القاهرة- إنّ أحد الأسباب الرئيسيّة لقيام ثورة 25 كانون الثاني/يناير من عام 2011 هو تزوير إنتخابات مجلس الشعب في عام 2010 لصالح الحزب الحاكم آنذاك (الحزب الوطنيّ الديموقراطيّ) التابع للرئيس الأسبق حسني مبارك. ورغم حلّ الحزب في نيسان/إبريل من عام 2011، إلاّ أنّ أعضاءه ما زالوا يحاولون لعب دور رئيسيّ في الحياة السياسيّة المصريّة، وخصوصاً داخل مجلس النوّاب.
انتهى مجلس النوّاب في 23 نيسان/إبريل الماضي من اختيار رؤساء 25 لجنة، وفاز برئاسة 11 منها أعضاء سابقون أو منتمون إلى الحزب الوطنيّ. ووفقاً لدراسة عن التركيبة البرلمانيّة لمجلس النوّاب الحاليّ، نشرت في 29 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 في مجلّة "الديموقراطيّة" الّتي تصدر عن صحيفة "الأهرام" الحكوميّة، شهدت إنتخابات عام 2015 دخول أعداد كبيرة من المرشّحين من الّذين انتموا إلى الحزب الوطنيّ المنحلّ قبل ثورة 25 كانون الثاني/يناير، فنحو 145 نائباً من نوّاب الوطنيّ في برلمان عام 2010 شاركوا في إنتخابات عام 2015، وفاز منهم 65 نائباً كانوا ممثّلين للحزب الوطنيّ في السلطة التشريعيّة، فيما خرج 80 مرشّحاً من السباق، حيث خرج عدد منهم من الجولة الأولى ولم يخض جولة الإعادة.
وسعت الدراسة المشار إليها إلى التوصيف البرلمانيّ السباق ـ أيّ الّذين مثّلوا الحزب في برلمانات سابقة ـ من دون التعامل مع المنتمين السابقين إلى الحزب الوطنيّ المنحلّ أو أمناء محافظات لم يخوضوا الإنتخابات البرلمانيّة.
وقالت مجلّة "روز اليوسف" الحكوميّة في 5 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015: "استحوذت رموز نظام مبارك على 25 في المئة من المقاعد في البرلمان، بواقع 124 مقعداً". ويتكوّن مجلس النوّاب من 448 مقعداً بالنظام الفرديّ و120 بنظام القوائم المغلقة المطلقة، إضافة إلى 28 عضواً بنسبة 5 في المئة يحقّ للرئيس عبد الفتّاح السيسي تعيينهم.
ورصد "المونيتور" استحواذ 31 عضواً سابقاً منتمياً إلى الحزب الوطنيّ المنحلّ وأعضاء سابقين في مجالس تشريعيّة سابقة سواء أكان مجلس الشعب أم الشورى على مقاعد في الّلجان النوعيّة الداخليّة. ويتكوّن مجلس النوّاب الحاليّ من 25 لجنة نوعيّة، وفقاً لنصّ المادّة 37 من اللاّئحة الداخليّة، وتتشكّل كلّ لجنة من رئيس ووكيلين، إضافة إلى أمين سرّ.
ووفقاً لما رصده "المونيتور"، فإنّ الـ31 عضواً وبرلمانيّاً سابقاً في الحزب الوطنيّ المنحلّ يتوزّعون داخل اللّجان كالآتي: رئاسة اللّجان يتولاّها 11 نائباً، فيما فاز بالوكالة 16 نائباً في 13 لجنة، ويتولّى أمانة السر 4 نوّاب في 4 لجان مختلفة.
وإنّ اختيار أعضاء اللّجان الداخليّة تمّ وفقاً للمادّة 42 من لائحة مجلس النوّاب، والّتي تنصّ على أن "تنتخب كلّ لجنة في أسرع وقت ممكن في بداية كلّ دور انعقاد عاديّ من بين أعضائها رئيساً ووكيلين وأميناً للسرّ، وذلك بالأغلبيّة المطلقة لعدد أعضائها، وتقدّم الترشيحات كتابة إلى رئيس المجلس، وتجرى الإنتخابات بين المرشّحين بطريق الإقتراع السريّ، وإذا لم يتقدّم للترشيح أحد غير العدد المطلوب أعلن إنتخاب المرشّحين بالتزكية".
"فوز أعضاء سابقين للحزب الوطنيّ بهذه النّسبة من المقاعد في البرلمان الحاليّ كان أمراً متوقّعاً"، هذا ما أشار إليه الباحث المتخصّص في الشؤون البرلمانيّة أكرم ألفي، الّذي عزا أيضاً في حديث لـ"المونيتور" السبب إلى "خوض هؤلاء الأعضاء الإنتخابات على قائمة في حبّ مصر، الّتي سمّيت بقائمة الدولة والإستقرار. لذا، كان التصويت لأعضائها كثيفاً. أمّا الأعضاء الّذين فازوا بالنظام الفرديّ فهم ممّن لهم ثقل وتاريخ في دوائرهم استمرّا رغم انهيار الحزب الحاكم عقب ثورة 25 كانون الثاني/يناير من عام 2011، نظرًا لإنحياز أجهزة في الدولة (الإدارات المحليّة والداخليّة) إليهم بسبب توافق الرؤى السياسيّة، إضافة إلى أنّ الناخب كان يبحث عن نوّاب يقدّمون إليه خدمات، وهو ما حرص عليه أعضاء الحزب الوطنيّ لضمان ولاء التصويت لهم".
وتعليقاً على فوز 31 عضواً سابقاً في "الحزب الوطنيّ" بمقاعد داخل اللّجان النوعيّة في مجلس النوّاب، قال أكرم ألفي لـ"المونيتور": هناك 3 عوامل رئيسيّة وراء فوزهم بهذه النّسبة، أوّلاً "خبرتهم البرلمانيّة في خلق تكتّلات تصويتيّة لصالحهم، إضافة إلى دخولهم في لجان مناسبة لقدراتهم"، ثانياً "كتلة من البرلمانيّين السابقين للحزب الوطنيّ كانوا من المنضمّين في الأساس إلى قائمة في حبّ مصر الّتي تستحوذ على أغلبيّة كبيرة تحت قبّة البرلمان. وبالتّالي، ضمن هؤلاء النوّاب فوزهم في اللّجان الّتي ترشّحوا فيها"، ثالثاً "قدرة أعضاء الحزب الوطنيّ السابقين على التكيّف والتأثير خلال جلسات المجلس طيلة الـ3 أشهر الماضية، وفقاً لما تراه السلطة التنفيذيّة، في الوقت الّذي لقي أعضاء آخرون التهميش، نظراً لمواقفهم الّتي تنتقد السلطة التنفيذيّة".
وعن مدى تأثّر عمل مجلس النوّاب عقب هذا التشكيل للّجان النوعيّة، قال ألفي لـ"المونيتور": "إنّ المعطيات السابقة تؤكّد أنّ هذا التّشكيل سيقلّل نسب الصدام بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة"، عازياً ذلك إلى "إتّفاق أعضاء اللّجان، خصوصاً المنتمين إلى الحزب الوطنيّ السابق، على الرؤى الّتي تطرحها السلطة التنفيذيّة. لذا، دائماً ما سيكون هناك توافق نسبيّ مع النّظام الحاكم".
"ثورة 25 كانون الثاني/يناير أجهضت، وأكبر دليل على ذلك تشكيل مجلس النوّاب الحاليّ وسيطرة رجال الحزب الوطنيّ السابقين عليه"، بهذه الكلمات بدأ أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة حديثه لـ"المونيتور"، وقال: "إنّ تشكيل البرلمان الحاليّ بالكامل هو موال للرئيس السيسي، فرغم عدم وجود أغلبيّة حزبيّة داخل مجلس النوّاب، إلاّ أنّ جوهره عاد إلى التّشكيل القديم بالأسماء نفسها، ولكن برئيس مختلف وآليّة عمل مختلفة".
وأشار حسن نافعة لـ"المونيتور" إلى أنّ رجال الحزب الوطنيّ عادوا من جديد من خلال المال السياسيّ وأجهزة الأمن، فبعد 5 سنوات من ثورة كانون الثاني/يناير، عادت مصر إلى نقطة الصفر، بعد استنساخ النظام الراهن بنظام ما قبل ثورة عام 2011".
من جهته، قال رئيس الهيئة البرلمانيّة في حزب المصريّين الأحرار الليبراليّ علاء عابد: إنّ معظم من نجحوا في رئاسة اللّجان ينتمون حاليّاً إلى إئتلاف ما سميّ بـ"دعم الدولة"، وهو الّذي تشكّل من قائمة في حبّ مصر.
وأشار في حديثه لـ"المونيتور" إلى أنّ هذا الإئتلاف يعتمد في شكل أساسيّ على رموز الحزب الوطنيّ القديمة، لافتاً إلى أنّه "طالما لم يثبت تورّط النوّاب السابقين للحزب الوطنيّ في قضايا فساد، فلا يمكن أن نتّهمهم بالباطل، فمن حقّهم أن يشاركوا في الحياة السياسيّة".
وانتقد في الوقت نفسه أعمار رؤساء اللّجان المنتمين إلى إئتلاف "دعم الدولة"، والّّتي تتخطّى الـ60 عاماً وإصرار قيادات هذا الإئتلاف على ما وصفه بـ"تهميش" دور الشباب.