بدأ العدّ التنازليّ لإجراء الإنتخابات المحليّة الفلسطينيّة، الّتي ستجري في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر، بـ414 هيئة محليّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وسط أجواء محمومة من التّرشيحات والإتّصالات، مع حضور لافت للبعدين العشائريّ والعائليّ بجانب القوى السياسيّة.
وفيما تستمرّ الحوارات والمشاورات لتشكيل القوائم الإنتخابيّة، بدا واضحاً أنّ العائليّة والعشائريّة تفرضان وجودهما في مختلف المناطق الفلسطينيّة، رغم أنّ الفصائل الفلسطينيّة تمتلك شخصيّات مهنيّة وكفاءات، ممّا يدعو إلى تخوّف الفلسطينيّين من أن يؤدّي تعميق التعصّب العائليّ في بعض القرى والبلدات في الإنتخابات المقبلة إلى تفسّخ النسيج المجتمعيّ الفلسطينيّ وإضعاف الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة.
وقال مصدر مسؤول في لجنة الإنتخابات المركزيّة لـ"المونيتور"، طالباً إخفاء هويّته: "منذ اليوم الأوّل لبدء إجراءات العمليّة الإنتخابيّة للإنتخابات المحليّة في 23 تمّوز/يوليو، اتّضح أنّ هناك استخداماً متبادلاً بين الفصائل والعشائر لبعضهما البعض، وكلتاهما تسعيان إلى كسب مزيد من أصوات الناخبين يوم الإقتراع في 8 تشرين الأوّل/أكتوبر، ومن خلال مراجعة قوائم الترشيحات الخاصّة بالقوى السياسيّة الفلسطينيّة يظهر أنّ البعد العائليّ متفوّق بقوّة على الاعتبارات المهنيّة والتخصصيّة، لكنّ أفراد العشائر يوم الإنتخابات سيدلون بأصواتهم في صندوق الاقتراع لمن يتبعون من الفصائل، وليس لعائلاتهم".
وأظهرت نتائج أحدث استطلاع أجراه معهد العالم العربيّ للبحوث والتنمية "أوراد" في 24 آب/أغسطس، أنّ غالبيّة الفلسطينيّين بنسبة 37 في المائة أكدت أن انتماء المرشحين للعائلة هو العامل المؤثر على قرارات التصويت، وقالت نسبة مشابهة 37 في المائة أن انتماء المرشحين للأحزاب السياسية سيرجح اختيار الناخبين يوم الاقتراع، أما عامل امتلاك المرشحين للقدرات المهنية فحصل على 13 في المائة، في حين لم يكن لعوامل التاريخ النضالي أي دور في الاقتراع.
وفي هذا الإطار، قال ممثّل حركة "حماس" في لجنة الإنتخابات المركزيّة سامي أبو زهري لـ"المونيتور": "إنّ حماس لن تخوض الإنتخابات المحليّة بقوائم حزبيّة، سواء أكان في غزّة أم في الضفّة، بل تدعم تشكيل قوائم مهنيّة من الكفاءات والشخصيّات الاعتباريّة وبعض الرموز العائليّة، فحماس لا تتجاهل البعد العائليّ في الإنتخابات المحليّة، شرط ألاّ يتغلّب على اعتبارات المهنيّة والكفاءة والبعد السياسيّ. ولأنّ الإنتخابات المحليّة خاصّة بالهيئات المحليّة لكلّ بلدة أو قرية أو مدينة على حدة، فإنّ ذلك يجعل المعايير العائليّة والعشائريّة حاضرة بقوّة، شرط ألاّ تكون معياراً رئيساً في تشكيل القوائم الإنتخابيّة".
ومن جهته، قال ممثّل حركة "فتح" في لجنة الإنتخابات المركزيّة إياد الكرنز لـ"المونيتور": "إنّ البعد العشائريّ مأخوذ بالاعتبار في تشكيل قوائم فتح الإنتخابيّة، لأنّ العشائر مكوّن أساسيّ من مجتمعنا الفلسطينيّ، ولكن ليس على حساب معيار الكفاءة الّذي يسعى إلى تحقيق مصالح المواطنين، وفتح تجتهد لإيجاد قائمة إنتخابيّة تعمل على تمثيل عادل لكلّ فئات المجتمع الفلسطينيّ، ويوم الإقتراع سينتخب عناصرنا من اختارهم التنظيم وليس العشيرة، وكلّ ذلك بما يرضي العائلة الفلسطينيّة ويقدّرها، وفي الوقت ذاته يحقّق مصالح الناس".
وبدوره، قال ممثّل الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين في لجنة الإنتخابات المركزيّة أسامة الحاج أحمد لـ"المونيتور": "إنّ الجبهة تأخذ في الاعتبار موضوع الكفاءة والنزاهة والتاريخ النضاليّ لأيّ مرشّح، بعيداً عن الصفة العائليّة، لأنّ البعد العشائريّ لم يعد هو الأصل في الأراضي الفلسطينيّة، خصوصاً في غزّة، حيث تتحكّم فيها الأبعاد التنظيميّة والسياسيّة، وبات جيل الشباب في معظمه ينضوي تحت عضويّة الفصائل. وفي يوم التصويت، سيذهب عناصرنا للتّصويت لقوائم تمثّل المجتمع المدنيّ المتحضّر ذا الاتّجاهات الديموقراطيّة، بعيداً عن الأبعاد العشائريّة".
لم يعد سرّاً أنّ العشائريّة الفلسطينيّة بدأت تعلن عن نفسها فور الإعلان عن بدء إجراءات العمليّة الإنتخابيّة في أواخر حزيران/يونيو، حيث أخذت العائلات الفلسطينيّة تحضّر مرشّحيها. وطالما أنّ الحديث يدور عن عشائريّة وتقاسم نفوذ بين العائلات، فإنّ ذلك في أغلب الأحيان لا يتمّ حسب القدرة والكفاءة، وإنّما استناداً إلى تقسيمات تقوم على أساس الإنتماء إلى العائلة، ممّا يجعل الأمور تتّخذ منحى وجاهيّاً شخصانيّاً، وليس خدماتيّاً إداريّاً.
أمّا أستاذ العلوم السياسيّة بجامعة "النّجاح" في نابلس عبد الستّار قاسم فقال لـ"المونيتور": "إنّ الحضور اللاّفت للعشائر الفلسطينيّة يظهر بوضوح في مدينتي غزّة والخليل. ورغم أنّ العشائريّة من ركائز التخلّف الأساسيّة في المجتمع الفلسطينيّ، لكنّ الفلسطينيّين يوم الاقتراع سيصوّتون على أسس عشائريّة وليس حزبيّة، لأن الفصائل الفلسطينيّة تعاني من تراجع شعبيّتها وعدم ثقة الفلسطينيّين بها، ممّا يعني أنّ العشيرة والقبيلة باتتا تتقدّمان على الفصيلة والحزب في الإنتخابات المحليّة المقبلة".
وأخيراً، علم "المونيتور" من أوساط فصائليّة فلسطينيّة، لم تفصح عن هويّتها، أنّها أجرت العديد من جلسات النقاش العاصفة لتحديد أسماء مرشّحيها، لكنّها كانت تصطدم أحياناً بمواقف العائلات الكبيرة والعشائر، الّتي كانت تضع فيتو على مرشّح ما يختاره هذا التنظيم أو ذاك، أو تجبر التنظيم ذاته على اختيار هذا المرشّح أو ذاك، حتّى لو لم يكن يحظى بموافقة قواعد التنظيم وقياداته، وهو ما يعني أنّ العشائر باتت بيضة القبّان في طبيعة التصويت للإنتخابات المحليّة المقبلة، لهذه القائمة أو تلك.
مع العلم أن العديد من القوائم الانتخابية اعتمدت على الحجم العائلي والقبلي سعيا لاستقطاب الأصوات، ولوحظ أن كثيرا من العائلات لها أكثر من اسم في نفس القائمة، وذات العائلة لديها تمثيل في أكثر من قائمة حزبية لفصائل متنافسة، للحرص على الفوز في أي قائمة حزبية قد تفوز، وهذا السلوك الانتخابي يستنهض قوة العشيرة والقبيلة على حساب الحزب السياسي.