العراق، بغداد – بعد أخذ وعطاء طال كثيراً، صادق أخيراً مجلس النواب في ٢٥ من آب/اوغسطس الحالي على قانون العفو العام، الذي يتوقع أن يشمل الآلاف من السجناء يعتقد بأن الإجراءات القانونية لم تتم بحقهم بشكل عادل. كان من المقرر أن يتم التصويت على القانون في ١٥ آب/اوغسطس، ولكن أجل البرلمان العراقيّ التصويت على القانون مرتين، وذلك بسبب انسحاب ثلاث كتل من التحالف الوطنيّ احتجاجاً على قراءة المسوّدة القديمة لقانون العفو العامّ، بينما تسمح المسوّدة الجديدة للقانون بإعادة محاكمة السجناء لفرز الإرهابيّين. وقد طرح القانون أخيراً في جلسة 25 آب/أغسطس، وتم التصويت عليه بغالبية الاصوات، 250 نائب من مجموع 328.
يشمل القانون جميع المحكومين بالاعدام والعقوبات الأخرى باستثناء 13 فئة من الجرائم، منها: الجريمة الارهابية التي نشأ عنها قتل او عاهة مستديمة، جرائم الاتجار بالبشر وكل ما يندرج تحت عنوان (السبي) حسب مايصطلح عليه عند الجماعات الارهابية والتكفيرية، جرائم الخطف التي نشأ عنها موت المخطوف او مجهولية مصيره او احداث عاهة مستديمة، جرائم الاغتصاب، جرائم تهريب الآثار وجرائم غسيل الاموال. ويشمل القانون جميع المحكومين منذ عام 2003 لحد المصادقة على القانون.
سيتولى قضاة التحقيق والمحاكم الخاصة تنفيذ القانون في فترة ثلاثين يوما لكل متهم، وفي حال رفض شمول المتهم بقانون العفو من قبل قضاة التحقيق والمحاكم الخاصة، يحق للمتهم ان يقدم طلب استئناف للمحاكم التمييزية، والتي يتوجب عليها البت في الأمر خلال ثلاثين يوما.
ويقول الكاتب والمحلّل السياسيّ محمّد الكعبي للمونيتور إنّ قانون العفو المؤجّل كان ضمن الوثيقة السياسيّة التي تشكّلت بموجبها الحكومة، ويعود تأجيله إلى أزمة الثقة بين المكوّنات السياسيّة وهيمنة الأطراف الخارجيّة على القرار السياسيّ وعلى المؤسّسة التشريعيّة.
لقد تمّ تعديلات عديدة على مشروع القانون لكي يحظى بموافقة الكتل النيابيّة المعارضة لإطلاق سراح المحكومين بجرائم إرهابيّة. فقد أكّد النائب عن دولة القانون صادق اللبان للمونيتور: "نحن حاولنا أن نستثني حالات الخطر على المجتمع في قانون العفو العامّ، لأنّ إطلاق سراح السجناء قد يؤدّي إلى عودتهم إلى ارتكاب جرائم إرهابيّة، لذلك أجريت تعديلات كثيرة على مسوّدة القانون لمنع استفادة الإرهابيّين من قانون العفو العامّ، وإعادة محاكمة السجناء للتمييز بين المتّهمين بقضايا الإرهاب عن غيرهم".
وأشار اللبان إلى أنّ نوّاب التحالف الوطنيّ حاولوا احتواء نقطة إطلاق سراح الإرهابيّين وتضييقها إلى أقصى حدّ، فيما كان نوّاب من تحالف القوى يسعون بتوسيع هذه النقطة لأنّهم يعتقدون أنّ هناك أبرياء حوكموا بموجب المادّة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، وقد تمّ تفادي الخلاف حول هذه المسالة من خلال إعادة محاكمة السجناء، لافتاً إلى عدم وجود أيّ ضغوط دوليّة أو إقليميّة في شأن إدراج قانون العفو العامّ. وأضاف أنه كانت هناك "محاولة من اتّحاد القوى الوطنيّة لشمول نائب رئيس الجمهوريّة السابق طارق الهاشمي ومحكومين بارزين آخرين بجرائم إرهابيّة بقانون العفو العامّ"، ولكن تم تفادي ذلك.
وقد رحّب النائب عن كتلة الأحرار رسول الطائي بالقانون، واتّهم في حديثه إلى "المونيتور" قياديّين من دولة القانون بإطلاق سراح إرهابيّين ومفسدين خارج إطار القانون. وأضاف أنّ قياديّين من التحالف الوطنيّ أخرجوا عدداً من الإرهابيّين والفاسدين وأصحاب الشهادات المزوّرة من السجون بعفو خاصّ من رئيسي الجمهوريّة والوزراء.
كما كشف النائب عن كتلة الأحرار حاكم الزاملي عن شمول 30 معتقلاً من التيّار الصدريّ بقانون العفو العامّ، على الرغم من الدعوى التي قدّمتها الولايات المتّحدة الأميركيّة في وقت سابق ضدّهم. وأشار الزاملي إلى أنّ هناك شكوى مباشرة من قبل واشنطن ضدّ أبنائنا المعتقلين وهؤلاء سوف يشملون مع المعتقلين الآخرين بقانون العفو العامّ. وتأتي هذه التصريحات على خلفيّة زيارة الزاملي إلى رئاسة محكمة استئناف الرصافة لمناقشة فقرات قانون العفو العامّ المرتبطة بموضوع السجناء الصدريين مع رئيس المحكمة.
ورغم التصويت على القانون والمواقف المؤيدة له، ما زال هناك انتقادات وطعون حادة عليه. فقد أعلن عدد من نواب التحالف الوطني عزمهم على الطعن بقانون العفو العام أمام المحكمة الاتحادية، معتبرين اقراره "مكرمة للإرهابيين الدواعش، وخيانة لدماء الشهداء والضحايا". ومن جهّته أكّد النائب عن ائتلاف دولة القانون عدنان الأسدي أيضاً أنّ قانون العفو العامّ يسمح بإطلاق سراح جماعة مفتي "داعش" (المتصدّين لمنصب الإفتاء لدى التنظيم).
ولكنّ النائب عن تحالف القوى السنيّة رعد الدهلكي نفى وجود خلافات جوهريّة حول قانون العفو العامّ، حيث قال للمونيتور إنّ "الجميع متّفقون على إقرار القانون، وقادت المناقشات إلى ضرورة التصويت على القانون وإقراره، ولكنّ الخلافات تظهر أمام عدسات الكاميرا والإعلام، وهي خلافات غير جوهريّة تعكس مزايدات سياسيّة". وأشار الدهلكي إلى أنّ التصويت على القانون جاء باتفاق من معظم الكتل النيابيّ.
وفيما يتصل بالضغوط المؤثرة على إجراءات التصويت على قانون العفو العام مثل تهديدات بعض الميليشيات، قال النائب عن التحالف الكردستانيّ عرفات كرم مصطفى برايم للمونيتور إنّ "تهديدات قادة الميليشيات دليل على ضعف الحكومة، لكنّ تلك التهديدات لم تكن عامل ضغط على إجراءات قانون العفو العامّ، بل كانت هناك ضغوط خارجيّة".
ويشارك الكاتب والمحلّل السياسيّ محمّد الكعبي النائب الكرديّ الرأي حول عدم أهميّة تهديد الميليشيات، إذ قال للمونيتور أن تهديدات قادة الميليشيات باقتحام السجون أنّها حركة استعراضيّة تهدف إلى تحقيق حضور سياسيّ. وأخيراً أن القانون قد تم تمريره لأن الكتل السياسية الكبرى استطاعت أن تصل الى توافق سياسي عليه.