بغداد - في 28 حزيران/يونيو 2016، صوّت مجلس محافظة الأنبار على إقالة محافظ الأنبار صهيب الراوي الذي ينتمي إلى الحزب الإسلاميّ، من منصبه. نتجت هذه الإقالة عن صراع سياسيّ داخل المحافظة، لكنّ المحافظ المقال الراوي قال إنّه "يرفض قرار إقالته"، وهدّد بـ"الاحتكام إلى القانون واللجوء إلى القضاء، ردّاً على التصويت على إقالته من قبل مجلس محافظة الأنبار".
وفي الوقت نفسه، يحاول الحزب الإسلاميّ العراقيّ الذي يرأسه رئيس مجلس النوّاب الأسبق أياد السامرائي، إعادة وجوده في تلك المناطق للسيطرة عليها من جديد عبر محاولة السيطرة على ملفّ إعادة الإعمار الأنبار، وذلك حسب تقارير نشرها موقع المسلة في مايو الماضي عن استخدام كل من الوقف السني ومجلس الانبار الجماعات المسلحة السنية لصالحها في الصراع على ملفات الاعمار والنفوذ في المحافظة.
ويحاول أيضاً رئيس ديوان الوقف السنيّ عبد اللطيف الهميم الذي دخل الصراع على تلك المناطق أن يوقف تمدّد الحزب الإسلاميّ العراقيّ، في مقابل ذلك يستمرّ الهميم الذي استثمر الأزمة الإنسانيّة في المحافظات السنيّة لصالحه بتوسيع نفوذه هناك، لكنّه يواجه بعقبات كبيرة تنتج صراعاً مع حكومة الأنبار المحلية. وقد تصاعدت الصراعات بعد تحرير المحافظة في نهاية حزيران الماضي من داعش، ما انتجت مخاوف من تقسيم المحافظة الى محافظتين، حسب الطلب الذي قدمه جمهور صهيب الراوي الى البرلمان العراقي في ٤ من جولاي بانشاء محافظة جديدة غرب الانبار.
وعليه، يمكن القول إنّ المجتمع السنّي في العراق خلال هذه الفترة يمرّ بمرحلة تشتت في ظلّ تعدّد الزعامات السياسيّة والدينيّة وتشتّتها. ويفتقد المكوّن السنّي إلى الرموز الدينيّة والسياسيّة التي تجمعه، وهو ما جعله مجتمعاً لم يعد ذات هويّة مؤثّرة على النخب السياسيّة.
ليست خلافات الأحزاب السنيّة في ما بينها، وكذلك العشائر في تلك المناطق ليست بجديدة، لكنّ مؤشّراتها بدأت تتّضح وتكبر بعد أحداث 10 حزيران/يونيو 2014، عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلاميّة المعروف أيضاً باسم "داعش" على مدينة الموصل، في شمال العراق
فمن باب المثال، بعد حادثة مجزرة سبايكر في 11 حزيران/يونيو 2014 التي قتل فيها 1700 جنديّ عراقيّ على يدّ تنظيم "داعش"، عندما أسرهم في محافظة صلاح الدين، اتّهم بعض العشائر السنيّة بعضها بالتعاون مع "داعش" وتنفيذ الجريمة.
ليس الصراع السياسيّ في محافظة الأنبار الوحيد هناك، فبعض الأحزاب والشخصيّات السياسيّة، عمد إلى تقسيم قضاء الرمادي الذي حرّر من تنظيم "داعش" في 23 كانون الأوّل/ديسمبر 2015، إلى مساحات موزّعة عليها في ملفّ إعادة إعمار القضاء لتدخل شركاتها للعمل هناك.
تشكّل إعادة إعمار الأنبار أوجه الصراع الذي قد يشتعل خلال الفترة المقبلة بين أحزاب وشخصيّات سنيّة، إضافة إلى ذلك، هناك قوى مسلّحة شكّلت أخيراً، منها الحشد الشعبيّ العشائريّ المكوّن من مقاتلين سنّة، ودرع العشائر الذي يفترض أن يمسك حدود العراق مع المملكتين العربيّة السعوديّة والأردنيّة الهاشميّة. والصراع المتوقّع تحديداً داخل المناطق السنيّة بعد مرحلة تحريرها من تنظيم "داعش" قد ينتج بروز جماعات مسلّحة جديدة تعمل ضدّ مسار الحكومات العراقيّة، وربّما تسيطر أيضاً على تلك المناطق. كلّ هذه المؤشّرات تدلّ على أنّ هناك صراعاً سنيّاً-سنيّاً قد لا يتأخّر.
يعتقد النائب السنيّ عبد الرحمن اللويزي خلال مقابلة هاتفيّة مع "المونيتور" أن "تشهد المناطق السنيّة صراعات سياسيّة وربّما تكون مسلّحة في مرحلة ما بعد تحريرها من تنظيم "داعش"، خصوصاً في ما يخصّ النفوذ السياسيّ والجغرافيّ لتلك الأحزاب والشخصيّات، وهو ما يضع الحكومة العراقيّة في مرحلة صعبة وخطرة، ربّما تفوق خطورتها المرحلة الحاليّة".
قد تتحوّل كلّ هذه الأزمات السياسيّة والاجتماعيّة إلى صراع مسلّح بين جهّات حزبيّة واجتماعيّة سنيّة، في وقت ما زالت بعض تلك الأحزاب أو الجماعات الاجتماعيّة تشعر بالتهميش والإقصاء من قبل الحكومة الحاليّة برئاسة حيدر العبادي، الذي يحتاج إلى تغيير نظرة السنّة المناهضين للنظام السياسيّ الحاليّ، وتغيير شعورهم بالخوف من النظام السياسيّ الحاليّ، وهو الشعور الذي رسّخه لديهم سلفه نوري المالكي.
يقول الكاتب والصحافيّ العراقيّ حمزة مصطفى، لـ"المونيتور" إنّ "صراعين قد يشتعلان في المناطق السنيّة بعد مرحلة تحرير مدنهم من تنظيم "داعش"، أولّهما صراع سياسيّ على مؤسّسات الدولة هناك، وصراع اقتصاديّ على مشاريع إعادة إعمار المحافظات، وهو أمر خطير، خصوصاً في محافظة الأنبار التي تضمّ عشائر بعض أفرادها عمل مع تنظيم "داعش"، وعشائر أخرى عملت مع الحكومة العراقيّة".
غالبيّة السنّة يشعرون أنّهم غير مشاركين في صناعة القرار، وأنّ الشخصيّات التي تصدّت للمشهد باسم السنّة، غير مقبولة في الشارع السنيّ، وأطلق عليها اسم "سنّة المالكي" (في إشارة إلى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي)، وهو ما يتطلّب من القادة السياسيّين إعادة ترتيب أوراق البيت السنيّ سياسيّاً وأمنيّاً واجتماعيّاً، وعكس ذلك سيتحوّل المجتمع السنيّ إلى مجتمع متمرّد منفلت غير آبه لخطورة الصراع الذي قد يشتعل.
وأمام كلّ هذه المؤشّرات، سنكون أمام نتيجة واحدة، وهي أنّ الصراع السياسيّ أو المسلّح إذا ما استجدّ في المناطق السنيّة، فإنّ عمليّة إعادة النازحين في شكل كامل قد تتأخّر، وإذا ما عادوا قبل ذلك الصراع، فإنّ هناك موجة نزوح جديدة قد ينتجها هذا الصراع بين زعامات وأحزاب سنيّة أو بين المجتمعات نفسها.