اسطنبول - بعد خمس سنوات على بدء الثورة السورية تنوعت الايديولوجيات التي تحكم الارضي السورية ما بين مناطق خاضعة للنظام السوري، ومناطق خاضعة لحكم الجيش الحر، ومناطق خاضعة لحكم التنظيمات المتطرفة التي اوجدت ما يدعى بالماكم الشرعية لتحكم وفق ما تستخلصه من الدين الاسلامي لجل المشاكل اليومية في ظل غياب وجود هيئات قضائية قادرة على ذلك.
وبعد خروج مناطق واسعة عن سيطرة النّظام، مثل أجزاء واسعة من مدينة حلب - شمال سوريا في نهاية عام 2013 ومدينة إدلب في آذار/مارس من عام 2015 - شمال غرب سوريا، لتحكمها قوّات معارضة مختلفة التوجّهات، بعضها يسعى لدولة مدنية مثل الجيش الحر والبعض يريد دولة اسلامية مثل جبهة النصرة. وكان العامل الأكبر، الّذي يعاني منه المدنيّون في تلك المناطق غياب الخدمات عن المنطقة لما يقوم به نظام بشار الأسد من حصار وقطع كلّ الخدمات عن مناطق المعارضة مثل القضاء والاسعاف وكافة الخدمات التي تقدمها الحكومة، في محاولة منه لتصبح مناطق بدائيّة والضغط على المواطنين هناك في سبيل عودتهم الى حضن النّظام. ومن أبرز المشاكل الّتي واجهها المدنيّون في تلك المناطق مشكلة المحاسبة والعقاب، فبعد خروج النّظام من مدينة إدلب تعطّل في المدينة الجهاز القضائيّ من قبل فصائل من الجيش الحر وجبهة النصرة. وفي هذا الإطار، قال أحمد السليمان وهو موظف سابق في بلدية مدينة إدلب وبائع كهربائيات حالياً لـ"المونيتور" عبر "سكايب": "من أكبر المشاكل الّتي تعرّضنا لها في مدينة إدلب تعطّل الجهاز القضائيّ، ففي السابق لم يكن هناك حكم للشريعة لكن بعد خروج النظام تم فرض حكم الشريعة من قبل جبهة النصرة، ورغم عدم فعاليّة الجهاز القضائيّ سابقاً لانتشار الفساد فيه والمحسوبيّات، إلاّ أنّه كان يمثّل رادعاً لإرتكاب المخالفات وضابطاً للأمن إلى حدّ ما".
لم تكن هذه المحاكم موجودة في سوريا من قبل حتّى ضمن مناطقها العشائريّة مثل تدمر التي سقطت تحت سيطرة تنظيم داعش والبادية السورية، الّتي كان ومازال يستخدم في بعضها الحكم العشائريّ في أغلب الأحيان، وهو الحكم الّذي يعتمد على العرف والتّقاليد، مثلما كان يحصل في بعض مناطق البادية السوريّة في تدمر - شرق مدينة حمص.
وعن أسباب ظهور محاكم كهذه، تحدّث الناشط الحقوقيّ السوريّ إياس قعدوني من بلجيكا هاتفيّاً مع "المونيتور"، وقال: "نشأت هذه المحاكم بسبب ظهور تنظيمات إسلاميّة تحكم سيطرتها على بعض المناطق الخارجة عن سيطرة النّظام، والمعروف عن هذه التّنظيمات أنّها ترفض القانون الوضعيّ وتعتمد الشريعة مرجعاً وحيداً للقضاء، إلاّ أنّها حال موقّتة في شكلها الحاليّ، وهي تحصيل حاصل فقط، لأنّها لا تلبّي متطلّبات الشعب السوريّ المدنيّ الديموقراطيّ. وكذلك، أثبت مشروع المحاكم الشرعيّة فشله بسبب تعدّد المحاكم ومرجعيّاتها، إذ لكلّ فصيل منها محكمته الخاصّة الّتي لا تتطابق أحكامها مع بقيّة المحاكم كون كلّ منها تتبع لتفاسير ومرجعيّة معيّنة".
وكثيراً ما كانت تتمّ محاكمات تعسفيّة أو جائرة وإنتقاميّة بحقّ بعض الأشخاص، وقال ابن عم أحمد السليمان، عبّود السليمان، من مدينة اسطنبول التركيّة خلال لقائه عبر الهاتف مع "المونيتور": "خضع ابني إلى محاكمة من المحكمة الشرعيّة لجبهة النّصرة كونه كان يقاتل مع حركة حزم التّابعة للجيش الحرّ، وكانت التّهمة هذه كفيلة بأن توصله إلى الإعدام. ولولا أنّنا استطعنا إخراجه عن طريق بعض المعارف ليسافر بعدها خارج البلاد لكان الآن في عداد الموتى".
وكانت قد نشبت معارك سابقة بين جبهة النّصرة وحركة حزم التّابعة للجيش السوريّ الحرّ في نهاية كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 في الشمال السوريّ بحلب وإدلب كانت نتيجتها انهيار حركة حزم وسيطرة النّصرة على كلّ مقرّاتها وملاحقة عناصرها.
ومن وجهة النّظر القانونيّة، في ما إذا كانت هذه المحاكم تحقّق العدل بالحدّ الأدنى أم لا، قال المحامي أنور الأحمد، الّذي التقاه "المونيتور" في تركيا: "في ما يتعلّق بالمحاكم الشرعيّة في الداخل السوريّ فهي أبعد ما يمكن عن العدالة، وذلك بسبب اعتماد العديد من الهيئات الشرعيّة على أناس في الغالب غير مؤهّلين أكاديميّاً لا في مجال الفقه الإسلاميّ ولا في المجال القانونيّ الحقوقيّ. كذلك، اختلاف الفتاوى والأحكام في كلّ محكمة حسب المذهب الّذي تتّبعه أو الفقيه المعتمد كمرجع لتطبيق الأحكام الشرعيّة. وفي أغلب الأحيان، يتمّ تطبيق حدود الشريعة الّتي يفترض أن ترفع ولا تطبّق في حالات الفقر والعوز، كالّتي تمرّ بها سوريا حاليّاً، فمثلاً في حال كانت السرقة بسبب الفقر يجب ألاّ تتمّ معاقبته، لكنّ المحاكم الشرعيّة تطبّق في الغالب قطع اليدّ أو تطبّق حدّ الجلد على الزاني من دون استكمال الشروط الشرعيّة في عدد الشهود أو الرؤية الكاملة. ومع غياب دولة القانون ولجوء الناس إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلاميّة، غابت العدالة كون التّطبيق اصبح بيدّ من يملك السلاح، وفق رؤيته الشرعيّة، حسب ما يتبع من مذهب وتفاسير من دون اعتبار لتغيّر المكان والزمان وحال الفقر والعوز الّتي يعيشها معظم أبناء الشعب السوريّ في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل العسكريّة واستخدام الشريعة في بعض الأحيان لتحقيق رغبات بعض العسكريّين في استخدام نفوذهم".
كما قامت المحكمة الشرعية التابعة لجبهة النصرة في ادلب في كانون الثاني 2015 باعدام امرأة بتهمة الزنى دون ان توضح اين هو الرجل او ان تقوم باعدامه مع المرأة مما يدل على خطأ شرعي ما بحيث لم يتم اظهار الطرف الاخر بالزنى ولم يتم اكمال الشروط الشرعية من الرؤية بالعين المجردة.
لقد أجمع السوريّون ألاّ مكان لتصرّفات أو نشاطات كهذه على الأرض السوريّة، فسوريا لم تعرف التشدّد يوماً ولن تسمح للإرهاب بأن ينمو على أرضها، إنّها مرحلة تمرّ بالبلاد بسبب سطوة السلاح والعنف المتزايد، لكنّ بعد سقوط النّظام والبدء ببناء الدولة سينتهي كلّ ذلك.