بغداد - في محاولة لتشكيل مرجعيّة سياسيّة سنيّة جديدة، نجحت تركيا، بالاشتراك مع الأردن والإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر، إضافة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة، في استضافة إجتماعات مغلقة للسياسيّين السنّة في العراق، في 8 من الشهر الجاري، استمرّت يومين، وناقشت إقرار خارطة العمل السياسيّ في "عراق ما بعد داعش".
وشارك في المؤتمر كلّ من نائب رئيس الجمهوريّة وزعيم إئتلاف متّحدون أسامة النجيفي، وزير المال السابق رافع العيساوي، نائب رئيس الوزراء السابق صالح المطلك، زعيم الحزب الإسلاميّ العراقيّ إياد السامرائي، وزير التخطيط سلمان الجميلي، زعيم المشروع العربيّ خميس الخنجر، محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، رئيس كتلة إتّحاد القوى في مجلس النوّاب أحمد المساري، رئيس كتلة الحلّ النيابيّة محمّد الكربولي، والأمين العام لهيئة العلماء المسلمين مثنى الضاري، فضلاً عن نوّاب وشيوخ عشائر ورجال دين، إلاّ أنّ المؤتمرين لم ينجحوا في الخروج بموقف واضح من القضايا الخلافيّة، وفي مقدّمها مشروع "التسوية الوطنيّة" والفيدراليّة أو الإتّفاق على تشكيل تكتّل سياسيّ جديد يخوض الإنتخابات المقبلة، والنتائج العمليّة لمؤتمر أنقرة حتّى الآن هي إحداث انقسام سنيّ جديد وردّة فعل شيعيّة عنيفة وصلت إلى "تخوين" المشاركين في المؤتمر.
وفي هذا الإطار، قال عضو كتلة "متّحدون" مطشر السامرائي لـ"المونيتور": "إنّ الدول الخمس الراعية للمؤتمر، أرادت تقريب وجهات نظر الأطراف السنيّة حول ترتيب أوضاع البلاد بعد داعش وإعمار المناطق المحرّرة، وتمّ الإتّفاق على تشكيل لجنة من 25 شخصيّة سنيّة لصياغة موقف موحّد للسنّة من التسوية السياسيّة، ولم نتطرّق إلى تشكيل تكتّل إنتخابيّ جديد أو أقلمة البلاد".
أضاف: "أمّا في خصوص اعتراض بعض الشخصيّات السنيّة، فلا يمثّل انشقاقاً أو انقساماً في "تحالف القوى العراقيّة"، وإنّما كان بسبب عدم توجّه الدعوات إليها لحضور المؤتمر". واعتبر أنّ دور تركيا مشابه لبقيّة الدول المشاركة (الإمارات والأردن وقطر وأميركا)، مشيراً إلى أنّ "الوضع العراقيّ منذ عام 2003 مفتوح لكلّ اللاعبين الدوليّين، وإنّ هذه الدول أرادت مساعدة السنّة، وتركيا لديها مصالح في العراق، وهي تريد الاستقرار السياسيّ فيه حتّى لا تتأثّر في الفوضى الحاصلة".
وكانت شخصيّات سنيّة اعترضت بشدّة على مؤتمر تركيا، وأبرزها عضو "إتّحاد القوى العراقيّة" السنيّ بدر الفحل، الذي أعلن في تصريح لقناة nrt بـ10 آذار/مارس الجاري عن تشكيل جبهة سنيّة مناهضة لمؤتمرات الخارج مؤلّفة من 50 نائباً، على خلفيّة انعقاد الإجتماع الأخير لبعض القوى السنيّة في العاصمة التركيّة أنقرة، وقال: "تمّ اختيار الشخصيّات المشاركة في الإجتماع من قبل مجموعة من الدول". وأشار إلى أنّ تلك الشخصيّات تمثل "نسبة 25 في المئة فقط من المكوّن السنيّ"، معتبراً أنّ المشاركين في إجتماع أنقرة بغالبيّتهم "لهم أضلاع في الحاضنة التي ولّدت داعش".
من جهته، لفت النائب عن الإتّحاد السنيّ عبد الرّحمن اللويزي في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "أيّ مؤتمر يعقد خارج البلاد لا يمكن أن يحقّق أهدافاً وطنيّة، خصوصاً إذا كان في دولة (تركيا) لها أطماع تاريخيّة في العراق"، وقال: "إنّ الأزمات السياسيّة لا تحلّ، إلاّ من قبل القوى السياسيّة العاملة داخل البلاد من خلال المؤتمرات الوطنيّة والمشاريع السياسيّة العراقيّة".
ويعدّ مؤتمر تركيا مكمّلاً لمؤتمر جنيف، الذي عقد في 21 شباط/فبراير الماضي، ويأتي في إطار الحراك الدوليّ الذي تقوده واشنطن بمساعدة دول عربيّة وتركيا، بحسب الخبير الأمنيّ والسياسيّ هشام الهاشمي، الذي رأى أيضاً أنّ "إدارة الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب تحاول تشكيل تحالف سنيّ في العراق بمساعدة تركيا والسعوديّة والأردن والإمارات وقطر"، وقال: إنّ هذا التحالف سيكون مهادناً للكرد والشيعة المنتصرين على تنظيم داعش.
وأشار هشام الهاشمي في تدوينة على مواقع التّواصل الإجتماعيّ إلى أنّ "هذه المؤتمرات السنيّة تقلق طهران، التي تستعدّ للمجهول، وهي تدرك أنّها سوف تخسر نفوذها في سوريا واليمن، ولم يبق لها من أوراق للتفاوض عدا ولاء بعض حلفائها في العراق، ولعلّها تسارع لشنّ هجمات إعلاميّة استباقيّة لإفشال تلك المساعي".
غير أنّ التخوّف الإيرانيّ، الذي تحدّث عنه الهاشمي، لن يقتصر على المواقف والتصريحات، فالغضب الشيعيّ من المؤتمرات السنيّة خارج البلاد قد يتحوّل إلى الدفع نحو مواقف شيعيّة متشنّجة في مفاوضات التسوية الوطنيّة لما بعد "داعش"، لا سيّما مع اقتراب موعد الإنتخابات وتوجّه بعض الأطراف الشيعيّة، (وفي مقدّمها الكتل القريبة من نائب رئيس الجمهوريّة نوري المالكي)، إلى الانطلاق نحو حكومة "الغالبيّة السياسيّة" بضمّ بعض الشخصيّات السنيّة أو الكرديّة المقرّبة من الشيعة، وبالتّالي التخلّي عن حكومات "المشاركة أو المحاصصة" وتهميش الكتل السنيّة الكبيرة.
عدا ذلك، فإنّ توحيد المواقف السنيّة حيال الفيدراليّة أو التسوية الوطنيّة وتثبّت تركيا كمرجعيّة معلنة لسنّة العراق (على غرار رعاية إيران للقوى الشيعيّة)، من شأنهما إدامة الخطاب الطائفيّ في البلاد، حتّى وإن تحقّقت تسويات مرحليّة معيّنة، وتمّ تحجيم الدور الإيرانيّ، الذي تسعى إليه الولايات المتّحدة والدول العربيّة، ولكن في ظلّ غياب أيّ دور أو ظهور للقوى "الوطنيّة أو المدنيّة" على المشهد السياسيّ، فإنّ حال الانقسام الطائفيّ والعرقيّ ستظلّ قائمة، ولن تكون هناك تسويات "تاريخيّة" بمعنى تنازل أطراف عن طموحاتها التاريخيّة من أجل المصلحة الوطنيّة العليا.