أنقرة، تركيا – لم يكن قد مضى سوى أسبوعين على تولي بينالي يلديريم منصب رئاسة الوزراء عندما فجر انتحاريون من حزب العمال الكردستاني ومن التنظيم التابع له صقور حرية كردستان، سيارتين مفخختين — واحدة في اسطنبول، وأخرى في مديات، جنوب شرق تركيا — وهما هجومين أديا إلى مقتل 18 شخصا.
وصرح يلديريم للصحفيين: «تصدر هذه الأيام أنباء مباشرة وغير مباشرة عن المنظمة الإرهابية مفادها أنه «يمكننا التفاوض، ويمكننا إلقاء السلاح، وينبغي أن نتشاور.» «إلا أن الحكومة صدت حزب العمال الكردستاني. فبحسب يلديريم «لا يوجد شيء للمناقشة.»
أما صلاح الدين دميرتاز، وهو زعيم من زعماء حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، فلم يقل أنه رأى أي دليل على وجود عرض لتحقيق السلام من قبل حزب العمال الكردستاني، شأنه شأن الأكاديميون المختصون في شؤون الأكراد. إلا أن الأكاديميين يرون أن هكذا خطوة سلام كانت معقولة لأن لدى حزب العمال الكردستاني سببا وجيها للعودة إلى طاولة المفاوضات، شأنه شأن الحكومة، فقد تم قتل 600 وجرح 3000 من قوات الامن التركية منذ استئناف القتال في تموز / يوليو عام 2015، وذلك وفق إحصاءات رسمية. فلماذا لم يجس أي من الطرفين النبض لبدء محادثات السلام؟
في تصريح للمونيتور، قال جاريث جنكينز، محلل لبرنامج دراسات طريق الحرير في اسطنبول، إن اهتمام حزب العمال الكردستاني بالسلام صادق «ليس لأن حزب العمال الكردستاني يحب السلام كثيرا، بل لأنه ملتزم في سوريا والعراق بشكل كبير،» وذلك في اشارة الى الحملة التي يشنها حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري ضد داعش. «لا يملك حزب العمال الكردستاني الموارد اللازمة لقيادة جبهة ثالثة.» وبحسب جنكينز، «الهدف من حملة العنف التي شنها [حزب العمال الكردستاني] هو الضغط على الحكومة التركية لبدء المحادثات.»
أما نهاد علي أوزكان، الذي يتابع حزب العمال الكردستاني في مؤسسة الأبحاث الخاصة بسياسات تركيا الاقتصادية والتي تقع في انقرة، فقدم ثلاثة أسباب تجعل حزب العمال الكردستاني «يريد السلام.» بداية، قيادته تعرف أنها لا هي ولا الحكومة قادرتين على كسب الحرب. وهي تعرف أيضا أن قرارها نقل المعركة إلى بلدات ومدن في جنوب شرق تركيا قد تسبب بقتل الكثيرين وتدمير منازل ومحلات تجارية. «كان ذلك خطأ استراتيجيا» قال أوزكان للمونيتور، مضيفا «ان قيادة الحزب تعرف أنها فقدت الدعم الشعبي.»
وبالإضافة إلى ذلك، تكبد حزب العمال الكردستاني خسائر فادحة. فقد قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الاسبوع الماضي إن 8000 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني قتلوا في العمليات العسكرية التركية داخل تركيا وخارجها.
كل هذا يمنح الحكومة أفضلية على طاولة المفاوضات. في 10 حزيران / يونيو، قال مراد يتكين رئيس تحرير صحيفة حريت ديلي نيوز الليبرالية إن «الظروف تبدو مناسبة الآن لاستئناف الحوار.» وهو ما يبدو محيرا خصوصا ان اردوغان استبعد العودة إلى المفاوضات وقال مرارا وتكرار إن الجيش سيواصل المقاتلة «حتى يتم القضاء على آخر إرهابي،» وهو هدف لم تستطع أي حكومة تحقيقه منذ أن حمل حزب العمال الكردستاني السلاح عام 1984.
بحسب تصريح أدلى به للمونيتور إلتر توران، الأستاذ المتقاعد في العلوم السياسية في جامعة اسطنبول بيلجي، «لقد اختار اردوغان استراتيجية الاستقطاب وترويج الصراع كوسيلة لتعزيز موقفه.»
في خلال الأشهر الـ 18 الماضية، ركز اردوغان على نحو متزايد على تغيير الدستور بهدف خلق رئاسة تنفيذية، وهي خطوة من شأنها أن تعطيه سلطة رسمية أكبر بكثير من سلطته الحالية. ولإجراء استفتاء حول هذه المسألة، هو بحاجة إلى 330 صوت في البرلمان، أي 14 صوتا أكثر مما يتمتع به حزبه في الوقت الحاضر، أي حزب العدالة والتنمية.
في أوائل شهر حزيران / يونيو، وقع أردوغان على مشروع قانون من شأنه أن يؤدي إلى رفع الحصانة عن 152 عضوا في البرلمان، علما أن المشرعين العرضة للملاحقة - بتهم تتراوح بين الكسب غير المشروع ودعم الإرهاب — شملوا 55 ممثل مؤيد للأكراد من أصل 59. أما التركيز غير المتناسب على حزب الشعوب الديموقراطية فقد لقي انتقادات من قبل مجلس أوروبا وإدانات من جماعات حقوق الإنسان.
بحسب توران، إن سبب إقناع أردوغان البرلمان رفع الحصانة عن البرلمانيين هو فرض انتخابات جديدة، فما إن تتم إدانة أعضاء البرلمان في المحكمة، سيضطرون للاستقالة من مناصبهم، ويتم عندئذ عقد انتخابات فرعية يتم تطبيق النظام الطبيعي للتمثيل النسبي فيها.
«هكذا، تصبح الانتخابات الفرعية عمليا انتخابات يفوز بها الحائز على أكبر عدد من الأصوات، ما يساعد حزب العدالة والتنمية في كثير من الحالات على نيل مقاعد كانت تنتمي إلى حزب الشعوب الديموقراطي،» بحسب توران. ويتوقع المراقبون السياسيون أن تتم هذه العملية في الأشهر القليلة المقبلة، وذلك لتمكين حزب العدالة والتنمية من الحصول على 330 مقعدا في البرلمان والدعوة لإجراء استفتاء بحلول نهاية العام.
إلا أن استطلاعات الرأي تستبعد موافقة الأتراك على رئاسة تنفيذية. وقد درست ميتروبول، الشركة التي كانت اقرب إلى توقع نتائج انتخابات يونيو 2015، المسألة في استطلاعات رأي أجرتها وجها لوجه في 28 محافظة من مجمل محافظات تركيا البالغ عددها 81. ووجدت ميتروبول أن 48٪ من الأتراك سيصوتون لا في استفتاء الرئاسة التنفيذية وأن 38.4٪ فقط سيصوتون نعم، وأن 13.6٪ لم يقرروا بعد. وعندما تم توزيع نسبة الذين من لم يقرروا على أساس نسبي، ارتفعت نسبة المعارضة على الرئاسة التنفيذية إلى 55.5٪.
كما سألت ميتروبول الذين شملهم الاستطلاع لماذا لا يريدون ان تتغير تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، فأتى الجواب من حوالى ربعهم (24،8٪) إن رئاسة تنفيذية «ستكون بمثابة دكتاتورية،» فيما قال 9.7٪ منهم إن هكذا نظام من شأنه أن «يضر الديمقراطية.» وقال 4.8٪ بصراحة: «لا أريد أن يكون أردوغان رئيس.»
على الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر نتائج ضد أردوغان، سيكون من الحماقة اعتبار أن حلمه برئاسة تنفيذية لن يتحقق. فلدى أردوغان قدرة كبيرة على التلاعب بالناخبين، علما أنه تمكن العام الماضي في خلال خمسة أشهر من زيادة نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية من 40.9٪ محرجة في انتخابات حزيران / يونيو إلى 49.5٪ ظافرة في انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر المبكرة.
وحين سُئل توران عن مسعى اردوغان، قال إنه «قد لا ينال مبتغاه،» مضيفا «ولكنه سيسعى جاهدا لتحقيقه. فهو لطالما نجح في حشد الأصوات للحصول على ما يريد.»
اما الحرب مع الأكراد فطاحنة. في 24 حزيران / يونيو، قتل حزب العمال الكردستاني ستة جنود في كمائن في المحافظات الجنوبية الشرقية من هكاري وماردين. قبل ذلك بيوم واحد، انفجرت سيارة مفخخة خارج مركز للشرطة في معسرتة، ماردين، وأسفرت عن مقتل مدني واحد وإصابة 16 شخصا.
في غضون 12 شهرا من القتال الدائر في تركيا، قُتل نحو 700 مدنيا، وفقا لقوائم حزب الشعوب الديموقراطي، ونزح أكثر من 100،000 شخص، ودمرت آلاف المنازل والمحلات التجارية. أما في حي سور في ديار الذي يشهد تنازعا شديدا، فتم هدم كتل كاملة من المساكن والمحلات التجارية بعد انتهاء المعركة.
وقال جنكينز إن أردوغان كان رافضا جدا لمسار السلام لدرجة أنه «وضع نفسه في مأزق.» «للأسف، نحن ذاهبون الى هذا القتال طالما أن اردوغان مسيطر على السياسة التركية.»
وهذا يعني أن أردوغان ينتهج الخيار العسكري، بما يعنيه ذلك من موت ودمار لأن هذا الخيار يناسب طموحه في أن يصبح رئيسا تنفيذيا. »إن طريقته في مقاربة العمل السياسي،» بحسب توران، «ترتبط ارتباطا وثيقا جدا بطموحاته الشخصية والسياسية، بغض النظر عن نتيجة هذه المقاربة على بقية المجتمع.»