طهران، إيران – يبذل الرّئيس السّابق محمود أحمدي نجاد جهودًا أكبر من أيّ وقت مضى ليعود إلى السّاحة السّياسيّة. ولا شكّ في أنّ دربه سيكون محفوفًا بكثير من التّحديّات، نظرًا إلى أنّه يواجه معارضة لا فقط من قبل شريحة كبيرة من الجمهور الإيراني والإصلاحيّين، بل أيضًا من بعض الشّخصيّات داخل معسكره المحافظ الخاصّ.
قام رجل الدّين المحافظ البارز آية الله أحمد علم الهدى، وهو إمام الجمعة في مدينة مشهد الشّماليّة الشّرقيّة المعروف بمواقفه المحافظة الصّريحة، بالإعلان عن رأيه بوضوح: "السّيد أحمدي نجاد كان شخصًا ضلّ الطّريق، ومات وانتهى أمره. أحمدي نجاد ليس حركة. هو وقف في وجه ولاية الفقيه وانهار".
ومع أنّه عاد ونفى الأمر، إنّ حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان المتشدّدة التي تنتقد أحمدي نجاد بشدّة في الأشهر الأخيرة، قال بحسب ما ذكرت التّقارير لتجمّع من الطلّاب الجامعيّين في 10 أيلول/سبتمبر، "إذا أردت إعطاء علامة منصفة لأحمدي نجاد، سيحصل على مجموع نقاط منخفض. هو وقف في وجه المرشد الأعلى عندما اعتكف في منزله لمدّة 11 يومًا في العام 2011. وعندما يرى أفراد حزب الله [المحافظون المتديّنون] ذلك، لن يصوّتوا له. أعتقد أنّه من غير المرجّح أن يوافق مجلس صيانة الدّستور على مؤهّلاته".
وبالإضافة إلى المتشدّدين في المعسكر المحافظ، انتقدت أيضًا بعض الشّخصيّات الأكثر اعتدالاً فيه الرّئيس الإيراني السّابق. قال رجل الدّين المحافظ البارز غلامرضا مصباحي مقدّم إنّ أحمدي نجاد يفتقر إلى المؤهّلات المطلوبة للعودة بقوّة، مؤكّدًا أنّ "أحمدي نجاد ليس كفوءًا كفاية ليعود إلى السّلطة. لقد شوّه صورته أمام عدد كبير من الشّخصيّات المرموقة وهذا دفعه إلى الهامش".
مع ذلك، يبدو أنّ أحمدي نجاد يزداد نشاطًا يوم بعد يوم. حتّى إنّ زياراته المتعدّدة إلى المحافظات الإيرانيّة وخطاباته أثارت اعتراضات من بعض المسؤولين داخل حكومة الرّئيس حسن روحاني. أفاد وزير الدّاخليّة عبد الرضا رحماني فضلي بأنّه "جرى تحذير أحمدي نجاد من أنّ إطلاق أيّ حملة سياسيّة قبل فترة الانتخابات الرّسميّة خطوة غير قانونيّة. عليه الحصول على تصاريح قانونيّة لتجمّعاته، ناهيك عن أنّ محتوى خطاباته مثير للجدل وفيه لهجة الحملات الانتخابيّة". مع ذلك، يواصل أحمدي نجاد تجاهل تلك التّحذيرات والتّوصيات ويمضي قدمًا بأنشطته، تمامًا كما فعل في الفترة التي قضاها رئيسًا للبلاد.
السّؤال هو كيف يستطيع شخص فاز بدورتين انتخابيّتين كرئيس للبلاد عبر الاعتماد على دعم المحافظين، أن يأمل بالعودة وسط انتقادات حادّة منهم؟ قال الأستاذ البارز في جامعة طهران صادق زيبا كلام للمونيتور، "يعلم أحمدي نجاد أنّه الشّخص الوحيد القادر على تحدّي روحاني. وهو يعلم أيضًا أنّ المحافظين ليس لديهم مرشّح آخر سواه. فقد سبق وتعرّض كلّ من ]المفاوض النّووي السّابق[ سعيد جليلي و]رئيس بلديّة طهران [محمد باقر قاليباف] للهزيمة في مواجهة روحاني في الدّورة الانتخابيّة السّابقة؛ وليس لديهما القدرة على التّنافس ضدّ روحاني. إذًا يأمل أحمدي نجاد في إقناع المحافظين بدعمه مع اقتراب انتخابات العام 2017".
بالإضافة إلى معارضة المحافظين، يواجه أحمدي نجاد أيضًا تحدّيًا آخر يكمن في تخطّي تدقيق مجلس صيانة الدّستور في مرشّحي الرّئاسة. كتب المشرّع المحافظ السّابق أحمد توكلي عبر تطبيق "تلغرام" في شهر نيسان/أبريل، "هناك أسباب دينيّة وقانونيّة كافية لاستبعاد أحمدي نجاد".
وفي مقابلة مع المونيتور، قال سعيد ليلز، نائب رئيس حزب منفّذي البناء المعتدل، "نأمل أن يتأهّل أحمدي نجاد وكلّ الأشخاص الآخرين للانتخابات لأنّنا أساسًا ضدّ استبعاد المرشّحين. من جهة، أعتقد أنّ وجود أحمدي نجاد سيسبّب انقسامًا داخل المعسكر المحافظ ويصرف فرصة إجماع المحافظين، في حين أنّه من جهة أخرى، سيعزّز التّضامن بين الإصلاحيّين المحيطين بروحاني".
بالفعل، تشير التكهّنات في أوساط المحافظين إلى غياب مرشّح جديد قوي يستطيع التّنافس ضدّ روحاني في انتخابات أيار/مايو 2017 الرّئاسيّة. في الانتخابات الماضية، أرسل المحافظون جميع مرشّحيهم المحتملين الآخرين إلى السّاحة، ومنيوا جميعهم بالهزيمة. ترشّح قاليباف مرّتين للرّئاسة: ضدّ أحمدي نجاد في العام 2009 وضدّ روحاني في العام 2013. أمّا جليلي، المرشّح المفضّل لدى المحافظين المتطرّفين، فنال فقط 11.3% من الأصوات في العام 2013، وحلّ في المرتبة الثّالثة. في الوقت عينه، ترشّح رئيس مجلس الشّورى علي لاريجاني في السّباق الرّئاسي للعام 2005، لكنّه اختار الحصول على مقعد في البرلمان بعد حصوله على أقلّ من 6% من الأصوات. واللّافت أنّ لاريجاني تربطه علاقات وثيقة بروحاني ومن غير المرجّح أن ينافسه في الانتخابات الرّئاسيّة القادمة.
ربّما تكون مشكلة المحافظين الرّئيسيّة مع أحمدي نجاد هي رئيس هيئة الأركان السّابق الذي عيّنه، اسفنديار رحيم مشائي، وهو رجل تعرّضت معتقداته الدّينيّة لانتقادات لاذعة من قبل أعضاء المعسكر المحافظ الأكثر تقليديّة. فوجهات نظر مشائي المتباينة كانت متواصلة وبارزة لدرجة أنّه عندما عيّنه أحمدي نجاد رئيسًا لهيئة الأركان في ولايته الرّئاسيّة الثّانية، اعترض المرشد الأعلى رسميًا على هذه الخطوة.
وقد ورد عن لسان حسين شريعتمداري، الذي كان مؤيّدًا صلبًا لأحمدي نجاد في ذلك الوقت، "بعث المرشد الأعلى رسالة إلى أحمدي نجاد يطلب منه فيها أن يعزل مشائي من المنصب. لكنّ أحمدي نجاد لم يلتزم بذلك وأجبر بالتّالي المرشد الأعلى على إخراج الرّسالة إلى العلن". وإنّ شريعتمداري، الذي يُزعم أنّه أدلى بتلك التّصريحات في المنظّمة الطّلابيّة "مكتب تعزيز الوحدة" يوم 10 أيلول/سبتمبر، نُقل عنه قوله أيضًا إنّ "لا أحد يستطيع الوصول إلى رسائل المرشد الأعلى السّريّة، وقد جرى نشر هذه الرّسالة بالتّنسيق معه. لكنّ ردّ أحمدي نجاد تمثّل بإعطاء مشائي 18 منصبًا جديدًا وجعله أكثر قوّة حتّى من رئيس هيئة الأركان".
يبدو إذًا أنّ أحمدي نجاد لم يتخلّ عن السّعي وراء هدفه بالعودة السّياسيّة، بخاصّة أنّ بعض تصريحاته تشير إلى آمال باحتضار حكومة روحاني في وقت مبكر. وفي حديثه مؤخّرًا في تجمّع طلابي مؤيّد له، قال أحمدي نجاد، "في الأشهر المقبلة، سيزداد كلّ من ضغوط الرّأي العام وعدم الكفاءة لدرجة أنّ روحاني سيغادر الحكومة قبل نهاية شهر أيار/مايو".
للوقت الرّاهن، من غير المؤكّد ما إذا كان المحافظون مستعدّين للقبول بهزيمة أخرى أمام روحاني أو جاهزين للاستسلام لأحمدي نجاد وتحدّياته الكثيرة. أو ربّما سيتحقّق توقّع أحمدي نجاد ولن نرى أيّ وجود لروحاني في انتخابات أيار/مايو 2017.