بعد شهر من التبادلات السلبيّة بين واشنطن والرياض، سيزور الرئيس الأميركيّ باراك أوباما المملكة العربيّة السعوديّة في 21 نيسان/أبريل لحضور قمّة لمجلس التعاون الخليجيّ. وفي مقابلة في عدد نيسان/أبريل من مجلّة "ذي أتلانتيك"، وصف أوباما حلفاء الولايات المتّحدة الأميركيّة في الخليج بأنّهم "قوى جامحة" - بسبب عدم مساهمتهم على الساحة العالميّة – ما أدّى إلى توسيع الشرخ في العلاقة المتوتّرة أصلاً مع الرياض.
ودفع هذا التصريح السفير السعوديّ السابق في واشنطن، الأمير تركي الفيصل، إلى كتابة ردّ مفصّل ذكّر فيه الرئيس بلائحة طويلة من المساهمات السعوديّة في السلام الإقليميّ. فأشار إلى المساعدات الانسانيّة في اليمن وسوريا وإلى محاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) وتشارك المعلومات الاستخباراتيّة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، مسلّطاً الضوء على مساهمات القيادة السعوديّة، وناقضاً تصريح الرئيس الأميركيّ بشأن "القوى الجامحة".
وعلى الرغم من هذه التبادلات السلبيّة، سيجد أوباما نفسه، أثناء زيارته إلى الرياض، أمام قيادة منغمسة في " جرأة الأمل" وعازمة على عدم تشارك الشرق الأوسط – كما أمل أوباما بعد الصفقة النوويّة مع إيران وأعلن بوضوح في مقابلته الأخيرة – بل على النهوض من الفوضى التي تلت الانتفاضات العربيّة كقائدة المنطقة بلا منازع. فالحلم الأميركيّ الذي شكّل اندفاعاً لأوباما وللكثيرين قبله يواجهه حلم سعوديّ تكافح القيادة من أجل تحقيقه.
ويتمحور التصادم بين الرؤيتين السعوديّة والأميركيّة حول مسألة واحدة. فحلم أوباما المتعلّق بالشرق الأوسط يتمثّل بوجود قوى إقليميّة متعدّدة تربطها جميعها علاقة وديّة مع الولايات المتّحدة ولا تفرض أيّ منهما إرادتها على القوى الأخرى. فمن القاهرة إلى تل أبيب وأنقرة والرياض وطهران، لاحظ أوباما مجموعة من الادّعاءات والادّعات المضادّة بشأن الهيمنة والسيطرة. فنأى بنفسه عنها كلّها وسعى إلى تحقيق المصلحة الوطنيّة الأميركيّة – التي تمثّلت، في خضمّ الفوضى العارمة في المنطقة، بأن تصبح أميركا مصدر دعم بعيداً لكن حقيقيّاً للجهات المستعدّة للالتزام بقواعد لعبة جديدة.
لكن، من دون الغوض كثيراً في أفكار الرئيس الأميركيّ، بدا واضحاً بالنسبة إلى الكثير من العرب أنّ رؤية أوباما المتعلّقة بالمنطقة ستصطدم على الأرجح بالحلم السعوديّ المتمثّل بجرّ العالم العربيّ إلى حكم استبداديّ أكثر ترسّخاً. وقد أظهرت وثائق عدّة من "ويكيليكس" للكثير من العرب الازدراء وقلّة الاحترام التي يشعر بهما دبلوماسيّون أميركيّون كثيرون تجاه الطغاة في المنطقة الذين اضطروا معهم إلى ادّعاء الصداقة والاحترام. فمن زيد العابدين بن علي في تونس إلى حسني مبارك في مصر، كانت الإدارة الأميركيّة مدركة تماماً أنّها تشهد الأيّام الأخيرة لمجموعة فاسدة من الأشخاص سيتمّ خلعها قريباً. لكنّها لم تتوقّع ربّما العودة السريعة للحكم الاستبداديّ بسبب الجهود المنهجيّة لحلفاء الولايات المتّحدة السابقين، كالمملكة العربيّة السعوديّة ورؤساء دول أخرى من مجلس التعاون الخليجيّ سيقابلهم الرئيس في الرياض.
فبعد أن كان السعوديّون الحلفاء الأقرب إلى الولايات المتّحدة في المنطقة طوال 40 سنة على الأقلّ، لم يوافقوا على رؤية أوباما المتمثّلة بمنطقة متعدّدة الأقطاب تتعايش فيها دول متعدّدة وتتعاون وتتنافس ربّما بطريقة حضاريّة.
ومنذ لحظة انتخاب أوباما رئيساً سنة 2008، كافح السعوديّون من أجل تحقيق حلمهم في أن يصبحوا القوّة الإقليميّة الوحيدة من دون المظلّة الأميركيّة التي اعتادوها منذ الثمانينيّات. وما ساهم في تسريع هذا السعي وراء حلم الهيمنة السعوديّة كان الانتفاضات العربيّة التي شكّلت في الدرجة الأولى خطراً على نوع الحكومة الذي يمارسه السعوديّون. ويُعتبر أوباما في الرياض الرئيس الأميركيّ الوحيد الذي أيقظ السعوديّين من حلمهم وأراهم حقيقة مرّة بسعيه إلى الصلح مع إيران.
وقال المحلّل السعوديّ فهد ناظر: "يقرّ سعوديّون كثيرون اليوم بأنّهم ينتظرون ببساطة انتهاء ولاية الرئيس أوباما، ولا يتردّد بعضهم في القول إنّ أيّ رئيس سيكون أفضل من أوباما".
ونظراً إلى هذا الشرخ في العلاقة الأميركيّة السعوديّة، وجد أوباما نفسه مضطراً إلى السفر إلى الرياض في هذه المرحلة المتأخّرة من ولايته الرئاسيّة بغية إقناع السعوديّة ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجيّ بأنّها لا تزال حليفة الولايات المتّحدة الرئيسيّة، لكن يتعيّن عليها تعزيز جهودها في مجال مكافحة الخطر الإرهابيّ المرتبط بداعش وجماعات أخرى.
ويستغلّ السعوديّون الشرخ الحاليّ في العلاقات بين الولايات المتّحدة وحلفائها الإقليميّين، من القاهرة إلى أنقرة. وقد ذهبوا أبعد من ذلك، فعزّزوا اتّصالاتهم مع إسرائيل التي تُعتبر أيضاً حليفة قديمة للولايات المتّحدة ومقرّبة منها تصادم أوباما معها أثناء ولايته الرئاسيّة. من الواضح إذاً أنّ السعوديّين يسعون إلى إقامة تحالفات أقرب مع حلفاء الولايات المتّحدة المستاءين منها في الشرق الأوسط.
وتُعتبر زيارة الرئيس محاولة لتقديم نوع من الدعم الذي قد يفيد الرئيس الأميركيّ المستقبليّ. فلا أوباما ولا السعوديّة مستعدّان للتخلّي عن حلميهما المتناقضين – يتمحور حلم أوباما حول تعدّد الأقطاب الإقليميّ فيما لا يرضى السعوديّون سوى بالهيمنة المطلقة.
وإذا أراد أوباما أن تُحدث زيارته تأثيراً دائماً، فعليه أن يبذل جهداً أكبر لإقناع السعوديّين بأنّ عصر الهيمنة الأحاديّة قد انقضى، أقلّه في المستقبل القريب. فعلى السعوديّين أن يدركوا أنّه من الأفضل احتواء الخصومات الإقليميّة الطاحنة بدلاً من استغلالها حتّى تتطوّر إلى حروب بالوكالة.
وبالطبع، لا داعي إلى أن يفسّر أوباما للسعوديّين لماذا لم يتحقّق حلمهم في قيادة العالم العربيّ. ولا داعي إلى أن يذكّرهم لماذا لا يروق نموذج الحكم الإسلاميّ الذي يتبنّونه لأكثر من 300 مليون عربيّ. وليس عليه حتّى أن يسأل لماذا يقيم الجهاديّون السجناء في مراكز تأهيل فاخرة فيما يقبع سجناء الضمير السلميّون في زنزانات سجن الحاير.
هذه الأسئلة صعبة ومن المستبعد أن يطرحها يوماً الرؤساء الأميركيّون المستقبليّون. ومن الأفضل أن تتولّى المنظّمات غير الحكوميّة ووسائل الإعلام الأميركيّة الناشطة طرح هذه الأسئلة، فقد فعلت كلتاهما الكثير لتغيير النظرة إلى التحالف التاريخيّ والأبديّ المزعوم بين الولايات المتّحدة الأميركيّة والمملكة العربيّة السعوديّة.
ومن المرجّح أن يستمرّ في المستقبل القريب الميل إلى تقييم التحالف الأميركيّ السعوديّ بطريقة نقديّة، والشكوك الكثيرة في الولايات المتّحدة بشأن هذا التحالف. فالكثيرون في الولايات المتّحدة يشكّكون في الادّعاءات السعوديّة بشأن قدرة المملكة على أن تكون القائدة الوحيدة ليس للعرب فحسب، بل أيضاً للمسلمين السنّة في العالم أجمع. ومن المحتّم أن تتطوّر هذه الأوهام إلى مزيد من النزاعات في الشرق الأوسط، لا بل أبعد منه.