يبدو وكأن الصراعات الدائرة في سوريا ليست متداخلة ومتشابكة بما فيه الكفاية لتقوم تركيا بصبّ الزيت على النار من خلال تصعيد معركتها ضد القوات السورية الكردية التي تساعد الولايات المتحدة على دحر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
فقد تعهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالسيطرة على بلدة منبج، وهي بلدة سورية عربية تحررت من داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأتركا بمساعدة من القوات الجوية للتحالف الدولي.
وقد صرّح إردوغان أمام الصحفيين بتاريخ الأول من آذار/مارس الجاري قائلًا: "بعد تحرير مدينة الباب من إرهابيي داعش، منبج هي هدف تركيا الجديد. منبج هي المدينة التي ينتمي إليها العرب ولا يتعين على قوات سوريا الديموقراطية التواجد الآن في الرقة."
أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو فصرّح في تاريخ 2 آذار/مارس الجاري قائلًا: "لقد سبق أن قلنا إننا سوف نضرب في حال لم تنسحب وحدات حماية الشعب".
وحدات حماية الشعب هي الميليشيا الكردية السورية التي تسيطر على قوات سوريا الديمقراطية المتعددة الإثنيات. وتصفها أنقرة بأنها جماعة إرهابية بسبب صلاتها مع المتمردين في تركيا التابعين إلى حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بالحكم الذاتي.
ويبدو أن مقاتلي الجيش السوري المدعومين من تركيا بدؤوا بتنفيذ تهديدات تركيا بتاريخ 1 مارس الجاري بالتقدم صوب مجموعة من القرى غرب منبج. ولكن قوات سوريا الديمقراطية أحبطت هذه التحركات بعمليات مضادة. وقد أعلن المجلس العسكري في منبج، الذي أسسته قوات سوريا الديمقراطية ودربته الولايات المتحدة لحفظ الأمن بعد تحرير البلدة، أنه سوف يسلّم القرى المستهدفة إلى قوات النظام السوري وروسيا لمنع المواجهة مع تركيا والجيش السوري الحر.
فقد تقدمت قوات النظام في بادىء الأمر بدعم من الطيران الحربي الروسي نحو مدينة الباب تحت سيطرة داعش حيث تمكنت القوات التركية وحلفائها في الجيش السوري الحر من السيطرة عليها الأسبوع الماضي.
وتوزعت قوات النظام خروجًا من شمال مدنية الباب للتلتقي قوات سوريا الديمقراطية في جنوب المنبج. وأثبتت روسيا عن جدارتها بالاستفادة من قوتها العسكرية في سوريا بشكلٍ سمح بتركيا والجيش الحر بمطاردة داعش لمصلحة النظام.
ولا تزال علامة استفهام كبيرة تحيط بمستقبل الأكراد السوريين الذين خاضوا تجربة الحكم الذاتي لمدة خمس سنوات في رقعة من الأراضي التي تمر في شرقي المنبج على طول الطريق إلى الحدود.
وثمة سؤال آخر يطرح نفسه: لما ظلت الولايات المتحدة وهي أكبر حليف لقوات سوريا الديمقراطي، صامتة إزاء تقدم تركيا وقوات النظام. لا بدّ من وجود أسباب عديدة لذلك.
أولًا، لطالما كانت تركيا واضحة بتصريحاتها أنها لن تسمح بتقدم وحدات حماية الشعب في غربي نهر الفرات حيث تقع منبج. وكان من المفترض أن ترحل وحدات حماية الشعب والشركات السياسية التابعة لها عند تحرير البلدة بشكلٍ كاملٍ. وقد عرضت الولايات المتحدة ضمانات لهذه الغاية. ولكن الأكراد السوريين لم يغادروا ويُعتبر المجلس العسكري لمنبج على أنه الجبهة الأمامية لوحدات الحماية.
نيكولاس هراس من مركز الأمن الأميركي الجديد يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تبقى بعيدة عن الصراع التركي الكردي حول منبج.
وقد صرّح هراس للمونيتور: "إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى الاستثمار بوجودٍ دائمٍ بقوات سوريا الديمقراطية في منبج ولا ترغب بأن تصبح البلدة سبب للحرب بين هذه القوات وتركيا بشكلٍ قد يعاكس الهدف الرئيس للحملة ضد داعش وهو: القضاء على التنظيم في الرقة وجميع أنحاء شرق سوريا".
من شأن الصفقة بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية تعزيز ما يتداوله النقاد أن قوات حماية الشعب تتواطأ مع النظام مما يبعد الشبهات عن الولايات المتحدة.
ومن شأن الاتفاق أيضًا أن يشكل نوعًا من طريقة عمل في الرقة. فالمشكلة في الخطة للتخلص مما يسمى برأس مال الجهاديين هو النفص في عدد الجنود. ومن المرجح أن يتم تجاهل عرض تركيا للسيطرة على الرقة بمساعدة الجيش الحر لأن المخططين العسكريين الأميركيين لا يزالون غير مهتمين.
وبينما لا تود الولايات المتحدة التعاون بأي شكلٍ من الأشكال مع النظام، ولكن كل مساعدة قد تحصل عليها في الرقة تبقى غير مرغوبة.
وكما أظهرت التطورات الأخيرة في منبج وبمساعدة من روسيا، أنه يمكن لقوات سوريا الديمقراطية والنظام العمل سويًا عند الحاجة.
وقد لا يكون ذلك نتيجة سيئة بالنسبة لتركية لأن البديل كان ليكون تأثير أعمق للولايات المتحدة في التحالف مع الأكراد، وهو ما تعتبره أنقرة أكبر تهديد للجميع.