اليمن- صنعاء: لم يكن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يتّخذ من اليمن مقراً رئيسيّاً له أكثر قوّة وانتشاء مثل الـ12 شهراً الماضية، حيث سيطر على أراضٍ واسعة في جنوب اليمن، واستحوذ على موارد ماليّة هائلة، قبل أن تطيح به في 22 نيسان/أبريل 2016 عمليّة عسكريّة نفّذها التحالف العربيّ بقيادة الإمارات العربيّة المتّحدة، يساندها جنود موالون للرئيس عبدربّه منصور هادي.
ولم يكن بوسع الجيش اليمني محاربة القاعدة إثر سيطرتها على حضرموت التي تتجاوز مساحتها 193 ألف كيلومتر مربع بما نسبته 36 في المائة من مساحة اليمن, فضلاً عن سيطرته على مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين التي ينتمي إليها الرئيس هادي، لولا مساندة التحالف العربي.
منذ الخامس من نيسان/أبريل 2015، استغلّ المتشدّدون الحرب الدائرة بين جماعة الحوثيّين المسلّحة التي سيطرت بقوة السلاح على العاصمة صنعاء في 21سبتمبر 2014 واحكمت قبضتها على السلطة ، وقوّات الرئيس هادي الذي تسانده السعوديّة، ليستولوا على ثلاث محافظات في جنوب اليمن، المكلا ، ابين ، وشبوه حيث شرعوا في بناء "دولتهم" وتجنيد أتباع جدد.
وكانت مدينة المكلا النفطيّة في جنوب اليمن معقلاً لدويلة مصغّرة ثريّة، بناها التنظيم إثر سيطرته على نحو 600 كيلومتر من الشريط الساحليّ المطلّ على بحر العرب.
ذكرت وكالة رويترز في تحقيق مطوّل نشر في 8 نيسان/أبريل 2016 أنّ التنظيم كان يجني نحو مليوني دولار يوميّاً، من عائدات النفط والجمارك. وخلال 48 ساعة، حرم التحالف المتشدّدين من دويلتهم المزدهرة، وباتت تحت سيطرة قوّات موالية للرئيس هادي.
وفي هذا الصدد، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجيّة عبد السلام محمّد لـ"المونيتور" إنّ طائرات الدرونز الأميركيّة ساهمت في جمع المعلومات عن وضع التنظيم في المكلا، وهو الأمر الذي انعكس على كفاءة إدارة المعركة.
وبدأت امريكا عملياتها بواسطة طائرات الدرونز في اليمن عام 2002 وتمكنت من قتل زعماء التنظيم واحداً تلو الآخر, غير انها بالمقابل قتلت عشرات من المدنيين في اهداف خاطئة. ابرزها ما حدث في محافظة البيضاء وسط اليمن حين قتل 13 شخصاً في غارة استهدفت عدد من السيارات اثناء حفلة زفاف في 14 ديسمبر، 2013.
وحذّر محمّد من أنّ هذه العمليّات لن تثمر ما لم يكن لدى الحكومة اليمنيّة برنامج متكامل لاستعادة البلد برمّته.
وعقب العمليّة العسكريّة، ذكرت وكالة الانباء السعودية إن التحالف تمكّن من قتل 800 عنصر من تنظيم القاعدة، لكنّ هذا الرقم يبدو مبالغاً فيه بالنظر إلى الأرقام التي حصل عليها "المونيتور" من مصدر طبّي مسؤول في المكلا، قائلاً إنّ عدد القتلى الذين وصلوا إلى المستشفيات الحكوميّة بلغ حتّى 28 نيسان/أبريل الماضي 27 شخصاً، بينهم خمسة مدنيّين و14 جنديّاً من القوّات الموالية للرئيس هادي، وسبعة أفراد فقط من عناصر القاعدة، فيما بلغ عدد الجرحى من عناصر التنظيم 11 شخصاً و19 آخرين من المدنيّين و29 من الموالين لهادي.
وقال عبدالله دحدوح، وهو أحد أبناء مدينة المكلا لـ"لمونيتور" إنّ القاعدة واجه جنود التحالف في شكل محدود وإنّ وساطة قادها زعماء عشائر أقنعوا قادة في التنظيم بمغادرة المدينة، للحيلولة دون تدميرها، وقد انسحبوا بالفعل إلى ناحية محافظة شبوه الجنوبيّة.
وفي حين دحر التنظيم من مدينة المكلا، فإنّه ما زال حاضراً في مدينتي جعار وزنجبار في محافظة أبين، وخاض التحالف الذي تقوده السعوديّة في مطلع نيسان/أبريل 2016 حرباً مع عناصر التنظيم في زنجبار بمحافظة ابين بغطاء من المقاتلات الحربيّة، لكنّه لم يتمكّن من دحره في شكل كلّي.
وحول إدارة التنظيم على مدى عام مدينة المكلا، قال الدحدوح لـ"المونيتور" إنّه ضبط الأمن، ووفّر الكهرباء والمشتقّات النفطيّة، وقام بشقّ طرقات جديدة، واهتمّ بنظافة المدينة، كما أعفى المواطنين من دفع الضرائب.
إضافة إلى ذلك، قام التنظيم بتنفيذ أحكام من بينها قطع يدّ السارق، وسجن المخالفين، كما قام بعمليّات قتل أشخاص وصلبهم بتهم مختلفة. وعلى ما يبدو، فإنّ هذ التطوّر في تنامي، وسيطرة المتشدّدين أثارت قلق أميركا التي تعتبر أنّ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قادر على شنّ هجمات تهدّد الولايات المتّحدة الأميركيّة.
ولم يمض وقت طويل منذ طلبت الإمارات العربيّة المتّحدة في منتصف نيسان/أبريل 2016 من واشنطن مساعدتها في القضاء على القاعدة، حتى جاءت عمليّة تحرير المكلا في شكل سريع.
وطلبت الإمارات العربيّة المتّحدة، في 15 ابريل2016 وهي شريك فاعل في التحالف العربيّ من واشنطن، مساعدتها للقضاء على عناصر القاعدة المتمركزين في جنوب اليمن، الذي تمّ تحريره قبل عام من المسلّحين الحوثيّين لصالح الحكومة، لكنّ انتعاش تنظيم "داعش" عقب عمليّة التحرير، وحضوره القويّ في العاصمة الموقّتة عدن أفزع أعضاء الحكومة والرئيس، وعمل على إعادتهم إلى المنفى في العاصمة السعوديّة التي سبق لهم أن التجأوا إليها في 25 مارس 2015 عقب اقتحام قوات الحوثيين المتحالفين مع الرئيس السابق علي صالح لمدينة عدن ، بعد سيطرتهم على صنعاء وفرار الرئيس هادي منها في 21 فبراير 2015.
هذا الفراغ قدّم بذلك خدمة إلى تنظيم القاعدة الذي وجد أرضيّة خصبة ومالاً ليحكم سيطرته على مناطق في محافظتي أبين وشبوه وكلّ مدينة المكلا.
وقال محمّد لـ"المونيتور" إنّ القاعدة بعد هزيمته في المكلا سيعود على الأرجح إلى استراتيجيّته القديمة، مجموعات مسلّحة متناثرة وموزّعة تقوم بعمليّات مباغتة ضدّ الأهداف التي تريدها. ويصنّف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بأنّه أخطر ذراع للتنظيم العالميّ المتشدّد.
غارات أميركيّة
منذ مطلع العام الجاري، كثّفت واشنطن غاراتها، مستهدفة عناصر التنظيم بواسطة طائرات الدرونز، أكثر من أيّ وقت مضى. وفي 26 نيسان/أبريل 2016، قتلت ضربة جويّة المسؤول الماليّ لتنظيم القاعدة حسام الزنجباري في أبين، وثلاثة من مرافقيه في غارة استهدفت سيّارته، في مدينة زنجبار.
وفي 19مارس/آذار 2016، نفّذت طائرة أميركيّة من دون طيّار غارة استهدفت معسكراً تدريبيّاً للجماعة، أسفر عن مقتل 50 عنصراً، وإصابة 30 آخرين. وفي 27مارس آذار ، قصفت الدرونز مباني يستخدمها التنظيم في محافظة أبين الساحليّة، ودمّرت مقرّاً للمخابرات في زنجبار، عاصمة المحافظة، ممّا أسفر عن مقتل 14 متشدّداً.
ومني تنظيم القاعدة بانتكاسات بعدما قتل أحد أبرز قياديّيه الشباب، ويدعى جلال بلعيدي واثنان من أصدقائه في ضربة بطائرة أميركيّة أثناء تنقّله في سيّارة في محافظة أبين في 4 شباط/ فبراير 2016. وكان بلعيدي يدير العمليّات القتاليّة للقاعدة، وكانت الولايات المتّحدة الأميركيّة قد أعلنت عن مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار نظير قتله.
ويعتبر بلعيدي الذي كان في يوم ما حارس مرمى في أحد الأندية المحلّية لكرة القدم، أبرز القياديّين الشباب في التنظيم، وسجّل حضوره في شكل مروع حين ظهر في تسجيل مصوّر، وهو يشارك في عمليّة ذبح 14 جنديّاً بالسكاكين في مدينة المكلا في 9 آب/أغسطس 2014.
وليست هذه فقط الغارات الأميركيّة التي استهدفت التنظيم منذ مطلع العام، لكنّها الأبرز.
تتميز الضربات الأمريكية باستنادها إلى قدرات استخباراتية فائقة, يشترك في توفيرها مخبرون محليون وأجهزة استخبارات إقليمية ويمنية مرتبطة باتفاقات تعاون مع الأمريكيين لمحاربة الإرهاب ،وهو الأمر الذي مكن الطائرات بدون طيار من قتل زعماء التنظيم واحداً تلو الآخر منذ العام 2002, إضافة إلى قتل عشرات من قادته الميدانيين البارزين ومقاتليه.
وفي حين يركز الهدف الرئيسي لعمليات التحالف العربي على تدمير قوة الحوثيين والرئيس السابق صالح, ينصرف هدف الهجمات الأمريكية مباشرة إلى قوة "القاعدة" وعناصرها, متسلحاً بخبرة في اقتناص أهداف التنظيم في اليمن, ظلت تتراكم على مدى أعوام فضلاً عما هو مسخر له من تكنولوجيا فائقة الكفاءة والدقة.
وإجمالاً، فإنّ المعركة ضدّ القاعدة لن تنتهي في الوقت الراهن على الأقلّ، فالتنظيم الذي ظهر في اليمن قبل 20 عاماً، في وسعه فعل الكثير في المستقبل، فلديه مال وسلاح ومجنّدون.