حلب – تشهد أطراف مدينة حلب معارك ضارية و بشكل يومي بين المعارضة السورية المسلحة وبين قوات النظام و المليشيات الموالية له وذلك على خلفية هجوم عنيف شنّته قوات النظام على مواقع تمركز الثوّار في منطقة الملاّح شمال مدينة حلب و المطلة بشكل مباشر على طريق الكاستيلو المنفذ الوحيد لمدينة حلب، والّذي يصلها بريفيها الغربيّ والشماليّ في 7 تمّوز/يوليو الجاري، حيث استطاعت قوات النظام السيطرة على نقاط عدّة في الملاّح، ممّا مكّنها من رصد طريق الكاستيلّو ناريّاً وقطع الإمداد عن مدينة حلب الّتي يقطنها أكثر من 400 ألف نسمة حسب إحصائيّات المجلس المحليّ لمدينة حلب.
بدورها، شنّت المعارضة السوريّة المسلّحة هجوماً معاكساً في 9 تمّوز/يوليو الجاري لاستعادة النّقاط الّتي سيطرت عليها قوّات النّظام في منطقة الملاّح، وسعياً منها إلى فكّ الحصار الّذي فرضته قوّات النّظام على مدينة حلب في معركة أطلقت عليها الفصائل العسكريّة اسم معركة "كسر الحصار"، إذ تمكّن الثوّار في بداية الأمر من استرجاع كلّ النّقاط الّتي تقدّمت إليها قوّات النّظام في منطقة الملاّح، قبل أن ينسحبوا إلى المواقع الدفاعيّة تحت وطأة القصف الجويّ العنيف الّذي لم يفارق منطقة الملاّح ومحطيها.
تمثّل مدينة حلب جوهر الصراع بين قوّات النّظام وقوّات المعارضة السوريّة، وتأتي أهميّتها بالنّسبة إلى قوّات النّظام كونها أكبر المدن السوريّة وعاصمة البلاد الإقتصاديّة، إذ كان يقطن في محافظة حلب 6 ملايين نسمة قبل اندلاع النزاع المسلّح فيها في تمّوز/يوليو من عام 2012، كأكبر تجمّع سكانيّ في سوريا. كما تسعى قوّات النّظام من خلال التقدّم في مدينة حلب إلى إحراز مكاسب عسكريّة على الأرض، وأخرى سياسيّة لتكون ورقة ضغط قويّة تمارسها على المعارضة السوريّة والدول الداعمة لها، لا سيّما بعد تصريح المبعوث الدوليّ ستيفان دي ميستورا في 23 حزيران/يونيو المنصرم بأنّ الأمم المتّحدة تسعى إلى استئناف المحادثات بين وفدي المعارضة والنّظام في تمّوز/يوليو الجاري، وأيضاً تريد قوّات النّظام من المعارك الدائرة في مدينة حلب وريفها الوصول إلى الحدود السوريّة- التركيّة وقطع طريق الإمدادات عن المعارضة السوريّة، وهذا ما عبّرت عنه مستشارة النّظام السوريّ في دمشق بثينة شعبان في مقابلة مع وكالة "رويترز" للأنباء في 9 شباط/فبراير من العام الجاري. كما لفتت جريدة "التايمز" البريطانيّة إلى أنّ معركة حلب تعتبر معركة حيويّة بالنّسبة إلى قوّات النّظام، وأشارت إلى أنّ النّظام لو استطاع الفوز في معركة حلب، فإنّ الرئيس السوريّ بشّار الأسد "سيربح الحرب"، في حين تظهر مدى أهميّة المدينة بالنّسبة إلى قوّات النّظام وحلفائه في تصريح الأمين العام لـ"حزب الله" اللبنانيّ حسن نصر الله في خطابه بـ26 حزيران/يونيو المنصرم, حين اعتبر أنّ حلب تمثّل معركته الكبرى في سوريا.
أمّا المعارضة السوريّة فتعتبر حلب أحد أهمّ معقلين لها في شمال سوريا، إضافة إلى مدينة إدلب، فهي تعتمد في شكل كبير على الإمدادات العسكريّة والمساعدات الإنسانيّة الّتي تصلها من خلال المعابر الحدوديّة شمال مدينة حلب، وفي حال إكمال قوّات النّظام مشروعها في الوصول إلى المناطق الحدوديّة في محافظة حلب، فهذا يعني خسارة أهمّ طرق إمداد المعارضة السوريّة. كما أنّ خسارة معركة حلب بالنّسبة إلى المعارضة السوريّة ستمثّل نكسة معنويّة واستراتيجيّة كبيرة، لا سيّما أنّ المعارضة السوريّة لم يبق لها من المدن سوى حلب وإدلب. كما تدرك المعارضة السوريّة المسلّحة جيّداً أنّه فيما لو سيطرت قوّات النّظام على مدينة حلب، فهذا يعني أنّ ذلك يشكّل ضغطاً كبيراً عليها أمام الدول الداعمة لها كالسعودية وتركيا مما يمكن أن يضعف ثقة تلك الدول بإمكانيات المعارضة المسلحة ، خصوصاً أنّ حلب تشكّل أكبر معاقل المعارضة السوريّة، في حين تخضع مدينة إدلب لسيطرة مشتركة بين المعارضة المسلحة وفصائل إسلامية أخرى أهمها جبهة النصرة و جند الأقصى.
وفي هذا الصدد، قال السياسيّ والصحافيّ السوريّ عمّار البكور لـ"المونيتور": "أهميّة مدينة حلب تكمن في ناحيتين، الأولى هي النّاحية الرمزيّة والمعنويّة، إذ تعتبر حلب أهمّ مدينة سوريّة بعد العاصمة دمشق، لكونها عاصمة سوريا الإقتصاديّة، فهي المحافظة الّتي تضمّ ربع سكّان سوريا. أمّا النّاحية الثانية فهي النّاحية العسكريّة، فمن ينتصر في حلب يمهّد الطريق للانتصار على مستوى سوريا بأكملها، ولو فرضاً استطاعت المعارضة السيطرة على حلب، فإنّها بعد ذلك ستنقل المعركة إلى مدينة حماه أيّ وسط سوريا، وتفقد آمال النّظام بالتّواجد في الشمال السوريّ. وبذلك، تكسب المعارضة شريحة كبيرة جديدة من المجتمع السوريّ. كما سيؤدّي ذلك إلى انهيار النّظام معنويّاً وعسكريّاً".
أضاف: "أمّا إذا سيطر النّظام على حلب فهذا يعتبر خسارة كبيرة للثورة السوريّة وتهديداً لها، لأنّ النّظام لن يقف عند أسوار حلب فحسب، بل سيتقدّم نحو مدينة إدلب المعقل الثاني للمعارضة في سوريا، ممّا سيشكّل خطراً كبيراً على مسار الثورة السوريّة. ولذلك، المعركة في حلب هي مصيريّة للطرفين".
لن تهداً المعارك في حلب، فأهميّة المدينة الرمزيّة والاستراتيجيّة تعطي دفعاً كبيراً للطرفين سواء أكان المعارضة السوريّة المسلّحة أم قوّات النّظام لبذل المزيد للسيطرة على المدينة وريفها، فقوّات النّظام الّتي سيطرت على طريق الكاستيلّو ناريّاً بعد معركة 7 تمّوز/يوليو الجاري لن تهنأ في النّقاط الّتي تقدّمت لها، ويبرهن ذلك الهجوم الثاني الّذي شنّته قوّات المعارضة السوريّة المسلّحة على مواقع قوّات النّظام في منطقتي الملاّح والبريج شمال مدينة حلب في 12 تمّوز/يوليو الجاري، واستطاعت من خلاله قوّات المعارضة المسلّحة من السيطرة على تلّة الميّاسات الاستراتيجيّة والمطلّة على قرية البريج شمال مدينة حلب، فيما قالت غرفة عمليّات فتح حلب أنّ عناصرها تمكّنت من استرداد بعض النّقاط في منطقة الملاّح في ذات اليوم 12تموز\يوليو الجاري، والّتي تعتبر الأهمّ استراتيجيّاً في الوقت الحاليّ كون منطقة الملاّح هي السبب في قطع قوّات النّظام لطريق الكاستيلّو، وفي حال استطاعت المعارضة المسلّحة استرجاع الملاّح ، فهذا يعني إعادة فتح الطريق مرّة أخرى وإعادة عجلة الحياة إلى الدوران داخل الأحياء، الّتي تسيطر عليها المعارضة المسلّحة في مدينة حلب.