القاهرة — تدافع مصر عن موقفها من الأزمة الليبيّة، حيث أكّدت مراراً أنّها تقف على مسافة واحدة من كلّ الأطراف للمساهمة في التوصّل إلى حلّ سياسيّ، إلاّ أنّ مراقبين اعتبروا موقفها يتّسم بنوع من التناقض، إذ أعلنت في 26 كانون الأوّل/ديسمبر 2015 رسميّاً اعترافها ودعمها للمجلس الرئاسيّ لحكومة الوفاق الوطنيّ برئاسة فايز السراج والمنبثق عن إتّفاق الصخيرات الموقّع في المغرب برعاية أمميّة في 17 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015.
غير أنّ القاهرة تقدّم الدعم المباشر إلى خصوم السراج في طبرق، لا سيّما قائد الجيش الوطنيّ الليبيّ خليفة حفتر، إذ ترى فيه منقذ ليبيا من الإرهاب، حسبما قال الرئيس عبد الفتّاح السيسي في نيسان/إبريل من عام 2016.
وتعاني ليبيا منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمّر القذافي في عام 2011، إثر احتجاجات ضدّه، من انقسامات وصلت إلى أشدّها في عام 2014، حينما شكّل مجلس نوّاب اتّخذ من طبرق في الشرق مقرّاً له وحظي باعتراف وتأييد دوليّين، فيما رفض هذه الخُطوة مجلس النوّاب الذي انتخب في عام 2012 واتّخذ من طرابلس بالغرب مقرّاً له. وإلى الآن، يتناحر برلمانان وحكومتان في الشرق والغرب، ممّا يصعّب مهمّة السراج وحكومته. تكمن مهمة السراج قيادة مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية يعقبها انتخابات رئاسية.
وتتمثل العقبة الكبرى أمام تسوية الأزمة الليبيّة هي قضيّة تشكيل جيش ليبيّ موحّد، وهو ما لا يمكن أن يتمّ من دون موافقة حفتر الذي يلقى تأييداً مباشراً من برلمان طبرق.
واعتبر مراقبون أن حلّ الأزمة لابد أن يمر بممارسة ضغط كبير على حفتر لإقناعه بالانخراط في العمليّة السياسيّة التي ترعاها الأمم المتّحدة وتحظى بدعم دوليّ واسع، وهو ما يتطلّب بذل جهود في هذا الاتّجاه من قبل حلفاء حفتر، وتأتي مصر في مقدّمتهم.
وفي آب/أغسطس من عام 2016، شكّلت القاهرة لجنة معنية بملف الأزمة الليبيّة بقرار من عبد الفتّاح السيسي، وأسندت رئاستها إلى رئيس أركان حرب القوّات المسلّحة الفريق محمود حجازي.
غير أن السراج قال في يونيو من عام 2016، خلال مقابلة مع "رويترز" لن يتمّ استبعاد أيّ طرف أو شخص من الجيش الوطنيّ، حتّى حفتر المتمركز في شرق ليبيا، لكنّه أضاف عبارة "ما دام يخضع للسلطة السياسيّة المركزيّة"، وهو ما زاد الشكوك لدى حفتر حول وضعه في حكومة السراج وعلاقتها بالجيش.
وبعد محاولات نجحت الوساطة المصريّة في 31 كانون الثاني/يناير من عام 2016 في تنسيق لقاء جمع السراج وحفتر، في مدينة المرج شرق ليبيا، غير أنّها لم تسهم في حلحلة الأزمة، وصاحبها فشل مستمر إلى الآن في منح برلمان طبرق الثقة للسراج وحكومته.
وعزا عضو مجلس نوّاب طبرق الدكتور أبو بكر بعيرة الفشل في منح الثقة إلى الانقسام بين أعضاء البرلمان، مضيفاً لـ"المونيتور" هاتفيّاً من طبرق: إنّ وضع الجيش وسلطات حفتر في المعادلة السياسيّة أهمّ ما يعوق منح الثقة للسراج وحكومته لاستكمال المرحلة الانتقاليّة. أضاف: لدى النوّاب تخوّف من إمكانيّة إزاحة حفتر كلاعب رئيسيّ في أيّ حل مستقبليّ يمكن أن تصل إليه ليبيا.
وتنصّ المادّة الثامنة من نصّ الإتّفاق السياسيّ الموقّع في الصخيرات على نقل كافة صلاحيّات المناصب العسكريّة والأمنيّة العليا، إلى مجلس الوزراء في حكومة الوفاق فور توقيع الإتّفاق. كما يتعيّن قيام مجلس الوزراء باتّخاذ قرار بشأن شاغلي هذه المناصب. وفي حال عدم اتّخاذ قرار خلال المدّة المقرّرة، يتّخذ المجلس قرارات بتعيينات جديدة خلال شهر.
وتوقّع السراج خلال حوار صحافيّ له في 25 كانون الثاني/يناير 2017، لقاء حفتر في غضون شهر بالقاهرة بتنسيق ورعاية مصريّة. إلا أن حفتر ضرب بهذه التوقعات عرض الحائط في 30 كانون الثاني/يناير، نافياً في بيان وجود أيّ ترتيبات لإجراء لقاء ثنائيّ بينهما سواء أكان في القاهرة أم أيّ مكان آخر.
الممثّل الخاص للأمين العام لمنظّمة الأمم المتّحدة إلى ليبيا مارتين كوبلر أشار في 8 فبراير 2017 إلى إمكانية تعديل اتفاق الصخيرات. وقال كوبلر انه تم التطرق إلى هذه التعديلات خلال الاجتماعات الأخيرة المنعقدة في ليبيا موضحا أن المسائل المتعلقة ب "القيادة العليا للجيش و دور المارشال خليفة حفتار و تشكيلة المجلس الرئاسي الليبي" شكلت محور المناقشات.
غير أن القاهرة استطاعت على مدار يومي 14 و15 فبراير عقد لقاءات فردية مع السراج وحفتر وعدد من القادة الليبيي. وقالت إنها توصلت إلى توافق حول ثوابت غير قابلة للتبديل على رأسها الحفاظ على وحدة ليبيا وسلامتها الإقليمية.
وأوضحت القاهرة في بيان 15 فبراير، إن الحضور اتفقوا على معالجة عدد محدود من القضايا المعلقة فى الإتفاق السياسى الليبي، من بينها مراجعة تشكيل وصلاحيات المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج ومنصب القائد الأعلى للجيش وإختصاصاته وتوسيع عضوية المجلس الأعلى للدولة، إضافة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول فبراير 2018.
وتعليقاً على الاتفاق، قال عضو مجلس النواب طبرق إبراهيم عميش إن البنود التي خرجت عن هذه الاجتماعات غير مُلزمة، معتبراً أن اللقاء فشل، مدللاً على ذلك برفض حفتر لقاء السراج ما دفع القاهرة إلى عقد لقاءات منفردة.
وأضاف عميش هاتفياً من طبرق أن القاهرة لم تستطع أن تعلن فشل الوساطة فاضطرت إلى ما وصفه بـ"ترقيع الأمور" لمد الأجل لمحاولة التوصل لإتفاق مستقبلي.
وعن النقاط الخلافية يقول عميش الذي يتولى رئاسة لجنة المصالحة الوطنية بالبرلمان إنها تتلخص في دور حفتر باعتباره قائداً عاماً للجيش في أي تسوية ساسية، وصلاحياته التي يرفض أن تظل في يد المجلس الرئاسي بزعامة السراج، حيث يرى أن ذلك يشكل خطراً على بقاءه، مضيفاً أن "السراج وحكومته يمتلكان صلاحيات واسعة، ومن الصعب أن تصل ليبيا لحل طالما السراج في مكانه".
وتوقّع بعيرة ألاّ تنجح مصر كحال كلّ دول الجوار في أيّ وساطة، وقال: "لابد أن يظل حفتر لاعباً أساسياً في العملية، وهو ما لا ترضخ له حكومة السراج المدعومة أمميّاً ودوليّاً".
وطالب بعيرة كلّ الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبيّة داخليّاً وخارجيّاً بأن تقدّم تنازلات لعبور الأزمة، وقال: إنّ من دون ذلك لن نتوصّل إلى حلّ أبداً.