ما زالت مسألة وراثة الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس تشغل الفلسطينيّين، مع تجاوزه الـ81 عاماً، والفحوص الطبيّة التي يجريها، والتي زادت أخيراً بصورة ملحوظة، كان آخرها في 6 تشرين الأوّل/أكتوبر، في مستشفى رام الله، وكانت النتائج مطمئنة.
وقد دأبت العديد من وسائل الإعلام الفلسطينية منذ 2014، ومنها وكالة الأنباء الفلسطينية "معا"، على تداول الأسماء المرشّحة لخلافة عبّاس بين كبار الضبّاط الأمنيّين، كرئيس جهاز الأمن الوقائيّ السابق في غزّة محمّد دحلان، والرئيس السابق للجهاز ذاته في الضفّة الغربيّة جبريل الرجوب، ورئيس جهاز المخابرات العامّة ماجد فرج، لما لهم من تأثير في الساحة الفلسطينيّة، وقدرة على ضبط أوضاعها الميدانيّة.
لكنّ صحيفة رأي اليوم الصادرة في لندن، طرحت يوم 7 تشرين أول/أكتوبر للمرة الأولى اسم ناصر القدوة، لدخول ساحة السباق إلى منصب الرئاسة الفلسطينيّة، ولم يكن مطروحاً من قبل، على الرغم من امتلاكه لما يمكن وصفه بالمؤهّلات السياسيّة والشخصيّة التي قد تجعله مرشّحاً معقولاً للمنصب الأعلى في السلطة الفلسطينيّة.
القدوة (63 عاماً)، سياسيّ ودبلوماسيّ فلسطينيّ، ووزير الخارجيّة الأسبق، وابن شقيقة الرئيس الفلسطينيّ السابق ياسر عرفات، وعضو اللجنة المركزيّة لفتح، الجهّة القياديّة الأعلى في الحركة، والمندوب الفلسطينيّ السابق في الأمم المتّحدة، ومبعوث الجامعة العربيّة إلى ليبيا في عام 2014.
قال رئيس المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجيّة-مسارات هاني المصري، لـ"المونيتور" إنّ "القدوة صاحب خبرة سياسيّة، ودبلوماسيّ مشهود له، ونظيف اليدّ واللسان، وموقفه وطنيّ لا غبار عليه، لكنّه يفتقد إلى القاعدة السياسيّة الشعبيّة، ولا يخوض في معارك الساحة الفلسطينيّة في ظلّ الاستقطاب الحادّ الحاليّ، ممّا يجعله مرشّحاً مناسباً ضمن رؤية شاملة لإعادة بناء النظام السياسيّ الفلسطينيّ، وتكامل أدواره وصلاحيّاته".
لم تعلّق حركة فتح كثيراً على تداول وسائل الإعلام الفلسطينية لإمكانية أن يكون القدوة خلفاً لعبّاس، فقد قال عضو لجنتها المركزيّة عبّاس زكي في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، إنّ تسريب انتخاب القدوة بدلاً عن الرئيس عبّاس هدفه الإساءة إلى الأخير، وهو غير وارد، ولم يطرح داخل الحركة.
لكنّ عضو اللجنة المركزيّة لفتح أمين مقبول، قال لـ"المونيتور" إنّ "الأحاديث المتزايدة عن ترشيح القدوة في مرحلة ما بعد الرئيس عبّاس لا داعي لها، والهدف من هذه التسريبات بثّ البلبلة والإرباك في الساحة الفلسطينيّة".
أعطى مقبول "المونيتور" إجابة جديّة وسريعة من دون مواصلة حديثه حول القدوة، أو إفساح المجال أمام طرح أسئلة جديدة حول ترشيحه القدوة إلى الرئاسة الفلسطينيّة، وهو بذلك لم ينف هذه الأحاديث المتداولة حول الرجل أو يؤكّدها.
ما قد يمنح القدوة ترجيحاً أمام باقي المرشّحين، أنّه يحظى باحترام بين الفلسطينيّين، فاسمه بعيد عن الفساد في السلطة الفلسطينيّة. لكنّه يواجه صعوبات غير قليلة، كمعارضة بعض زملائه في قيادة فتح تولّيه الرئاسة، لأنّه ليس الأكبر سنّاً، وليس من جيل مؤسّسي فتح، وعلاقته جيّدة مع دحلان، وقد تخشى قيادات فتح أن يمثّل اختيار القدوة جسراً لعودة دحلان للعب دور مركزيّ في الساحة الفلسطينيّة.
يعود صراع دحلان مع عباس إلى عام 2011، حين قرّرت اللجنة المركزيّة لفتح، الجهة القياديّة الأعلى فيها، برئاسة عبّاس، فصل دحلان منها، وتحويله إلى النائب العام الفلسطينيّ بتهمة الفساد الماليّ، ورغم مرور أكثر من خمسة أعوام على قطيعتهما، عباس ودحلان، ووجود مساع فلسطينيّة وعربيّة لإصلاحهما، لكنّها محاولات باءت بالفشل، لعدم قدرتها على التأثير عليهما.
حاول "المونيتور" مراراً التواصل مع القدوة، من دون جدوى، لعدم رغبته بالحديث إلى الإعلام، لكنّ مقرّباً منه، أخفى هويّته، أبلغ "المونيتور" بأنّ "الأحاديث التي تتردّد في شأن القدوة قد تضرّه أكثر ممّا تنفعه، لأنّ الرباعيّة العربيّة من السعوديّة والأردن ومصر والإمارات العربيّة المتّحدة، قد تريده جسراً مستقبليّاً لعبور دحلان إلى منصب الرئاسة لاحقاً، وقد أبلغ القدوة أطرافاً عربيّة متعدّدة، لم يسمّها، بعدم رغبته بخلافة عبّاس، لكنّه لن يرفضها إن تمّت بإجماع فتحاويّ-فلسطينيّ-عربيّ، ولا يطرح نفسه بديلاً عن أحد في الساحة الفلسطينيّة، وقرّر ألّا يتحدّث بالموضوع علناً".
تراقب حماس الحراك حول مستقبل الرئاسة، ومن الرئيس المقبل خلفاً لعبّاس، ربّما لقناعة حماس أنّ فتح لا يجب أن تقرّر وحدها هويّته، فحماس لاعب مهمّ يصعب تجاوزه، وهي تنافس فتح على قيادة الشعب الفلسطينيّ، وتسيطر على غزّة منذ عام 2007، وقد تسهّل مسألة الخلافة أو تصعّبها، مع أنّ ما قد يساعد على ترشيح القدوة هو أنّ مواقفه السياسيّة غير مرتبطة بالانقسام مع حماس، التي قد لا تبدي معارضة له.
وقال المتحدّث باسم حماس حازم قاسم، لـ"المونيتور" إنّ "موضوع الرئاسة لا يخصّ فتح وحدها، بل يهمّ كلّ شعبنا الفلسطينيّ، فرئيس السلطة الفلسطينيّة ليس رئيساً لفتح، ولا يجوز لها التلاعب به، أو التعامل معه، كأنّه قضيّة حزبيّة تخصّها فقط، وحماس ترفض تعيين الرئيس بالضغوط الخارجيّة، فالقيادات الفلسطينيّة يتمّ اختيارها في صناديق الاقتراع وبالتوافق الوطنيّ، وعلى فتح أن تحلّ مشاكلها الداخليّة، من دون استخدام المؤسّسات العامّة لفرض قيادات على شعبنا، وهي مطالبة بمنع التأثيرات السلبيّة لخلافاتها الداخليّة على مسار القضيّة الفلسطينيّة".
الملفت أنّ الإعلام الإسرائيليّ انشغل بالقدوة، وفقاً لما ذكره محلّل الشؤون الفلسطينيّة في القناة الإسرائيليّة الثانية إيهود يعاري في 12 تشرين الأوّل/أكتوبر، عن طلب مصر والأردن والسعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة من عبّاس، من دون تحديد موعد ذلك، اختيار القدوة خلفاً له.
وذكر الضابط السابق في الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة يوني بن مناحيم في 9 تشرين الأوّل/أكتوبر على موقع المعهد الأورشليميّ لشؤون الدولة أنّ ترشيح القدوة لخلافة عبّاس لم يرق كثيراً للأخير، لأنّ القدوة من المقرّبين لدحلان.
حاول الخبير الفلسطينيّ في الشؤون الإسرائيليّة صالح النعامي شرح الموقف الإسرائيليّ من ترشيح القدوة إلى الرئاسة الفلسطينيّة، قائلاً لـ"المونيتور" إنّ "توافق الدول العربيّة على القدوة، لا يلزم غيره بعدم الترشّح، والتنافس أمامه على رئاسة السلطة، ولو افترضنا أنّه أصبح رئيساً للسلطة، فسيكون مطالباً بالتعامل مع الحكومة الإسرائيليّة بزعامة بنيامين نتنياهو التي ستتعمّد إحراج القدوة، والمسّ بمصداقيّته أمام الفلسطينيين، وهو ما سيحصل مع جميع المرشحين لخلافة عباس، لأنّه سيكون مطالباً بفعل ما يفعله عبّاس من توفير بيئة تساعد إسرائيل على مواصلة مشروعها الاستيطانيّ، ومواصلة التعاون الأمنيّ معها".
أخيراً... قد تكون نقطة ضعف القدوة، أو نقطة قوّته، عدم تورّطه في لعبة المحاور الداخليّة الفلسطينيّة، وإن بدا أنّه أضعف من كثيرين من الطامعين بالسلطة والمتطلّعين إلى كرسيّ الرئاسة الفلسطينيّة، لكنّه قد يكون قاسماً مشتركاً ورجل توافق مع المتنافسين، في ظلّ احتفاظه بعلاقات جيّدة مع معظمهم، ولديه صداقات مع شخصيّات وازنة في فتح والمنظّمة والفصائل.