بغداد - طرح الإجتماع الأخير، الذي عُقد بين قادة فصائل الحشد الشعبيّ وزعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر في 19 تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2016 في مدينة النّجف، جنوبي العراق، أهميّة إجراء مصالحة بين مقتدى الصدر ونائب رئيس الجمهوريّة الحاليّ رئيس إئتلاف دولة القانون نوري المالكي. كما أنّ إيران تسعى هي الأخرى بمساعدة ساسة عراقيّين إلى لمّ شمل البيت الشيعيّ أكثر في الفترات المقبلة، بغية تقوية صفوفه وتفويضه بلعب دور أكبر في العمليّة السياسيّة العراقيّة والمشاركة في تحديد مستقبل العراق في مرحلة ما بعد "داعش". ولأنّ إيران تعتقد أنّ الخلافات بين قادة التحالف الوطنيّ وكتله السياسيّة الرئيسيّة قد تشكّل خللاً وضعفاً فيه، تعمل الآن على تحقيق مصالحة بين نوري المالكي ومقتدى الصدر المنضويين في التّحالف الوطنيّ.
وأكّد علي الأديب، وهو قياديّ في حزب الدعوة الإسلاميّة ومقرّب من المالكي، وجود محاولات لتحقيق مصالحة بين المالكي ونّده الصدر، لكنّه لم يتحدّث عن الجهة التي تسعى إلى تلك المصالحة وإلى أيّ مرحلة وصلت.
ويبدو أنّ إحدى الخطوات التي كانت بداية لتحقيق مصالحة بين المالكي والصدر، هي تلك التي جمعت الأخير بقادة الحشد الشعبيّ في مدينة النّجف، على اعتبار أنّ أغلب قادة الحشد الذين حضروا للقاء الصدر مقرّبون من المالكي في شكل كبير.
وقال مصدر من داخل التحالف الوطنيّ لـ"المونيتور": "هناك عمليّة صلح كان يفترض أن تُبادر بها أطراف شيعيّة خلال الأيّام الماضية، لكنّ القرار الذي أصدرته المحكمة الإتحاديّة بإعادة نوّاب رئيس الجمهوريّة إلى مناصبهم، ومن ضمنهم نوري المالكي، دفع بالصدر إلى إتّخاذ موقف بالضدّ من هذا القرار، ممّا أخّر الخطوات التي كانت تسعى إلى تحقيق الصلح بينهما".
المساعي المبذولة للمّ شمل البيت الشيعيّ، تحضّر لمرحلة ما بعد "داعش"، وهي المرحلة التي يعتقد فيها سياسيّون شيعة أنّها يجب أن تكون مرحلة إنهاء الخلافات وخلق بيئة هادئة داخل العمليّة السياسيّة. ويتّهم البعض الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بمحاولة السيطرة على العراق أكثر عبر إجراء مصالحة بين الصدر والمالكي، لأنّها ترى في عدم التقارب بينهما ضعفاً للتحالف الشيعيّ وحجر عثرة أمام مشاريعها في العراق.
وإنّ الرئيس الجديد للتحالف الوطنيّ عمّار الحكيم، وهو أكبر تحالف سياسيّ في العراق، ربّما سيتكفّل بمهمّة الصلح بين المالكي والصدر، وهذه الخطوة قد تكون من المهامّ الأساسيّة التي وصل بها إلى رئاسة التحالف، وهذا ما تؤيّده إيران التي تريد تحالفاً قويّاً.
هناك أنباء تُشير إلى أنّ الأمین العام للمجمع العالميّ للصحوة الإسلامیّة علي أكبر ولايتي نقل خلال زيارته التي قام بها أخيراً لبغداد من أجل حضور مؤتمر الصحوة الإسلاميّة، إقتراحاً إلى عمّار الحكيم يوضح أهميّة إعادة العلاقة بين الصدر والمالكي وعدم فسح المجال لأيّ خلاف جديد قد يحدث.
وبدأت الخطوات الأولى للصلح بين المالكي والصدر، وإن كانت غير مباشرة، في 15 تمّوز/يوليو من عام 2016، عندما أشاد المالكي بمتظاهري التيّار الصدريّ، لأنّهم، وبحسب قوله، أسقطوا مؤامرة بعثيّة كان يحضّر لها حزب البعث لإختراق التظاهرات التي انطلقت في 31 تمّوز/يوليو من عام 2015.
ورأى سعد المطلبي، وهو عضو إئتلاف دولة القانون ومقرّب من المالكي، خلال حديثه لـ"المونيتور" أنّ "الخلاف بين المالكي والصدر ليس شخصيّاً، وإنّما هو خلاف عمليّ يخصّ العمليّة السياسيّة والأوضاع في العراق".
واتّفق مناضل الموسوي، وهو نائب عن التيّار الصدريّ بزعامة الصدر، مع ما ذهب إليه سعد المطلبي، الذي أشار إلى أنّ الخلاف بين الصدر والمالكي هو خلاف على أسس عمليّة، وليس خلافاً شخصيّاً، وقال لـ"المونيتور": "من مصلحة الجميع ألاّ تكون هناك خلافات، فالخلاف بين المالكي والصدر يخصّ العمل، وليس خلافاً شخصيّاً. ونتمنّى أن تنتهي الخلافات في الفترة المقبلة، التي يمرّ بها العراق في مرحلة جديدة".
وقبل أن تظهر ملامح الصلح الشخصيّ بين الصدر والمالكي، كانت هناك ملامح صلح على مستوى كتلتيهما البرلمانيّتين، عندما تحالفتا مع كتل أخرى للإطاحة برئيس مجلس النوّاب سليم الجبوري. يبدو أنّ الصدر سيكون عنيداً خلال مرحلة المفاوضات التي سيستأنفها مع التحالف الوطنيّ، وربّما ستكون النقاط الـ14، التي قدّمها إلى التحالف الوطنيّ هي بداية تسوية الخلافات مع المالكي.
هناك من يعتقد أنّ الصلح بين المالكي والصدر يُمكن أن يضرّ ببقاء حيدر العبادي على رأس الحكومة العراقيّة، لكنّه في حقيقة الأمر يُمكنه أن يُعزّز وجود العبادي في منصبه، إذ أنّ الصدر يشترط عدم وجود المالكي على رأس حكومة عراقيّة جديدة.
ولأنّ عمّار الحكيم، الذي قد يختلف سياسيّاً مع الصدر والمالكي، إلاّ أنّه يريد في بداية رئاسته للتحالف الوطنيّ أن يقوم بخطوة تجذب الرأي العام والإعلام إليه. ولذا، سيكون ساعياً، وبكلّ قوّة، إلى جمع الندّين المنضويين في التحالف الوطنيّ.
وفي المحصّلة، فإنّ الصدر والمالكي لن يعلنا عن موعد عقد لقاء الصلح بينهما، لكنّهما سيفاجئان الجميع بخبر عودة علاقتهما وبداية صفحة جديدة. وهذه الخطوة، إن تمّت، فستكون عن طريق التحالف الوطنيّ وبفكرة إيرانية لتقوية التحالف الشيعيّ في الفترات المقبلة.