تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

ما الخطوة التالية في حلب؟

عادت الاشتباكات في حلب بعد أن كانت قد توقّفت الأعمال العدائيّة هناك، الأمر الذي يطرح تساؤلات من جديد حول مستقبل المدينة وعمليّة السّلام الشّاملة.
RTX2A866.jpg

إنّ وقف الأعمال العدائيّة الذي بدأ تطبيقه في سوريا بتاريخ 26 شباط/فبراير، والذي تلاه مؤتمر في جنيف بين الأطراف المتنازعة في 14 آذار/مارس، أعطى بصيص أمل لمفاوضات السّلام السّوريّة. لكنّ هذا الأمل بدأ يتلاشى الآن مع عودة الاشتباكات هذا الشّهر بين نظام الرّئيس بشار الأسد والمعارضة في حلب، التي تترافق مع المماطلة في عمليّة السّلام الجارية في المدينة السّويسريّة. ما هي السّيناريوهات المختلفة التي قد نراها في سوريا، وهل يمكن أن ينبثق حلّ وسطي أكثر واقعيّة من تحت الأنقاض؟

على الرّغم من الانتهاكات المتعدّدة، انخفض مستوى العنف بشكل ملحوظ في كافة أنحاء سوريا في الأشهر القليلة الماضية. ويقول أحد مقاتلي أحرار الشام الذي تحدّث إلى المونيتور شرط عدم ذكر هويّته، "هناك شعور بعودة الحياة إلى طبيعتها في درعا على الرغم من الاشتباكات مع لواء اليرموك المرتبط بتنظيم الدّولة الإسلاميّة (داعش)".

لكن يبدو أنّ وقف إطلاق النّار الهشّ بدأ ينهار. فقد أعلنت فصائل المعارضة السّوريّة، بما فيها المجموعتين السّلفيّتين أحرار الشام وجيش الإسلام، عن هجوم مضادّ على قوّات النّظام في 18 نيسان/أبريل أطلقوا عليه اسم "ردّ المظالم". وقد شهدت مدينة حلب أيضًا تصعيدًا في القتال في الأسابيع القليلة الماضية قرابة منتصف شهر نيسان/أبريل، فيما واصلت القوّات السّوريّة المدعومة من القوى الجويّة الرّوسيّة هجومها على المدينة. شكّلت المنطقة أيضًا مسرحًا لاشتباكات عنيفة بين الثّوار وداعش، بحسب ما أفاد به العقيد في الجيش السوري الحرّ حسن حمادة الذي تحدّث إلى المونيتور. وأضاف قائلاً إنّ "الثوار يرزحون تحت ضغط من قبل النظام وداعش". وتجدر الإشارة إلى أنّ القتال الأخير بين الثوار والنظام سمح بالفعل لداعش باستعادة المناطق التي كان قد فقد السيطرة عليها في شمال حلب حول منطقة الراعي. بالإضافة إلى ذلك، أدّت غارة جويّة شنّها النظام في منطقة معرة النعمان إلى مقتل حوالي 40 شخصًا هذا الأسبوع.

يبدو أنّ الوضع يتدهور أيضًا على الصّعيد السّياسي. ففي جنيف، قال مصدر من داخل المعارضة لوكالة الأنباء السّوريّة "السّورية نت" إنّ المعارضة طلبت من المبعوث الأممي الخاصّ إلى سوريا ستافان دي ميستورا إرجاء الجولة الحاليّة من المفاوضات. وقال ممثّل المعارضة السورية لدى الأمم المتّحدة نجيب الغضبان للمونيتور إنّ "النّظام لم يأخذ المفاوضات على محمل الجدّ؛ فهم يخلقون مصادر إلهاء لتفادي الحديث عن المرحلة الانتقاليّة". وبشكل مستقلّ عن مفاوضات السّلام الجارية في جنيف بقيادة الأمم المتّحدة، أجرى النّظام أيضًا انتخابات برلمانيّة في 13 نيسان/أبريل.

يقول فابريس بالانش، خبير في الشّأن السّوري في معهد واشنطن لسياسة الشّرق الأدنى، إنّ "النّظام يؤمن بأنّه مهما حصل، لن يخسر دعم روسيا وإيران". في موازاة ذلك، لن تقبل المعارضة السّوريّة ولا داعموها في الخليج بأيّ اتّفاقيّة لتشارك السّلطة مع الأسد. في 16 نيسان/أبريل، قال مصدر مقرّب من المعارضة للمونيتور إنّ مبعوث الأسد رياض الداودي لمّح لدي ميستورا إلى أنّ الأسد مستعدّ لتشارك الصّلاحيّات التّنفيذيّة مع ثلاثة نواب للرّئيس من المعارضة، وهذا تسريب أكّده الإعلام في ما بعد، وهو أمر أوصت به خليّة تفكير في واشنطن، بحسب ما أفاد به المصدر.

مع تدهور وضع وقف إطلاق النّار والمفاوضات يومًا بعد يوم، يبدو أنّ النّزاع في سوريا سيستمرّ على المدى البعيد، ليعيث خرابًا إضافيًا في بلد سبق أن قتل فيه أكثر من 470,000 شخص من جرّاء النّزاع على مدى الأعوام الخمسة الماضية، وتشرّد نصف السّكان.

تظهر على ما يبدو ثلاثة سيناريوهات محتملة في أعقاب الانهيار الأخير لعمليّة السّلام. السّيناريو الأوّل والأبشع هو عودة النزاع بكامل قوّته. وقد قال للمونيتور سنان حتاحت، باحث في مركز عمران للدّراسات الاستراتيجيّة في تركيا، إنّ "السّعودية وتركيا لا تمرّان في أفضل ظروفهما الماليّة، لكنّهما قد تعزّزان مع ذلك دعمهما لفرق المعارضة السّوريّة؛ وهما ستريدان أيضًا من وزير الخارجيّة جون كيري أن يفي بوعده بتدريب الثوار وتجهيزهم في حال فشلت المفاوضات".

ننتقل إلى السيناريو الثاني الذي يتمحور حول الحفاظ على جمود نسبي لمعظم خطوط التماس، باستثناء عدد قليل منها، بما في ذلك حلب. ويشرح بالانش، "سيبقى الرّئيس السّوري بشار الأسد في السّلطة في دمشق، مع تواجد حزام اللاذقية والمحاور الحضرية الكبيرة في نطاق سيطرته. وسيسيطر الثوار على جنوب سوريا، وشمال غرب البلاد، وعلى جيوب حول حلب ودمشق، في حين سيحافظ الأكراد على المناطق الشّماليّة". وفي مثل هذا الإطار، ستبقى الهجمات العسكريّة الدوليّة والمحليّة قائمة ضد مناطق داعش، بحسب بالانش. يحتمل كثيرًا أن يحدث مثل هذا السّيناريو نظرًا إلى مشكلة النّقص في الرّجال التي تعانيها قوّات النّظام التي قلّ عددها وتضطرّ إلى الانتقال من جبهة إلى أخرى في المعارك.

أمّا السّيناريو الأخير والأكثر إيجابيّة فيقوم على هيمنة الواقعيّة على السّاحة السّياسيّة السّوريّة: فغياب نصر واضح لصالح أيّ من الأطراف المتحاربة، ومشكلة نقص الرجال التي يواجهها النظام، إلى جانب انتهاء ولاية باراك أوباما في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، والذي قد يحلّ محلّه منافس أكثر تشدّدًا، يفتح المجال أمام التسوية. ويقول حتاحت، "ما من توازن قوى في سوريا؛ فهو توازن ضعف. لا أحد يستطيع أن يفوز".

للأطراف المحليّة والدّوليّة حساباتهم الخاصّة أيضًا. يقول بالانش إنّ "الرّئيس الأسد يفضّل التوصّل إلى حلّ بشأن سوريا هذا الصّيف، لأنّهم يعلمون أنّ الاتّفاق في عهد الرّئيس باراك أوباما سيكون لصالحهم (خلافًا للاتّفاق) في عهد الحكومة المقبلة". وكذلك أوروبا على عجلة من أمرها نظرًا لأزمة اللّاجئين، فقد وصل أكثر من مليون شخص إلى شواطئ الاتّحاد الأوروبي في العام 2015، وتوفّي حوالي 4,000 شخص أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسّط.

نشير أيضًا إلى أنّ أوروبا حريصة على تحقيق الاستقرار في سوريا، فالحرب هناك وفي العراق تنعكس على الدّول الأوروبيّة مع تزايد الهجمات الإرهابيّة في عدد من عواصمها؛ وكان آخر هذه الهجمات في بروكسل حيث جرح أكثر من 300 شخص وقتل 35 آخرين.

في نهاية المطاف، يدلّ وقف إطلاق النار والجولة الثانية من محادثات جنيف على نفوذ الأطراف الخارجيّين، كروسيا والولايات المتّحدة اللتين دعمتا كلاً من المبادرتين، على الأنصار السّوريّين. ويوصي الغضبان، "علينا مراقبة المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة".

تبقى موسكو الجوكر في لعبة الورق هذه، فهي تُظهِر قدرتها على كبح جماح طموحات النظام عند الحاجة مع الاستمرار، رسميًا على الأقلّ، بإظهار الدّعم للحلّ المتفاوض عليه. قد يكون مثل هذا الحلّ بعيدًا عن كونه اتّفاق سلام كامل، وقد يتمخّض عن اتّفاقيّة جديدة لوقف إطلاق النار وتشارك السّلطة وفق المناطق مع العمل نحو استراتيجيّة خروج، بحيث ستكون المسألة الخلافيّة حول رحيل الأسد هي المرحلة الأخيرة التي سيتناولها المسار السّياسي. سيكون الخيار النهائي تطبيق اتّفاقيّة تشارك السلطة التي اقترحها دي ميستورا الأسبوع الماضي، بما يسمح بتجريد الأسد من الصّلاحيّات التّنفيذيّة التي ستنتقل إلى هيئة انتقاليّة. ويبقى أن نرى ما إذا كان الدّاعمان القويّان للأسد، روسيا وإيران، سيوافقان على مثل هذا الاتّفاق، وما إذا كان بالإمكان تطبيقه فعليًا، بما أنّ الحفاظ على الأجهزة الأمنيّة سيبقي للأسد سلطة كبيرة، بالأخصّ على خصومه السّياسيّين.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in