبرة الإسرائيلية من أجل تزويدهم بمظلة دفاع جديرة بالاحترام. كثيرون في المنطقة يشعرون بأنه لا يمكن التصدي للأهداف التوسعية الإيرانية إلا في حال توحدت القوى الإسرائيلية مع تلك السنية. وقد تكون هذه النظرية صعبة التحقيق نظرا إلى أن حكومة نتنياهو الحالية ليست قادرة على تقديم تنازلات كبيرة، والحد الأقصى الذي يمكن أن تعطيه بعيد جدا عن الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وحتى وقت ليس بالبعيد، كان السعوديون (وربما المصريون أيضا) يعتقدون أنه بإمكان ترامب أن يتخطى الصعوبات ويبث الذعر في صفوف الجانبين ليظهرا بعض المرونة. المشكلة هي أن ترامب اليوم لم يعد كما كان. وحتى المجاملة التي قدمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي له في الرياض ("شخصية فذة قادرة على تحقيق المستحيل") كانت مجاملة صادرة عن رغبة القلب أكثر منه عن احتمال عقلاني.
أما محيط نتنياهو فيسعى بدوره إلى الحصول على قطعة من الكعكة، فيسعى إلى تفادي العملية السياسية من جهة وتعزيز التحالف غير الرسمي مع الكتلة السنية من جهة أخرى. وفيما يتعلق بترامب، تبددت النشوة منذ فترة طويلة. والخيار الأكثر إثارة للاهتمام والواعد من وجهة نظر نتنياهو في هذه المرحلة هو احتمال عزل ترامب وتعيين نائب الرئيس مايك بينس للاضطلاع بالدور الرئاسي. بينس، وعلى العكس ترامب، هو جمهوري "حقيقي" وصديق محافظ وحقيقي لإسرائيل، مع نظرة إلى العالم ثابتة لا تتزعزع - وهو ما كان يريده نتنياهو بالضبط ولم يحظ به.