بغداد: على طريق السعي إلى تنظيم عمل الشركات الأمنيّة في العراق ووضع ضوابط على عملها ووضع حدّ لفوضى انتشار السلاح واستخدامه، وكان آخرها إطلاق صواريخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء بـ12 شباط/فبراير من عام 2017 في أعقاب احتجاجات دامية في العاصمة العراقيّة بغداد، وتأكيد لجنة الأمن والدفاع النيابيّة بـ27 كانون الثاني/يناير من عام 2017 "انفلات" عمل بعض الشركات الأمنيّة العاملة في العراق، صوّت البرلمان في 26 كانون الثاني/يناير من عام 2017 على مشروع قانون الشركات الأمنيّة. كما صوّت في 28 كانون الثاني/يناير من عام 2017 على مشروع قانون الأسلحة.
وفي حين أكّدت لجنة الأمن والدفاع النيابيّة أنّ "هناك الكثير من الشركات الأجنبيّة التي تعمل داخل العراق من دون قانون أو تعتمد على قوانين سابقة لا تتلاءم مع الظرف الحاليّ"، قالت عضو اللجنة القانونيّة ابتسام الهلالي في حديثها لـ"المونيتور": "إنّ الشركات الأمنيّة في أنحاء البلاد لا تخضع في الكثير من مهامها إلى قوانين الدولة وضوابطها، ممّا يجعلها خارج سيطرة المؤسّسات الأمنيّة الرسميّة".
وكشفت ابتسام الهلالي عن أنّ "المشروع الجديد يضع شروطاً مشدّدة على الشركات الأمنيّة، وأبرزها إخضاعها إلى قوانين وزارة الداخليّة وأنظمتها"، مشيرة إلى أنّ "عملها في السابق، إضافة إلى إجازات حمل السلاح وفتح متاجر الأسلحة، كان من صلاحيّة المحافظين، فيما القانون الجديد سيجعل كلّ هذه الصلاحيّات مركزيّة في يدّ وزير الداخليّة"، وقالت: "إنّ كثرة الشركات الأمنيّة في البلاد تتطلّب تنظيم قانونها، ويشمل ذلك أيضاً الشركات التي تحمي السفارة الأميركيّة في بغداد والسفارات الأخرى".
وإذ قالت الهلالي: "لا أمتلك إحصائيّة دقيقة عن عدد الشركات الأمنيّة في البلاد، ولا أعتقد بوجود هذه الإحصائيّة"، إلاّ أنّ رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقيّ حاكم الزاملي ذكر في 2 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016 أنّ "عدد الشركات الأمنيّة في محافظة البصرة وحدها يبلغ 700 شركة، ما بين أجنبيّة ومحليّة، وفي حوزتها 17 ألف قطعة سلاح متعدّدة الأنواع، وإنّ 75 ألف عنصر أجنبيّ يعمل في تلك الشركات، فيما عدد العجلات التي تستخدمها تلك الشركات يبلغ 65 ألفاً".
وتعزيزاً لمعلومة الهلالي، أكّدت لجنة الأمن النيابيّة في 28 كانون الثاني/يناير من عام 2017 "خضوع الشركة المعنيّة بحماية السفارة الأميركيّة إلى القانون الجديد، إسوة بفروع الشركات الأجنبيّة المرتبطة بسفارات الدول الأخرى".
وانتشرت الشركات الأمنيّة في العراق بعد عام 2003 من أجل حماية الشركات الأجنبيّة والشخصيّات المهمّة والسفارات والمؤسّسات والمراكز الحسّاسة، وأعمال أمنيّة خطيرة أخرى مثل إزالة الألغام، ففي 11 شباط/فبراير من عام 2017، انفجرت عبوة ناسفة خلال محاولة خبيرين من شركة أمنيّة تفكيكها في جنوب الرماديّ (غرب).
كما أنّ عمل هذه الشركات لم يخل من التجاوزات، ففي 18 نيسان/إبريل من عام 2016، نشرت قناة "اي 24" الإسرائيليّة تقارير عن توظيف شركة أمن بريطانيّة بين عامي 2005 و2015 أطفالاً مرتزقة من سيراليون كجنود لحماية القواعد العسكريّة الأميركيّة في العراق. وفي 20 تمّوز/يوليو من عام 2016، اتّهمت وزارة العدل الأميركيّة شركة DYN الأمنيّة بالتورّط بقضيّة فساد في العراق، بعد توافر أدلّة على قيام الشركة بالمغالاة بنسبة كبيرة في التكاليف المستحصلة، خلال مدّة أربعة أعوام من عملها في العراق، ضمن عقد مع القوّات الأميركيّة يقضي بتدريب الشرطة العراقيّة.
ويشير قانون الشركات الأمنيّة إلى أنّ الغرض من صدوره هو تنظيم عمل الشركات الأمنيّة الخاصّة بحماية الأفراد والشركات. كما يشير نصّ القانون إلى أنّ هذه الشركات باشرت عملها بموجب مذكّرة سلطة الإئتلاف الموقّتة (المنحلّة) في عام 2004، لكنّ هذه المذكرة تفتقر إلى الأحكام القانونيّة الواضحة التي تحدّد الإجراءات والشروط الواجب توافرها لدى كلّ شركة. ولهذا، تمّ إعداد مشروع القانون لتدارك النواقص.
وينظّم القانون أيضاً التأسيس لشركات أمنيّة عراقيّة أو السماح لها بالعمل، باقتراح من وزارة الداخليّة وبموافقة مجلس الأمن الوطنيّ. أمّا بالنّسبة إلى الشركات الأجنبيّة فيسمح لها بالعمل للضرورات الأمنيّة القصوى، وبموافقة مجلس الوزراء، وباقتراح من وزير الداخليّة. كما يتيح القانون تأسيس مديريّة تسمّى "مديريّة شؤون الشركات الأمنيّة الخاصّة" تابعة لوزارة الداخليّة، وتتولّى تسجيل وإصدار الإجازة لهذه الشركات.
وكشف عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانيّة عبد العزيز حسن لـ"المونيتور" عن أنّ "مشروع قانون الأسلحة يمنح الحشد الشعبيّ رخصة واسعة لحيازة السلاح واستخدامه في محاربة الإرهاب. وبعد انتهاء الحرب، ستكون القيادة العامّة للقوّات المسلّحة، الجهة المسؤولة عن تنظيم تلك القوّات من ناحية بقاء الأسلحة في أيدي أفرادها أو تجريدهم منها".
وفي الوقت نفسه، قال عبد العزيز حسن: "إنّ قانون الشركات الأمنيّة يجعل مهامها خاضعة لسيطرة الدولة، ولا تشرع في برامجها، إلاّ بعد موافقات من الدوائر الأمنيّة والاستخباراتيّة. كما أنّ أوامر حركاتها وعمليّاتها تتمّ بالتنسيق مع قيادات العمليّات الحكوميّة والشرطة، لا سيّما أنّ التجارب الماضية أثبتت أن بعض الشركات لا يخضع إلى القانون العراقيّ".
واستكمل حديثه عن تفاصيل قانون الأسلحة، فقال: "إنّه ينزع أسلحة أفراد ومجاميع مسلّحة يسعيان إلى فرض سطوتهما بالقوّة، فيما يضمن لفصائل الحشد الشعبيّ الرسميّة دوراً مستقبليّاً، حتّى بعد طرد داعش، لأنّه ينظّم احتفاظها بالسلاح بطريقة قانونيّة تماماً، مثل الجيش والأجهزة الأمنيّة الأخرى".
إنّ تنظيم عمل الشركات الأمنيّة في العراق وتنظيم حيازة السلاح واستخدامه، يعدّان خطوة على طريق فرض القانون وتعزيز هيبة النظام، بعد أكثر من عقد على التدهور الأمنيّ الذي يعاني منه العراق. كما أنّ ذلك سوف يُشعر المواطن بأنّ أفراد القوى الأمنيّة الرسميّة كمنتسبي الشركات الأمنيّة، هم من الأوائل الذين يخضعون إلى القانون، وليسوا فوقه، وأنّهم متساوون في الحقوق والواجبات مع المواطن.