بينما تلتفت أنظار العالم مؤخّراً إلى تحرير تدمر والدمار الذي ألحقه تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) بهذا الموقع القديم في سوريا أثناء احتلاله له لفترة طويلة، ترتفع عمليّات نهب الآثار والاتجار بها في الشرق الأوسط.
فالتفكّك الاجتماعيّ والأزمات الاقتصاديّة عقب ثورات الربيع العربيّ في العام 2011 حفّزت الأشخاص العاديّين إلى نهب آثار قيّمة في مصر واليمن وليبيا. وفي الوقت نفسه، تستفيد مجموعات مثل داعش والقاعدة من الاتجار بهذه الآثار عبر شبكات منظّمة وبيعها في الدرجة الأولى إلى هواة جمع التحف في أوروبا وآسيا والولايات المتّحدة.
وقالت عالمة الآثار المصريّة مونيكا حنّا لمركز بحثيّ في واشنطن عبر "سكايب" في 7 نيسان/أبريل إنّ الأزمة الأمنيّة التي رافقت ثورة 2011 ضدّ الرئيس حسني مبارك أثارت "حمّى للتنقيب عن الذهب في مصر". ومع أنّ الوضع تحسّن قليلاً، إلا أنّ المواقع الأثريّة ليست حتّى اليوم تحت السيطرة، على حدّ قولها.
وأضافت أنّ العصابات المنظّمة تبحث عن أنواع معيّنة من الآثار تشمل كنوزاً من عصر ما قبل الأسرات ومخطوطات قبطيّة وتحفاً وقطعاً إسلاميّة من عهد الحاكم المصريّ محمد علي في القرن التاسع عشر.
وقالت حنّا لمركز وودرو ويلسون الدوليّ للباحثين: "لكلّ فترة زمنيّة زبونها"، مضيفة أنّ غالبيّة الآثار المسروقة ينتهي بها المطاف في تركيا في طريقها إلى أوروبا والولايات المتّحدة، أو في حالة الفنّ الإسلاميّ، دول الخليج العربيّ.
وفي مقابلة حديثة مع "المونيتور"، اعتبر وزير الآثار المصريّ السابق زاهي حواس أنّ "الاضطرابات الأمنيّة عقب ثورة 25 يناير [2011] مسؤولة" أيضاً عن طفرة عمليّات التنقيب غير الشرعيّة في مصر. بالإضافة إلى ذلك، أشار حواس إلى أنّ تراجع السياحة أدّى إلى قطع التمويل عن الهيئات الحكوميّة المعنيّة بالآثار من أجل حماية المتاحف والمواقع الأثريّة وتنميتها.
واستنكر الخبراء ارتفاع الطلب في هذا المجال وتراخي دول الغرب في ما يتعلّق بتطبيق القوانين التي تمنع الاتجار بالآثار المسروقة.
وأشارت المديرة التنفيذيّة لمنظّمة "أنتيكويتيز كواليشون" غير الربحيّة في واشنطن، تيس دايفيس، إلى أنّ "الولايات المتّحدة لديها قوانين لكن علينا استعمالها". وقالت إنّ الاتجار بالآثار غالباً ما يُعتبر "جريمة غير عنيفة وبلا ضحايا، هذا ان اعتُبر جريمة في الأساس. لم يبدأ هذا الأمر مع داعش ولن ينتهي هنا".
لقد أصبح نهب الآثار في سوريا والعراق مصدراً مهمّاً للدخل بالنسبة إلى داعش، وأثار بالتالي اهتمام السلطات المعنيّة بمكافحة الإرهاب. وقالت دايفيس إنّ مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة أصدر قراراً بالإجماع قبل أكثر من سنة دعا فيه كلّ البلدان إلى منع دخول الآثار السوريّة، لكن يبقى أن يصادق الكونغرس الأميركيّ على القانون التطبيقيّ.
وحثّت إدارة باراك أوباما على استخدام سلطتها التنفيذيّة في الوقت الحاليّ لفرض قيود طارئة على الواردات ولاعتبار الاتجار بالآثار من قبل داعش جريمة تمويل إرهابيّة، لا مجرّد جريمة بحقّ التراث الثقافيّ.
وأشادت أيضاً بالسلطات في مدينة نيويورك التي تستند منذ فترة إلى قوانين الولاية لملاحقة تجّار السلع الثقافيّة غير الشرعيّة. وقالت دايفيس، أثناء الاحتفال بأسبوع الفنّ الآسيويّ في نيويورك، إنّ الشرطة شنّت غارات يوميّة على دور المزادات والتجّار للبحث عن السلع المتاجَر بها والعثور عليها قبل بيعها.
وقال الباحث المساعد في مؤسسة "سميثسونيان"، ألكسندر نيجل، للمركز البحثيّ إنّه يعمل منذ فترة مع الجمارك وسلطات الهجرة الأميركيّة لتدريبها على رصد الآثار المسروقة بطريقة غير شرعيّة. وأوضح أنّه من بين التطوّرات الإيجابيّة التي حقّقوها وضع "لوائح حمراء" بالآثار التابعة للمواقع الأثريّة الرئيسيّة في الشرق الأوسط.
وقالت دايفيس إنّ تطبيقات الهواتف الخليويّة مثل "سنابشات" و"إنستاغرام" ساعدت الخبراء على توثيق عمليّات النهب في تدمر ومواقع أخرى رئيسيّة. وأوضحت أنّ "التماثيل المسروقة من تدمر انتهى بها المطاف في مزاد في الرقة" مؤخراً، وتمّ التعرّف إليها من خلال هذه الوسائل الرقميّة.
يشار إلى أنّ غالبيّة القطع غير الشرعيّة سينتهي بها المطاف في مجموعات خاصّة لن تُعرض في العلن لفترة طويلة، هذا إن عُرضت في الأساس. وقالت حنّا إنّ أحد التحدّيات يكمن في رفع الوعي لدى الأشخاص الذين يشترون هذه القطع كي يفهموا أنّه "من السيّئ شراء آثار مسروقة من الشرق الأوسط".
وقال الخبراء إنّه يتعيّن على دور المزادات أيضاً أن تكون أكثر حذراً وتيقّظاً وأن تحرص على أنّ القطع هي من بائعين شرعيّين وقابلة للتصدير بإذن من السلطات الحكوميّة، إذا أمكن.
ونظراً إلى نسبة الموت والدمار في بلدان مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، قد لا تبدو حماية المواقع الأثريّة من الأولويّات الرئيسيّة.
وقالت الخبيرة في الآثار اليمنيّة والإثيوبيّة، آيريس غيرلاك، إنّه من الضروريّ رفع الوعي لدى السكّان المحليّين بشأن خسارتهم لتراثهم من خلال سماحهم بانتزاع الآثار من الأرض وفصلها عن سياقها التاريخيّ.
وأوضح نيجل أنّ وضع حدّ لهذه التجارة سيكون صعباً نظراً إلى عدم وجود خيارات كثيرة أخرى أمام السكّان المحلّيين وإلى أنّ صفحة واحدة من قرآن يعود إلى القرون الوسطى يمكن أن تباع بـ 25 ألف دولار.