حلب - تشهد الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة السوريّة في مدينة حلب قصفاً جويّاً مكثفاً من الطائرات الحربيّة والمروحيّة التابعة للنظام السوريّ، حيث شنّت المقاتلات الحربيّة الأربعاء في 28 أيلول/سبتمبر الجاري غارة جويّة استهدفت مخبزاً في حيّ المعادي - شرقيّ مدينة حلب، في وقت كان فيه الناس يحتشدون لشراء مادّة "الخبز"، ممّا أسفر عن استشهاد 6 أشخاص وإصابة 5 آخرين بجروح متفاوتة، بينما شهدت أحياء "الهلك، بعيدين، الصاخور، الشيخ خضر، مساكن هنانو، الشيخ فارس، الحيديرية، منطقة الشقيف" غارات جويّة مكثفة يوم الـ 30 من سبتمبر\أيلول الجاري خلّفت 7 شهداء وجرحى بالإضافة العالقين تحت الأنقاض ودماراً كبيراً في الأبنية السكنيّة في حي بعيدين، في مشهد بات يتكرّر يوميّاً منذ 19 أيلول/سبتمبر الجاري.
ويأتي ذلك منذ إعلان النظام في دمشق وقف العمل بإتّفاق الهدنة في 19 أيلول/سبتمبر الجاري، الذي أبرم برعاية أميركيّة – روسيّة، متّهماً فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة بأنّها السبب وراء انهيار الهدنة بعد أن انتهكتها 300 مرّة حسب النظام السوري، في حين اتّهم الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة روسيا وقوّات النظام بخرق الهدنة، لا سيّما بعد قيام طائرات روسيّة وأخرى تابعة للنظام باستهداف قافلة إغاثيّة مكوّنة من 20 شاحنة تابعة لمنظّمة الهلال الأحمر، أثناء عبورها بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربيّ، ممّا أدّى إلى تدميرها بالكامل وسقوط 12 شهيداً وجرحى جلّهم من منظّمة الهلال الأحمر السوريّ بينهم رئيس المنظمة في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي "عمر بركات".
يأتي التصعيد الذي يمارسه النظام السوريّ على المدنيّين في حلب، بالتزامن مع الحصار الذي فرضته قوّات النظام على المدينة منذ 4 أيلول/سبتمبر الجاري على أكثر من 250 ألف مدنيّ داخل الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، حيث باتت ملامح الحصار تظهر على الأحياء الشرقيّة في المدينة، إذ فرغت الأسواق تماماً من الموادّ الغذائيّة الأساسيّة، وبات سكّان المدينة يقتاتون على ما تمّ تخزينه مسبقاً من موادّ تموينيّة كمادتيّ "الرز والبرغل".
وفي هذا السياق، قال عبد القادر، 24 عاماً، من سكّان حيّ القاطرجي لـ"المونيتور": "في حلب، نحن ننتقل من موت إلى آخر، لم يكف الحصار المفروض علينا منذ شهر، حتّى عاود الطيران الحربيّ والمروحيّ قصف الأحياء السكنيّة. لقد نجوت أنا وعائلتي من الموت بأعجوبة، إذ سقط صاروخ من طائرة حربيّة بالقرب من المبنى الذي أعيش فيه في حيّ القاطرجي، بينما كنت وعائلتي في المنزل. أحسّست في اللحظات الأولى أنّها النهاية، كان كلّ شيء رهيب، صوت الصاروخ، أساس المنزل الذي بدا يتناثر هنا وهناك، شرفة المنزل التي تدمّرت بفعل الضغط. لم أدر ماذا سأفعل وقتها، إذ لم أسمع سوى صوت الانفجار، ثمّ أصوات صراخ النساء أمي وزوجتي وأختي. الحمدلله نجونا جميعاً. لقد أصيب أبي بكسر في الساق، وابن أخي بجروح خفيفة في الرأس، ولكن إلى متى سيستمرّ كلّ هذا؟ نطرح سؤالاً للعالم بأسره، ألا نستحقّ أن نعيش بأمان مثل كلّ الشعوب؟ ألا يستحقّ أطفالنا أن يعيشوا بأمان ويذهبوا إلى المدارس؟ لديّ إخوة صغار وطفلة عمرها 4 سنوات".
إنّ المشافي في مدينة حلب، إثر التصعيد الذي تمارسه قوّات النظام على المدينة، عجّت بالمصابين، وسط نقص حادّ في الكوادر الطبيّة بسبب الحصار المفروض على المدينة وتواجد الأطباء بمعظمهم في الريف الحلبيّ الخاضع لسيطرة المعارضة السورية ، ناهيك عن استهداف قوّات النظام المشافي داخل المدينة في مناسبات عدّة.
واعتبر الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون في 28 أيلول/سبتمبر الجاري أنّ الهجمات على مشاف في حلب واستخدام أسلحة فتّاكة هناك، تشكّل "جريمة حرب"، وذلك في خطابه أمام مندوبي الدول الـ15 الأعضاء بمجلس الأمن الدوليّ.
وفي هذا الصدد، قال عارف العارف، وهو فنيّ داخل عيادة العناية المشدّدة في أحد المشافي بمدينة حلب لـ"المونيتور": "منذ إعلان قوّات النظام وقف العمل بإتّفاق الهدنة، لم تهدأ الغارات الجويّة على أحياء مدينة حلب على مدار الـ24 ساعة، فالطائرات الحربيّة السوريّة - الروسيّة لم تترك شيئاً لم تستخدمه، قنابل عنقوديّة وفوسفوريّة، وأخيراً الارتجاجيّة التي تحدث دماراً هائلاً في المنطقة المستهدفة، والتي تمّ استخدامها في حيّي الكلاسة وطريق الباب. إنّ عدد الشهداء منذـ 19 أيلول/سبتمبر فاق الـ400 شهيد. أمّا عدد الجرحى ففاق الـ1000 جريح. هناك ضغط كبير على المشافي والكوادر الطبيّة، لا سيّما في ظلّ الحصار المفروض على حلب. وللأسف، هناك إصابات عدّة تحتاج إلى عمليّات جراحيّة عاجلة، ولكن عدم تواجد الطبيب المتخصّص وكثرة الإصابات بين المدنيّين حالا دون تنفيذها في الوقت الراهن. في السابق، كنّا نستعين بالكوادر الطبيّة الموجودة في الريف الحلبيّ أو المشافي الموجودة هناك. أمّا الآن فالأمور أصبحت صعبة ومعقّدة جدّاً، في ظلّ الحصار والإصابات التي تتوافد في شكل يوميّ إلى المشافي".
إنّ التصعيد على المناطق المدنيّة في مدينة حلب، يرافقه تصعيد عسكريّ من قبل قوّات النظام على جبهات المدينة الشماليّة. لقد تمكّنت قوّات النظام مدعومة بمليشيا لواء القدس الفلسطينيّ من السيطرة على مخيّم حندرات - شمال مدينة حلب في الـ 29 من شهر سبتمبر\أيلول الجاري، بعد معارك عنيفة مع قوّات المعارضة السوريّة استمرّت أيّاماً عدّة تخلّلها قصف جويّ مكثف من الطيران الحربيّ السوريّ والروسيّ. كما تشهد الجبهات داخل مدينة حلب، وتحديداً جبهات "حلب القديمة"، تصعيداً من قبل قوّات النظام التي تسعى إلى دخول الأحياء الشرقيّة من المدينة، مستغلّة الحصار الذي تفرضه على المدنيّين والعسكريّين في آن واحد.
إنّها أيّام صعبة يعيشها أهالي مدينة حلب، إذ يرون أنفسهم بين حصار خانق لا يدرون إلى متى سيستمرّ، وتحت رحمة القنابل التي تلقيها الطائرات الحربيّة والمروحيّة على مدار اليوم، يمنون النفس بعودة الأمن والأمان اللذين فقدوهما منذ أكثر من 4 سنوات، وينظرون بشغف إلى المستقبل القريب، وماذا يخبّئ في طيّاته، فهل هو موت آخر أم طريق إلى الحياة من جديد؟.