يشكّل قرار اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط (الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) الذي اتُخذ على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في 12 شباط/فبراير معلماً بارزاً لجهود المجتمع الدولي لإنعاش حلّ الدولتين في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وقد قرّرت اللجنة صياغة تقرير يحدّد العقبات الراهنة التي تمنع تجديد محادثات عملية السلام والتوصيات لإعادة إطلاق المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية.
أمّا القوة الدافعة لقرار اللجنة الرباعية، فكانت مسؤولة السياسات الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي فريديريكا موغريني. وقال مسؤول مقرّب من موغريني للمونيتور من دون ذكر إسمه إنّه ثمة توافق داخل الاتحاد الأوروبي أنّه في غياب أفق سياسي، ثمة خطر أن يتدهور وضع السلطة الفلسطينية ويؤدي إلى انتفاضة مسلّحة وحتى إلى استقالة الرئيس محمود عبّاس. وتعتبر موغريني أنّه، وعلى غرار الصفقة الإيرانية، من المهمّ تحقيق توافق دولي بين القوى الأساسية من أجل حلّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. بالتالي، قد تصبح اللجنة الرباعية آلية لتجاوز مجلس الأمن والمبادرات الفردية للدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
ووفق المسؤول نفسه، ستحضّر وفود اللجنة الرباعية في المنطقة التقرير وسترفعه إلى وزراء الخارجية كي يتّخذوا قراراً حول كيفية المتابعة. وسيشمل التقرير تحليلاً مشتركاً عن العقبات الراهنة التي تعرقل عملية السلام وستتطرّق بالتفصيل إلى توسيع المستوطنات واستحواذ الأراضي والتحريض على العنف في ما يتعلّق بالهجمات الإرهابية الفلسطينية المتفرّقة في الأشهر الثلاثة الماضية وبعنف المستوطنين الإسرائيليين ضدّ المدنيين الفلسطينيين.
وقال مسؤول الاتحاد الأوروبي إنّ اللجنة الرباعية لا تنوي أن تلوم أيّ طرف ولكنّها ترمي إلى تحليل الوضع بطريقة متّزنة لخلق بيئة أفضل لتجديد عملية حلّ الدولتين.
أمّا صيغة تجديد المفاوضات، فسيتفاوض حولها وزراء الخارجية في اللجنة الرباعية بحسب التوصيات في التقرير. ووفق المسؤول، موغريني ستتشاور قبل صياغة التقرير مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعباس ومع رؤساء مصر والأردن والسعودية. ويعتبر الاتحاد الأوروبي مبادرة السلام العربية لعام 2002 حجر أساس صالح للمفاوضات المستقبلية ولكنه أيضاً يعترف بالحاجة إلى تبادل أراضٍ متبادل عند حدود 1967 وإلى ترتيبات أمنية لإرضاء مصالح الإسرائيليين في إطار حلّ الدولتين.
في حين تمّ التوصل إلى القرار بشأن التقرير بالتوافق، ثمة تنوّع في الآراء في اللجنة الرباعية حول نوع البرنامج السياسي الذي يجب اتّباعه في المفاوضات المستقبلية.
قال مسؤول أعلى في وزارة الخارجية الأمريكية للمونيتور من دون الكشف عن إسمه إنّ وزير الخارجية الأمريكية جون كيري يدعم تقرير اللجنة الرباعية ويؤيّده. وفي ضوء النقد الأوروبي اللاذع لسياسات نتنياهو الاستيطانية، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تحقيق توازن في التقرير في ما تعتبره نقد مفرط لإسرائيل من الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة. بنظر الولايات المتحدة، لا يمكن لمبادرة السلام العربية أن تكون أساس المفاوضات المستقبلية لأنها لا تركّز بما فيه الكفاية على ترتيبات الأمن ومكافحة الإرهاب الملائمة ضمن اتفاق دائم. ووفق المسؤول الذي يزور المنطقة بشكل متكرّر، إدارة أوباما مهتمّة بوضع برنامج سياسات لحلّ الدولتين لمرحلة ما بعد أوباما. وستقوم بذلك في إطار اللجنة الرباعية ولكن أيضاً على شكل إرشادات توجيهية في السياسة الأمريكية لحلّ الدولتين. وتُدرس صيَغ مختلفة لهذه التوجيهات، بما في ذلك احتمال إلقاء خطاب رئاسي مهمّ حول السياسات.
إنّ قرار اللجنة الرباعية بارز على المدى القصير والبعيد. وفي المستقبل القريب، قد يمنح هذا القرار الرئيس عبّاس أفقاً سياسياً. أمّا إسرائيل، فقد تطلق نقاشاً سياسياً حول قيمة توصيات اللجنة الرباعية. على المدى البعيد، تُعتبر الآلية أهمّ من التوصيات المحدّدة. وقد يكون هذا بداية عملية حلّ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني من خلال توافق دولي وليس توافق يقتصر على الولايات المتحدة فقط كالسابق. في جميع الأحوال، يمكن تحقيق نهج جديد لعملية حلّ الدولتين بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبعد أن تنفذ جميع البدائل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية.