في 18 تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ، قرّر الرئيس التونسيّ الباجي قائد السبسي، التمديد ثلاثة أشهر لحالة الطوارئ التي فرضت في البلاد في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، في أعقاب هجوم انتحاريّ استهدف حافلة تابعة إلى جهاز الأمن الرئاسيّ. وقالت الرئاسة التونسيّة في بيان لها إنّ "الرئيس قرّر وبعد التشاور مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشعب، التمديد لحالة الطوارئ في كامل تراب الجمهوريّة". ويأتي هذا القرار، على الرغم من تحسّن الوضع الأمنيّ في البلاد، ممّا يطرح تساؤلات حول دوافع اتّخاذه، خصوصاً وأنّ حالة الطوارئ وفقاً لما يضبطه القانون التونسيّ المتعلق بحالات الطوارئ، تمكّن السلطات من فرض حظر التجوّل ومنع الإضرابات العمّاليّة ومنع الاجتماعات العامّة، من دون الحصول على إذن من القضاء.
يرى المحلّل السياسيّ نزار مقني أنّه تمكن من قراءة تمديد حالة الطوارئ في تونس من ناحيتين، الأولى أمنيّة والثانية اجتماعيّة. ويقول مقني في حديث إلى "المونيتور": "أوّلاً، هذا التمديد يأتي لغايات التصدّي للإرهاب والعمليّات الإرهابيّة، خصوصاً وأنّ التهديدات ما زالت موجودة في ظلّ تحرّكات مريبة للخلايا النائمة في البلاد، وخصوصاً تلك المنتمية إلى تنظيم "داعش" والتي تتحرّك في إطار انتقاميّ، ردّاً على الهزائم التي يتعرّض إليها التنظيم في ليبيا، على يدّ القوّات الموالية للمجلس الرئاسيّ لحكومة الوفاق الليبيّة، أو في الشرق الأوسط في سوريا والعراق، وخصوصاً الحملة التي يشنّها الجيش العراقيّ في الموصل ضدّ التنظيم. كما أنّ الخلايا الجهاديّة ما زالت تتحرّك، وآخرها الكشف عن مخطّط لاغتيال وزير الداخليّة واستهداف مراكز سياديّة، هذا إضافة إلى التحوّط الكبير الذي تبديه الأجهزة الأمنيّة من المقاتلين التونسيّين الذين سيعودون أو عادوا من بؤر القتال، في وقت أدركت فيه السلطة فشلها في مراقبة الحدود بصفة كليّة وهو ما يرفع الهاجس الأمنيّ بالنسبة إليها".
وكانت الأجهزة الأمنيّة التونسيّة، قد فكّكت منذ بداية شهر تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ، العديد من الخلايا الجهاديّة، بعضها موالٍ لتنظيم أنصار الشريعة المحظور منذ عام 2013، وبعضها الآخر موالٍ لتنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش". ووفقاً لتقارير إعلاميّة، فقد نجحت قوّات الأمن من إلقاء القبض على أمير تنظيم الدولة الإسلاميّة في تونس ويدعى اسكندر فريج الملقّب بأبي البراء التونسيّ. وكانت السلطات التونسيّة قد مدّدت، في 24 آب/أغسطس الماضي، العمل بإقامة منطقة عسكريّة عازلة، التي تم الاعلان عنها منذ عام 2013، على طول حدودها الشرقيّة مع ليبيا، بهدف منع عمليّات تهريب السلاح والذخائر القادمة من ليبيا إلى داخل البلاد.
وكانت آخر عمليّة إرهابيّة شهدتها تونس، في آذار/مارس 2016، وأسفرت عن 54 قتيلاً في هجمات جهاديّة استهدفت مدينة بنقردان قرب الحدود مع ليبيا. ومنذ ذلك التاريخ، شهدت البلاد تحسّناً ملحوظاً على المستوى الأمنيّ. لكنّ السلطات مدّدت فرض حالة الطوارئ ثلاث مرات منذ مارس/أذار 2016، الأولى في شهر تمّوز/يوليو، والثانية في شهر أيلول/سبتمبر والثالثة في تشرين أول/أكتوبر.
كما جدّدت الدول الغربيّة مخاوفها من الوضع الأمنيّ في تونس، حيث دعت وزارة الخارجيّة الفرنسيّة، في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر الحالي، رعاياها المتوجّهين الى تونس أو المقيمين فيها، إلى توخّي الحذر في تحرّكاتهم وتجنّب التجمّعات والأماكن المكتظّة. وقبلها، كانت الولايات المتّحدة الأميركيّة، قد حذّرت في 30 أيلول/سبتمبر الماضي، رعاياها من التوجّه إلى جنوب شرق تونس، بالقرب من الحدود مع ليبيا والمناطق الجبليّة في غرب البلاد.
ويضيف نزار مقني: "ثانياً، يأتي تمديد حالة الطوارئ في وقت تحتاجه الحكومة الحاليّة للعمل على الإبقاء على حجّة قانونيّة لقمع أيّ تحرّكات اجتماعيّة يمكن أن تندلع في البلاد، وخصوصاً احتجاجاً على قانون الميزانيّة الجديدة لعام 2017، لو تمّت المصادقة عليه في مجلس النوّاب في صيغته الحاليّة التي أثارت جدلاً بسبب الزيادة في الضرائب وتجميد زيادة الرواتب".
وكان المحامون التونسيّون الممثلون في الهيئة الوطنية للمحامين قد قاموا بإضراب عامّ، في 21 تشرين الأوّل/أكتوبر الحاليّ، احتجاجاً على القانون كما لوّح الاتّحاد العامّ التونسيّ للشغل (أكبر منظّمة نقابيّة في البلاد) في 21 من الشهر الحاليّ، بتنظيم إضراب عامّ وسلسلة من المظاهرات في كامل البلاد للاحتجاج على خطط الحكومة بتجميد الزيادة في رواتب القطاع العامّ في عام 2017. في مقابل حالة الاحتقان الاجتماعيّ، يمنح القانون المنظّم لحالة الطوارئ، السلطات الحقّ في منع الإضرابات العمّاليّة والاحتجاجات الاجتماعيّة، ويعرّض المخالفين إلى عقوبات بالسجن لمدّة تتراوح بين ستّة أشهر وسنتين وغرامات ماليّة.
وقد طالبت منظّمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها نشر في 16 أيلول/سبتمبر الماضي بــ"التأكّد من أنّ التدابير المتّخذة بموجب حالة الطوارئ ليست تعسّفيّة، وهي ضروريّة جدّاً للاستجابة إلى متطلّبات الوضع، وتنتهي بمجرّد انتهاء الحاجة إليها، وتمارس في إطار سيادة القانون، وتضمن لكلّ من يتأثّر بها الحقّ في الحصول على مراجعة فعّالة لأيّ قرار يحدّ من حريّاته، بما في ذلك الحقّ في المراجعة القضائيّة لكلّ أشكال الاحتجاز".
من جانبه، يقول الصحافيّ التونسيّ عبد الستّار العايدي في حديث إلى "المونيتور": "إنّ تمديد العمل في حالة الطوارئ، إلى جانب التحذيرات التي تطلقها السفارات الغربيّة لرعاياها، تشير إلى وجود تهديدات أمنيّة قائمة في البلاد وفي المنطقة عموماً، لجهّة الأوضاع المضطربة في ليبيا والحرب على تنظيم "داعش". لكنّ التمديد يعطي مؤشّراً سلبياً إلى صورة البلاد خارجيّاً، ويضعف حظوظها في استقطاب استثمارات أجنبيّة هي في أمسّ الحاجة إليها، كما يقلّل من فرص استعادة القطاع السياحيّ نشاطه الطبيعيّ، بعد الانتكاسات التي تعرّض إليها في أعقاب هجمات بادرو في آذار/مارس 2015، وهجوم منتجع سوسة في تمّوز/يوليو 2015، والتي أودت بحياة عشرات السيّاح الأجانب".
ويضيف العايدي: "كان من الأجدر رفع حالة الطوارئ، لجهّة الانطباع المحليّ والدوليّ الذي تعطيها لصورة البلاد، وتقلّل فرص النموّ الاقتصاديّ. وذلك لا يعني أبداً التراخي في مواجهة التهديدات الأمنيّة، فالأجهزة الأمنيّة والقضائيّة لديها نصّ قانونيّ ينظّم عمليّة مكافحة الإرهاب هو قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الصادر في العام الماضي، وليست في حاجة لأحكام حالة الطوارئ كي تعتقل مشتبه بهم أو تفكّك خلايا إرهابيّة، خصوصاً وأنّ أحكام الطوارئ يمكن أن تستغلّها الحكومة في الحدّ من الحريّات الفرديّة أو في قمع الاحتجاجات الاجتماعيّة والإضرابات العمّاليّة أو ضرب حريّة التعبير والنشر والصحافة".
قصارى القول، مازالت تونس تواجه تهديدات أمنية كبيرة خاصة لجهة الأوضاع المتردية في الجارة الشرقية ليبيا وتواصل المواجهة مع الجماعات الجهادية في الجبال الغربية على الحدود مع الجزائر، الأمر الذي يجعل الأوضاع الاستثنائية التي تفرضها حالة الطوارئ ستبقى متواصلة حتى إشعار أخر. لكن في المقابل تطالب القوى الاجتماعية والعمالية والمدنية الدولة بعدم رفع شعار مكافحة الإرهاب كذريعة لقمع الحريات الفردية والعامة وتأجيل القيام بمسؤوليتها في التنمية. ويبقى تحدي التوفيق بين الأمن والحرية سؤالاً مطروحاً في تونس.