على مدى السنوات العشرة الماضية تقريباً، حذّر رؤساء الحكومة المتعاقبون الأردنيّين من أنّ بلدهم يواجه ظروفاً اقتصاديّة صعبة وأنّه يتعيّن عليهم التحلي بالصبر في ظلّ اتّخاذ الحكومة تدابير صارمة – كرفع الدعم عن السلع الأساسيّة، وزيادة كلفة المنافع العامّة، وزيادة كلفة الخدمات العامّة – في محاولة منها لإصلاح الاقتصاد.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدوليّ وبرامجه الإصلاحيّة الاقتصاديّة المتعدّدة، لا يزال أداء الاقتصاد الأردنيّ دون المستوى، خصوصاً في السنوات الخمس الماضية، ما يضطرّ الحكومة إلى الاعتماد على الاقتراض المحليّ والخارجيّ وعلى حزم المساعدات الماليّة، من الولايات المتّحدة الأميركيّة ودول الخليج والبلدان الأوروبيّة في الدرجة الأولى. وفي تموز/يوليو 2016، انضمّ الأردن إلى برنامج لصندوق النقد الدوليّ مدّته 36 شهراً يسمح له بالحصول على قروض بقيمة 700 مليون دولار.
وعلى الرغم من اتّخاذ تدابير اقتصاديّة غير شعبيّة، لا تزال ميزانيّات الدولة تنتج عجزاً مستوطناً- 1,2 مليار دولار، أو 2,8% من الناتج المحليّ الإجماليّ، للعام 2017 – فيما تخطّت نسبة الدين من الناتج المحليّ الإجماليّ عتبة الـ 90%، وبلغ حجم الدين أكثر من 35 مليار دولار. ومع أنّ مجلس النوّاب وافق في 23 كانون الثاني/يناير على ميزانيّة 2017 المثيرة للجدل، التي تسعى إلى جمع 643 مليون دولار على شكل ضرائب وتعرفات إضافيّة، إلا أنّه ليس معروفاً ما سيكون ردّ فعل الأردنيّين على هذه التدابير في الوقت الذي لا تزال فيه قطاعات اقتصاديّة كثيرة تعاني ومعدّلات البطالة والفقر ترتفع. وتبيّن إحصاءات البطالة الأخيرة ارتفاعاً من 14% سنة 2015 إلى 15,8% سنة 2016، فيما يستقرّ معدّل الفقر عند 14%.
وفيما رحّب صندوق النقد الدوليّ بانضمام الأردن إلى الخطّة الإصلاحيّة غير الشعبيّة، أقرّ بأنّ النموّ الاقتصاديّ جامد منذ فترة، علماً أنّ نسبته بلغت حوالى 3% سنوياً في السنوات الأربع الماضية، أي دون المعدّل المسجّل بين العامين 2000 و2009 والبالغ 6,5% وأقلّ من الهدف المحدّد للعام 2016-2015 والبالغ 4,5%. وما يزيد الوضع سوءاً هو الزيادة الملحوظة في نسبة سكّان المملكة، المقدّرة بـ 9,5 ملايين نسمة – من بينها 6,6 ملايين أردنيّ فقط – وفقاً للتعداد الوطنيّ في العام 2015. وتعود هذه الزيادة في الدرجة الأولى إلى تدفّق 1,2 مليون مهاجر سوريّ، بما في ذلك 600 ألف لاجئ مسجّل، منذ العام 2011. وقدّر البنك الدوليّ الكلفة السنويّة الناجمة عن استقبال أكثر من 630 ألف لاجئ مسجّل بأكثر من 2,5 مليارات دولار في العام 2016.
وما قد يجعل سنة 2017 سنة صعبة جداً بالنسبة إلى الاقتصاد الأردنيّ هو الخوف من تراجع كبير في تدفّق المساعدات الدوليّة، خصوصاً من دول الخليج الغنيّة بالنفط. فعلى الرغم من التماسات المسؤولين الأردنيّين المتكرّرة، لم يجدّد مجلس التعاون الخليجيّ حزمة المساعدات التي خُصّصت للأردن في خلال الربيع العربيّ سنة 2011 والتي بلغت قيمتها 5 مليارات دولار ومدّتها 5 سنوات. وقد انتهت مدّة الهبة في نهاية سنة 2016، وما من مؤشّرات على أنّ مجلس التعاون الخليجيّ يعتزم تمديدها.
بالإضافة إلى ذلك، ينتظر الأردنيّون من المملكة العربيّة السعوديّة إنشاء صندوق استثمار بقيمة مليارات الدولارات تمّ الاتفّاق عليه في آب/أغسطس 2016. ولم يتمّ الإعلان بعد عن أيّ مشاريع – في قطاعات الطاقة والسياحة والبنى التحتيّة.
ووسط هذه الأوضاع الصعبة، شعر الأردنيّون بالصدمة عندما رأوا المرجع الدينيّ الأرفع مستوى في المملكة، الشيخ أحمد هليل، يلتمس من دول الخليج المساعدة في خطبة تلاها أثناء صلاة الجمعة وبثّتها المحطّات التلفزيونيّة في 20 كانون الثاني/يناير. فقد قال هليل، رئيس القضاة الشرعيّين في الأردن المعروف بعلاقته الوثيقة مع القصر الملكيّ، متوجّهاً إلى قادة الخليج: "يحيط الخطر بإخوانكم في الأردن من كلّ مكان. أين عونكم؟ أين هي أموالكم؟ أين هي ثرواتكم؟".
وانتقد الكثيرون خطبة هليل، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعيّ، باعتبار أنّها تحمل إهانة للأردنيّين وتوبيخاً لدول الخليج، التي يوظّف بعضها مئات آلاف الأردنيّين ولديه استثمارات ضخمة في المملكة. ومع تلاشي الضجّة التي أثارتها الخطبة، تساءل الكثيرون عن إمكانيّة توجيه هليل هذه الرسالة القويّة من دون موافقة السلطات. وبعد يومين من الخطبة، تمّت إقالة هليل. وأوضح الناطق باسم الحكومة محمد المومني في مقابلة تلفزيونيّة في 23 كانون الثاني/يناير أنّ هليل كان موظّفاً حكوميّاً لكنّ خطبته كانت تعبيراً عن رأيه الشخصيّ.
وفي اليوم السابق، في 22 كانون الثاني/يناير، نشرت صحيفة "الرأي" أنّه من المتوقّع أن يجتمع الملك السعوديّ سلمان بن عبد العزيز آل سعود بالملك عبدالله في عمّان قبل يومين من عقد القمّة العربيّة السنويّة في العاصمة الأردنيّة في 29 آذار/مارس. وسيتمحور الاجتماع، من جملة أمور أخرى، حول احتياجات الأردن الماليّة المستعجلة وإطلاق مشاريع برعاية صندوق الاستثمار السعوديّ الأردنيّ، بحسب الصحيفة.
وبعد قضيّة هليل، أطلّ رئيس الوزراء هاني الملقي على التلفزيون الرسميّ في 27 كانون الثاني/يناير ليطمئن الإيرانيّين بأنّ الاقتصاد الوطنيّ قويّ بما يكفي وأنّه سيتمّ التعامل مع الأزمة الحاليّة من خلال الإصلاح المستمرّ، وإلغاء الدعم بكلّ أشكاله وكلّ التخفيضات الضريبيّة، بالإضافة إلى تدابير تقشفيّة. وقال أيضاً إنّ الحكومة تستمرّ في التفاوض مع مجلس التعاون الضريبيّ في محاولة منها لتجديد حزمة المساعدات المخصّصة إلى الأردن.
وقد خضعت التدابير الحكوميّة الاقتصاديّة لتدقيق النوّاب والمعلّقين لأنّها تعتمد بشكل كامل تقريباً على فرض الضرائب على المواطنين. واتُّهمت الحكومة أيضاً بعدم معالجة الفساد وتخفيض الإنفاق الحكوميّ. وانتقد الصحافيّ الاقتصاديّ خالد الزبيدي الاعتماد على صندوق النقد الدوليّ الذي أدّت تدابيره، على حدّ قوله، إلى "تعميق الأزمة الحاليّة ولم تعالج البطالة والفقر". وقال لـ "المونيتور" إنّ المشكلة تكمن في عجز الحكومات المتعاقبة عن معالجة نقاط الضعف الأساسيّة في الاقتصاد الأردنيّ، بما في ذلك تقليص حجم العمالة الأجنبيّة وتوفير حوافز حقيقيّة للقطاعات الاقتصاديّة وتقليص حجم القطاع العامّ والاستثمار في البنية التحتيّة.
واعتبر الخبير الاقتصاديّ والمصرفيّ السابق مفلح عقل أنّ الظروف الإقليميّة هي المسؤولة عن تفاقم الأزمة الحاليّة. وفي سياق مناقشة سبب معدّلات النموّ الجامدة، قال لـ "المونيتور": "حدودنا مع سوريا والعراق مقفلة، واضطررنا إلى استقبال مئات آلاف اللاجئين، ولا نزال في خضمّ الاضطرابات الإقليميّة". وأشار عقل أيضاً إلى أنّ الأردن تأثّر بتراجع العائدات النفطيّة الذي أدّى إلى انخفاض تدفّق المساعدات من دول الخليج. وأضاف أنّ "الأردن لا يستطيع تطبيق الإصلاحات الاقتصاديّة الضروريّة من دون مساعدة صندوق النقد الدوليّ. نحن بحاجة إليهم لضبط العبء الضريبيّ وتخفيضه إلى حدّ مقبول".
وقال الصحافيّ السياسيّ فهد الخيطان لـ "المونيتور" إنّ الأردنيّين يتعرّضون لضغوط نتيجة الظروف الاقتصاديّة السيئّة، مضيفاً أنّ "الثقة في الحكومة متزعزعة". لكنّه قال إنّه لا يتوقّع أن ينزل الأردنيّين إلى الشارع من أجل الاحتجاج على الوضع الراهن، مؤكّداً أنّ "الأردن لن يواجه هذه الظروف لوحده. فهو يحظى بدعم الولايات المتّحدة وأوروبا والمملكة العربيّة السعوديّة".
في ظلّ المشاكل الاقتصاديّة التي تواجهها الدول المانحة في الخليج وأوروبا، ووجود إدارة جديدة في واشنطن لديها نظرة متشدّدة في ما يتعلّق بكيفيّة إنفاق الولايات المتّحدة أموال المكلفين في الخارج – احتلّ الأردن المرتبة الخامسة على لائحة البلدان التي تلقّت أكبر عدد من المساعدات الأميركيّة سنة 2016، وبلغ حجم مساعداته حوالى مليار دولار – ستكون سنة 2017 سنة صعبة جداً على المملكة. ومن غير المعروف ما سيكون ردّ فعل الأردنيّين ما إن تبدأ الحكومة بتطبيق التدابير الصارمة، لكنّ هذا الموضوع يحمل بلا شكّ أهميّة كبيرة.