حلب - تدخل مدينة حلب يومها الثاني عشر على التوالي من الحصار الذي فرضته قوّات النظام على المناطق الخاضعة إلى سيطرة المعارضة السوريّة في المدينة بعد سيطرتها على نقاط استراتيجيّة في منطقة الملاّح كانت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، شمال مدينة حلب في 7 تمّوز/يوليو الجاري، ممّا مكّنها من رصد طريق الكاستيلّو، المنفذ الوحيد للمدينة إلى ريفيها الشماليّ والغربيّ، والطريق الإنساني الوحيد الذي كانت تمرّ منه البضائع والموادّ الغذائيّة في شكل يوميّ من الريف الحلبيّ، ومن الحدود السوريّة-التركيّة إلى داخل الأحياء الخاضعة إلى سيطرة المعارضة المسلّحة في المدينة, حيث ما يزال طريق الكاستيلو مقطوعاً حتى لحظة كتابة هذه السطور.
يعيش المدنيّون في مدينة حلب ضمن المناطق الخاضعة إلى سيطرة الثوّار، واقعاً مأساويّاً في ظلّ الحصار المفروض عليهم من قبل قوّات النظام، فأسواق المدينة التي كانت تعجّ بالناس أصبحت شبه فارغة، وكثير منها أغلقت أبوابها بسبب عدم توافر المواد الغذائيّة، والتي كانت تأتي في شكل يوميّ عبر الكاستيلّو، بينما ارتفعت أسعار بعض السلع المتوافرة في شكل جنونيّ كالباذنجان و البندورة و البطاطا و مادة الخبز حتّى أصبحت مادّة لا يمكن شراؤها بالنسبة إلى الذين لا يملكون عملاً ويقيمون في المدينة. كما أنّ العدد الكبير من المدنيّين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة إلى سيطرة المعارضة السوريّة في حلب، والذين يقدّر عددهم بـ400 ألف نسمة، حسب المجلس المحليّ لمدينة حلب، جعل الأمور تزداد سوء، حيث نفذت المواد الغذائيّة والخضروات التي كانت متواجدة في الأسواق بعد ثلاثة أيّام فقط من فرض قوّات النظام الحصار على المدينة، الأمر الذي علّقت عليه المتحدّثة باسم الأمم المتّحدة أليسندرا فيلوتشي في إفادة صحافيّة دوريّة في مقرّ المنظّمة في جنيف الثلاثاء في 12 تمّوز/يوليو الجاري حين قالت: "إنّ كثافة الأعمال القتاليّة بين القوّات الحكوميّة وجماعات مسلّحة أدّت إلى قطع الإمدادات الإنسانيّة والبضائع التجاريّة عن 300 ألف شخص في شرق حلب، في حين ارتفعت الأسعار بشدّة". كما طالبت بإخراج المدنيّين من مدينة حلب.
وفي هذا الصدد، يقول أبو علاء (50 عاماً)، وهو أحد سكّان حيّ القاطرجي لـ المونيتور:" لم نكن جاهزين للحصار، فجأة قالوا لنا أنّ طريق الكاستيلّو أصبح مقطوعاً الآن ولا يمكن لأحد الخروج من المدينة أو الدخول إليها. أحاول منذ الصباح الباكر شراء كيلواغراماً واحداً من البندورة ولكن من دون فائدة، بحثت في كلّ مكان ولم أجد، لديّ عائلة مؤلّفة من 6 أشخاص، وهذا الأمر لا يطاق، يمكنني أن أتحمّل أنا وزوجتي ولكن كيف سيتحمّل ولدي الصغير الجوع؟ يبلغ من العمر 6 سنوات وهو لا يفهم أنّنا في حرب وأنّنا في واقع حصار، نتمنّى ألّا تستمرّ هذه الحالة طويلاً، فالناس هنا لن يتحمّلوا الحصار لمدّة طويلة".
في المقابل، كان بعض المدنيّين في مدينة حلب وهم قلّة، على وعي بموضوع الحصار، فالمعارك التي استمرّت أكثر من شهرين على أبواب مدينة حلب جعلتهم يجهّزون أنفسهم، ويحضّرون بعض الأمور في حال استطاعت قوّات النظام حصار المدينة. وفي هذا الصدد، يقول أبو محمّد، وهو أحد سكّان حيّ القاطرجي لـ المونيتور:" كنت أتوقّع أن يتمّ حصار المدينة ولم أكن على استعداد للخروج منها. لديّ طفلة صغيرة، ولديّ أبي وأمّي وأخوتي الصغار، وهم جميعاً في حاجة إليّ. جرّبنا النزوح سابقاً ولكنّنا عانينا كثيراً، فقرّرنا البقاء في حلب مهما حصل. قمت بتجهيز بعض الأمور تحسّباً للحصار، اشتريت بعض الدجاجات وصرت أطعمها حتّى تتكاثر. سأستفيد من لحمها وبيضها في المستقبل القريب. كما قمت بزراعة قطعة صغيرة من الحديقة التي هي إلى جانب منزلي بموادّ ضروريّة، كالبندورة و البطاطا، وسأحاول زراعة أشياء أخرى، كما أنّني اشتريت مسبقاً كميّة جيّدة من الأرزّ والسكرّ، ولكن لا أدري إلى متى سنستطيع الاعتماد على هذه الموجودات، فالأمر متعلّق بالفترة التي سيستمرّ بها حصار المدينة. الثوّار هنا يقولون أنّهم سيفعلون ما في وسعهم لفكّ الحصار، ونحن ننتظر ونتمنّى من الله ألّا يحصل بنا مثل ما حصل في داريا في ريف دمشق، رأينا الصور وكلّ شيء كان مؤلماً".
كان المجلس المحلّيّ في مدينة حلب قد وضع خططاً مسبقة منذ شهر شباط\فبراير من العام الجاري لتخفيف وطأة الحصار على المدنيّين وكذلك استراتيجيّة معيّنة تتوافق مع تطوّرات المرحلة. وفي هذا الصدد، يقول رئيس المجلس المحلّيّ في مدينة حلب المهندس بريتا حاجي حسن لـ"المونيتور" : "بدأ شبح الحصار يخيّم على مدينة حلب منذ شهر فبراير/شباط من العام الجاري من خلال العمليّات العسكريّة الواسعة التي شهدها مدخل مدينة حلب الشماليّ، نحن في مجلس المدينة قمنا منذ ذلك الوقت بوضع الخطط تحسّباً لحصار محتمل لمدينة حلب، وقمنا بتخزين موادّ غذائيّة وطحين ومحروقات وفق الإمكانات. يوجد لدينا مخزون احتياطيّ من الموادّ الغذائيّة يكفي لفترة زمنيّة محدّدة لا أستطيع التصريح عنها، ولكن هي فترة مطمئنة. كما يوجد لدينا مخزون جيّد أيضاً من مادّة الطحين، والحاجات هي 70 طنّاً يوميّاً. أمّا المحروقات فنحن في الأصل نعاني من صعوبة تأمينها، ويوجد شحّ كبير في مادّتي البنزين والمازوت، كون المحروقات تأتي عن طريق تنظيم الدولة الإسلاميّة. وبالنسبة إلى الأمور الصحّيّة، هناك تعاون بين مديريّة الصحّة التابعة لوزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة وبين المجلس المحلّيّ، ويوجد مخزون جيّد من الأدوية".
ويضيف المهندس بريتا: "استراتيجيّتنا في هذه المرحلة هي المركزيّة في العمل "أي أن تكون إدارة هذه المرحلة من صلاحيات المجلس المحلي فقط بالتعاون مع الفاصل العسكرية والمنظمات الإنسانية". نقوم بحملات توعية للمدنيّين والتجّار حول سياسة الترشيد باستهلاك الموادّ الأساسيّة وحول طريقة التعايش مع الواقع الجديد. تمّ التنسيق مع المنظّمات الإغاثيّة داخل مدينة حلب بضرورة توزيع سلل غذائيّة على المقيمين في المدينة كافّة، من دون استثناء ضمن خطّة عمل محدّدة. وهناك تعاون كبير من المدنيّين وأيضاً من فصائل الجيش السوريّ الحرّ مع المجلس المدنيّ، لأنّ الأمر لا يحتمل أيّ أخطاء. نحاول التخفيف قدر الإمكان من وطأة الحصار وتأمين الحدّ الأدنى من حاجات المدنيّين".
لا يعلم المدنيّون في حلب إلى أيّ مدى يمكن أن يطول الحصار المفروض عليهم من قبل قوّات النظام، فهم يترقّبون بشغف معركة من شأنها أن تفتح طريق الكاستيلّو ليتمكّنوا على الأقلّ من إدخال موادّ غذائيّة تمكّنهم من العيش. فمعظم القاطنين في حلب لا يحبّذون الخروج منها، فهم طالما عانوا من ويلات النزوح، لا سيّما حياة المخيّمات على الحدود السوريّة-التركيّة، والغلاء الفاحش في أسعار الإيجارات في المناطق الحدوديّة بسبب امتلائها بالنازحين من المدن والقرى السوريّة الملتهبة، وكذلك بسبب تعذر وصولهم إلى تركيا بعد إغلاق الحكومة التركيّة الحدود البريّة وعدم السماح للنازحين بالعبور منذ آذار/مارس 2015.