إنّ الهجمات العسكريّة التّركيّة على المجموعات السّوريّة الكرديّة المتحالفة مع الولايات المتّحدة، فضلاً عن إمكانيّة دخول القوّات البرّيّة التّركيّة والسّعوديّة إلى سوريا قد تقلب رأسًا على عقب اتّفاق السّلام الهشّ الذي توصّلت إليه مجموعة الدّعم الدّوليّة لسوريا الأسبوع الماضي. وإنّ دخول القوّات البرّيّة التّركيّة والسّعوديّة من شأنه أن يخاطر بتصعيد كبير في الحرب وبجولة جديدة من البؤس للشّعب السّوري.
قال وزير الخارجيّة التّركي مولود جاويش أوغلو في 13 شباط/فبراير إنّ السّعوديّة ترسل طائرات مقاتلة إلى قاعدة انجرليك الجويّة وإنّ كلّاً من البلدين ينظر في احتمال شنّ عمليّات برّيّة في سوريا. وقال جاويش أوغلو، "قد تكون هناك رغبة في هذا الأمر، لكن ما من خطّة. ترسل السعوديّة طائرات وقد قالت، 'إذا حان وقت لا بدّ فيه من إطلاق عمليّة بريّة، يمكننا عندها إرسال الجنود'". وأوضح وزير الخارجيّة السّعودي عادل الجبير في 14 شباط/فبراير، ربّما في ردّ على طلب الولايات المتّحدة، إنّ "استعداد المملكة لإرسال قوّات خاصّة للمشاركة في أيّ عمليّات برّيّة في سوريا مرتبط بقرار امتلاك عنصر برّيّ في هذا التّحالف ضدّ داعش (تنظيم الدّولة الإسلاميّة) في سوريا – هذا التّحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة – لذا لا يعود الأمر لنا باختيار الوقت".
هذا وأعرب وزير الدّفاع الأميركي آشتون كارتر عن خيبته بالمساهمات المخيّبة للآمال لبعض حلفاء الولايات المتّحدة الإقليميّين، بما في ذلك تركيا، في التّحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة ضدّ تنظيم الدّولة الإسلاميّة. وقيل إنّ كارتر حصل على التزام من السّعوديّة في 11 شباط/فبراير بزيادة مشاركاتها في الحملة الجوّيّة ضدّ تنظيم الدّولة الإسلاميّة، فضلاً عن مناقشات حول تدريب محتمل وإرسال قوّات برّيّة.
كان هذا العمود ليدعم مشاركة السعوديّة وتركيا المعزّزة في الحملة الجوّيّة ضدّ تنظيم الدّولة الإسلاميّة، لكنّ النّوايا التّركيّة والسّعوديّة في سوريا لا تتماشى بدقّة مع نيّة الولايات المتّحدة بهزم المجموعة الإرهابيّة التي وصفها مدير الاستخبارات الوطنيّة الأميركيّة جيمس كلابر في إفادة أدلى بها في 9 شباط/فبراير أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، بأنّها "التّهديد الإرهابيّ الأكبر بسبب وصفها لنفسها بالخلافة الإسلاميّة في سوريا والعراق، وبسبب فروعها الحاليّة والناشئة في دول أخرى، وقدرتها المتزايدة على شنّ هجمات مباشرة أو الحثّ على شنّها ضدّ مجموعة واسعة من الأهداف حول العالم".
لا تكمن أولويّة تركيا في سوريا في هزيمة تنظيم الدّولة الإسلاميّة، بل في هزيمة حزب الاتّحاد الدّيمقراطي الكردي السّوري وجناحه المسلّح، وحدات حماية الشّعب. يعتبر الرّئيس التّركي رجب طيّب أردوغان أنّ حزب الاتّحاد الدّيمقراطي ووحدات حماية الشّعب هما امتداد لحزب العمّال الكردستاني الذي تخوض حكومته حربًا أهليّة دمويّة معه في جنوب شرق تركيا. أمّا الولايات المتّحدة فلا تشاطر تقييم أردوغان لحزب الاتّحاد الدّيمقراطي ووحدات حماية الشّعب كتنظيمين إرهابيّين، بل تعتبر أنّ القوّات السّوريّة الكرديّة هي من بين المجموعات السّوريّة المسلّحة الأكثر فعاليّة في محاربة تنظيم الدّولة الإسلاميّة ولا صلة لها بجبهة النّصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة؛ وكما أفاد هذا العمود الأسبوع الماضي، إنّ بعض المجموعات المعادية للأسد التي يدعمها كلّ من تركيا والسّعوديّة لها علاقات مع جبهة النّصرة.
وصف متين تورجان كيف أنّ الإعلام التّركي الموالي للحكومة يضخّم مسألة التّدخّل العسكري المحتمل في سوريا لردع القوّات السّوريّة الكرديّة عن التّحرّك غرب الفرات. هذه هي إذًا النّيّة الفعليّة وراء تهديدات تركيا بالتدخّل في سوريا. تقوم تركيا منذ بضعة أيّام بقصف المعاقل السّوريّة الكرديّة في شمال سوريا وتطالب بانسحاب وحدات حماية الشّعب من المناطق التي سيطرت عليها نتيجة احتدام القتال حول حلب.
ويصف تورجان أيضًا حملة العلاقات العامّة للحكومة التّركيّة بأنّها "رحلة سرياليّة في محاولة لإقناع الرّأي العام بأنّ تركيا تفوز ولا تخسر في سوريا". لكن على الرّغم من المغالاة في الوطنيّة التي يُظهرها صقور الإعلام التّركي، قد يكون أفضل وصف لنتائج التدخّل التّركي بأنّها محفوفة بالمخاطر وربّما كارثيّة بالنّسبة إلى تركيا، وسوريا والمنطقة. سبق وأوضحت روسيا أنّها ستفرض منطقة حظر جوّي، لذا قد تدخل تركيا في مواجهة مع روسيا. وتشمل المخاطر الأخرى عواقب أيّ تدخّل في حرب تركيا الأهليّة مع حزب العمال الكردستاني؛ واحتمال نشوب نزاع مع كلّ من الحكومة السّوريّة والقوّات السّوريّة الكرديّة؛ والاشتباكات المحتملة مع الولايات المتّحدة التي تقوم إلى جانب روسيا بتنسيق عمليّات عسكريّة مع حزب الاتّحاد الدّيمقراطي ووحدات حماية الشّعب.
يشرح قدري غورسيل أنّه على الرّغم من استعراضات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، قد يعارض الجيش التركي فكرة إرسال قوّاته إلى سوريا. وقد أشار أردوغان بشكل غير مباشر إلى أنّ التّدخّل العسكري قد يشكّل وسيلة لمعالجة التقوّض في سياسة تركيا الخاصّة بسوريا، قائلاً، "لا نريد اقتراف الخطأ عينه في سوريا كما في العراق"، مشيرًا بذلك إلى رفض البرلمان التّركي السّماح للحكومة بإرسال قوّات عسكريّة إلى العراق في العام 2003.
وشرح غورسيل، "بعد أن حشر أردوغان نفسه في سوريا، يريد مجدّدًا استعمال القوّة للتّحرّر. والقوّة الوحيدة الموجودة تحت تصرّفه هي القوّات المسلّحة التّركيّة التي تبدو متردّدة في أن يجري استغلالها لهذا الغرض. باختصار، إنّ المقاومة التي تبديها القوّات المسلّحة التّركيّة في وجه أردوغان هي الدّعامة الوحيدة التي تملكها تركيا حاليًا لتفادي أيّ مغامرة من شأنها أن تجرّ البلاد إلى كارثة".
وفي السّياق عينه، لا يمكن إلّا أن نثني على ضبط النّفس الذي يمارسه الدّبلوماسيّون الأميركيّون في التّعامل مع مقاربة تركيا التي تعرقل على نحو متزايد السّياسة الخاصّة بسوريا، مع أنّه قد يحين قريبًا الوقت الذي قد يضطرّ فيه صانعو السّياسة الأميركيّون إلى الإقرار بأنّ دور تركيا ينحرف عن الجهود الرّامية إلى إنهاء الحرب في سوريا. وقد عيّر أردوغان الولايات المتّحدة في 10 شباط/فبراير قائلاً إنّ واشنطن مسؤولة عن "بحر من الدّماء" بسبب دعمها لحزب الاتّحاد الدّيمقراطي، وسأل، "هل أنتم معنا أم مع هذا التّنظيم الإرهابي؟" ثمّ انتقد أردوغان قيام بريت ماكغورك، المبعوث الخاصّ الأميركي إلى التّحالف الدّولي ضدّ داعش، بزيارة كوباني ولقاء مسؤولين في حزب الاتّحاد الدّيمقراطي. "كيف يمكننا أن نثق بكم [الولايات المتّحدة]؟ هل أنا شريككم؟ أم إرهابيّو كوباني؟" وقد أدّى ذلك إلى ما وصفه جنكيز كاندار بأنّه "أحد أقوى الرّدود الفجّة التي وجّهتها يومًا السّلطات الأميركيّة لرئيس تركي" عندما قال جون كيربي، المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، "نحن لا نراهم تنظيمًا إرهابيًا وسنواصل دعمنا لهم".
أمّا في يتعلّق بالسّعوديّة، فإنّ تعزيز التزامها بهزيمة تنظيم الدّولة الإسلاميّة لا يخلو من العقبات. ففي حديثه في مؤتمر ميونيخ الأمني يوم 12 شباط/فبراير، أكّد الجبير مجدّدًا أنّ السّعوديّة تعتقد أنّ هزيمة تنظيم الدّولة الإسلاميّة مرتبطة مباشرة بإبعاد الرّئيس السّوري بشار الأسد. وقال الجبير إنّ الأسد هو "عامل الجذب الوحيد والأكثر خطورة للمتطرّفين والإرهابيّين" في الشّرق الأوسط وإنّ الإطاحة به هي "هدفنا وسنحقّق هذا الهدف".
لا بدّ إذًا من أن يشكّل تصريح الجبير تحذيرًا من عواقب أيّ تدخّل عسكريّ سعوديّ محتمل في سوريا. وإنّ تأكيده على الصّلة بين الأسد وتنظيم الدّولة الإسلاميّة يبدو، إذا أردنا استعمال تعبير لائق، غير ملائم، ولا يتماشى مع تقييم أجهزة الاستخبارات الأميركيّة الذي يفيد بأنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة هو "التّهديد الإرهابي الأكبر" في العالم. هل يشكّل الأسد "عامل الجذب الوحيد والأكثر خطورة" لاحتلال الأراضي العراقيّة من قبل تنظيم الدّولة الإسلاميّة؟ أم إنّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الشّيعي، هو أيضًا "عامل جذب" لمقاتلي تنظيم الدّولة الإسلاميّة؟ هل يشكّل الأسد "عامل الجذب" لتوسّع تنظيم الدّولة الإسلاميّة في ليبيا، أو لتهديد هذه الجماعة بشنّ عمليّات إرهابيّة إضافيّة في الغرب؟ وما الذي يمنع الحكومة العلمانيّة غير الطّائفيّة التي ستحلّ محلّ حكومة الأسد من أن تشكّل أيضًا "عامل جذب" لتنظيم الدّولة الإسلاميّة؟
في 12 شباط/فبراير، وجّه وزير الخارجيّة الرّوسي سيرغي لافروف أصابع الاتّهام إلى "جيش الإسلام"، المدعوم من السّعوديّة، في دفاعه عن الدّعم الرّوسي للعمليّات العسكريّة السّوريّة في حلب: "قائد جيش الإسلام الذي جرت تصفيته، [زهران] علوش، أدلى بتصريحات واضحة جدًا حول أيديولوجيّة حركته. ... فقد قال إنّه يجب تطهير بلاد الشام بأكملها من الأوساخ، كما قال – قاصدًا بذلك العلويّين مباشرة، الذين، وفق قوله، هم خونة حتّى أكثر من المسيحيّين واليهود. وقال إنّ إخوته هم مقاتلو جبهة النصرة الذين يقاتل إلى جانبهم ضدّ الأعداء المشتركين. إذًا هؤلاء هم المحيطون حاليًا بحلب، على الأقلّ من الجهة الغربيّة. ومن الجهة الشّرقيّة، وبمساعدتنا، حرّرت القوّات الحكوميّة بالفعل هذه المدينة، ووفقًا لمعلوماتنا، إنّ الذين يفرّون حاليًا من هذه المنطقة هم المقاتلون الذين لا يريدون إلا الهرب. ويجب ألا ننسى أنّ كلّ المتواجدين حاليًا حول حلب، أي جبهة النّصرة، وأحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهم من المجموعات الأكثر اعتدالاً، يحصلون على الإمدادات باستعمال الطّريق عينه من مكان واحد في الأراضي التّركيّة. إذًا يجب أخذ هذا العامل أيضًا في عين الاعتبار، بما أنّ قرار مجلس أمن الأمم المتّحدة الذي جرى اعتماده قبل القرار 2254 يحظر إرسال أيّ إمدادات لدعم المجموعات الإرهابيّة".
وربّما قدّم علي معموري الشّهر الماضي في المونيتور التقييم الأشمل حول أيديولوجيّة علوش المليئة بالكراهية.
وتجدر الإشارة إلى أنّ التّركيز المتزايد على التّهديد الذي تطرحه جبهة النّصرة كان من النتائج الإيجابيّة لمداولات مجموعة الدّعم الدّوليّة لسوريا الأسبوع الماضي. فضلاً عن ذلك، إنّ تقييم أجهزة الاستخبارات الأميركيّة بأنّ "فروع تنظيم القاعدة أثبتت مرونتها وهي في موقع يخوّلها تحقيق مكاسب في العام 2016" يجب أن يشكّل حافزًا للمزيد من التّنسيق العسكري مع روسيا ضدّ جبهة النّصرة. يفيد أسعد حنا عن إنشاء محاكم شرعيّة في إدلب ومناطق أخرى خارج سيطرة الحكومة السّوريّة. وقد حذّر هذا العمود لأكثر من عامين من مغبّة دمج المجموعات الجهاديّة المتطرّفة في سوريا تحت إطار المعارضة السوريّة المعتدلة. وإنّ الدّخول في أيّ شكل من أشكال العلاقات مع تنظيم القاعدة يجب أن يكون أمرًا يتعذّر تبريره، حتّى لو لم تكن العلاقة مباشرة مع التنظيم بذاته.
كتب فيتالي نومكين إنّ "الكرملين لا يعتقد بأنّ الحملة النّاجحة ضدّ تنظيم الدّولة الإسلاميّة – أو أيّ مجموعة إرهابيّة أخرى في سوريا – أو وقف إطلاق النّار ممكنان بدون إغلاق الحدود السّوريّة التّركيّة. يدخل دفق من الجهاديّين الأجانب، والأسلحة والبضائع إلى سوريا، فيما يسافر النّفط المهرَّب في الاتّجاه المعاكس. ... لا ترى روسيا أيّ سبب يمنعها من استهداف مواقع جبهة النّصرة، التي تشكّل جزءًا من تنظيم القاعدة والتي تتخّذ واجهة لها التحالف مع الذين يمكن وصف نظرتهم الأيديولوجيّة بالمعتدلة. جبهة النّصرة، تمامًا كداعش، هي من بين الأهداف الأساسيّة للقوة الجوّيّة الرّوسيّة. في الوقت عينه، تؤكّد موسكو أنّها مستعدّة للتوصّل إلى اتّفاق مع مجموعات المعارضة المعتدلة، لكن ما زال بينها وبين شركاء مجموعة الدّعم الدّولي لسوريا الغربيّين والإقليميّين خلافات حول من يمكن ولا يمكن تصنيفه كإرهابي".
ومن التوجّهات التي يجب مراقبتها هي العزلة المتزايدة للسّعوديّة وتركيا في الجهود الأميركيّة والرّوسيّة الرّامية إلى إنهاء الحرب في سوريا. أفاد جاي سولومون في صحيفة وول ستريت جورنال هذا الأسبوع بأنّ إسرائيل، والإمارات العربيّة المتّحدة، ومصر والأردن تجري كلّها اتّصالات منتظمة مع روسيا بشأن عمليّاتها العسكريّة في سوريا. وهذا لا يعني أنّ هذه الدّول "تدعم بالكامل" جميع أهداف روسيا وغاياتها، إنّما هي علامة أخرى على أنّ السّعوديّة وتركيا تنحرفان ربّما عن الهدف الهشّ والأوّلي بإنهاء الحرب.