أصبح السفير السعودي في بغداد، ثامر السبهان، الذي أعلنت المملكة العربية السعودية في الثاني من حزيران / يونيو 2015، أكثر سفير معروف في العراق، وراح العراقيين يتحدثون عنه وبه لأيام عديدة، على العكس من سفراء آخرين، لم يعرفهم العراقيين بهذا الشكل الكبير، كل هذا بسبب تصريحات عن الحشد الشعبي إعتبرها نائب عن إئتلاف دولة القانون، "مهدد للسلم الأهلي، بينما كتلة سُنية أخرى، إعتبرتها "طبيعية".
في 23 كانون الثاني/يناير من عام 2016، أجرى السفير السعوديّ في بغداد ثامر السبهان اللقاء التلفزيونيّ الأوّل، بعد بدء مهام عمله في العراق في 31 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015، بيد أنّ ما قاله في هذا اللّقاء أثار موجة من الاستنكار في الأوساط الشعبيّة والسياسيّة العراقيّة، ممّا دفع ببعض الكتل السياسيّة إلى المطالبة بطرده من العراق.
وقال، السفير السعودي في الرابع والعشرين من كانون الثاني / يناير 2016 في لقاء تلفزيوني: إن "رفض الكرد ومحافظة الأنبار دخول قوات الحشد الشعبي إلى مناطقهم، يبين عدم مقبولية الحشد الشعبي من قبل المجتمع العراقي". ووجه السهبان سؤالاً إلى الحكومة العراقية: "هل تقبلون بوجود حشد سني كالحشد الشعبي الشيعي في المناطق الشيعية وبنفس التسليح، ولماذا يوضع السلاح بيد الحشد الشعبي فقط؟".
واتهم السبهان ايران بـ"التدخل في الشؤون العراقية الداخلية بشكل واضح وانشاء مليشيات مسلحة"، كما شدد على ضرورة "ايجاد حل جذري للبيئة التي ساهمت بظهور داعش والارهاب".
وأضاف أن: "الجماعات التي تسببت بالاحداث التي شهدها قضاء المقدادية لا تختلف عن داعش، وهنا أتساءل أين دور الحشد الشعبي مما جرى في المقدادية".
وبشأن مطالبة وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد ال خليفة بحل الحشد الشعبي، أكد السبهان أن: "من يستمع لخطب الجمعة لسماحة السيد السيستاني وتصريحات السيد مقتدى الصدر يستشعر خطر المرجعيات الدينية الشيعية من ذلك".
وفي الواقع، إنّ الإنقسام العراقيّ بشأن إعادة فتح السفارة السعوديّة في بغداد، بعد أن قطعت المملكة العربية علاقاتها الدبلوماسية مع العراق، بسبب دخول العراق للكويت عام 1990، لم يكن جديداً، فقبل أن يبدأ ثامر السبهان مهام عمله، كان هناك تحفّظ، من قبل بعض الأطراف السياسيّة، وترحيب من أطراف سياسيّة أخرى، إلاّ أنّ تصريحاته قدّمت مادّة جديدة للصراع السياسيّ الداخليّ، ممّا استدعى تدخّل وزارة الخارجيّة العراقيّة، فأصدر النّاطق الرسميّ باسمها أحمد جمال بياناً صحافيّاً في الرابع والعشرين من كانون الثاني / يناير الماضي نشر في الموقع الرسميّ للوزارة، جاء فيه أنّه جرى استدعاء السفير السعوديّ في بغداد بعد يوم من تصريحاته.
وقال أحمد جمال في البيان: إن "السفير السعوديّ ثامر السبهان، تعرّض لتشكيلات الحشد الشعبيّ الّتي تقاتل الإرهاب وتدافع عن سيادة البلد وتعمل تحت مظلّة الدولة وبقيادة القائد العام للقوّات المسلّحة وتمتلك تمثيلاً برلمانيّاً يجعلها جزءاً من النظام السياسيّ العراقي، إضافة إلى إبداء السبهان رأيه للإعلام بما يتعلّق بطبيعة المواقف السياسيّة لبعض مكوّنات الشعب العراقيّ، يعدّان خروجاً عن دور السفير، وتجاوزاً غير مسموح به للأعراف الديبلوماسيّة".
وصدر بيان آخر عن الخارجيّة العراقيّة في 24 كانون الثاني/يناير من عام 2016 بعد لقاء وزير الخارجيّة العراقيّ إبراهيم الجعفري مع نظيره السعوديّ عادل الجبير، قال الأخير فيه: "هذه التّصريحات - في إشارة إلى تصريحات السفير السعوديّ في العراق - لا تعبّر عن الموقف الرسميّ للمملكة العربيّة السعوديّة تجاه العراق".
وتكاثرت المواقف المتناقضة تبعاً للهويّة السياسيّة لأصحابها، فقد انتقد إتّحاد القوى الوطنيّة، الّذي يتزعّمه نائب رئيس الجمهوريّة السابق أسامة النجيفي، ردّ وزارة الخارجيّة العراقيّة على السبهان، ووصفه بـ"المزاجيّ"، في حين عبّر النائب عن إئتلاف دولة القانون خالد الأسدي عن امتعاضه من تصريحات السبهان، وقال لـ"المونيتور": "ثامر السبهان تجاوز الأعراف الديبلوماسيّة والمهامّ الّتي يجب ألاّ يتعدّاها، وراح يتدخّل في الشأن العراقيّ ويتحدّث عن الحشد الشعبيّ الّذي يقاتل التّنظيمات الإرهابيّة الّتي عجزت عن مقاتلتها دول كبرى تمتلك المال والجيوش".
أضاف الأسدي، وهو عضو في الحزب الّذي يرأسه رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي: "العراق يمرّ في ظروف صعبة تحتّم على الجميع مساندته وليس شقّ صفوفه والنيل من الإنتصارات المتحقّقة ضدّ الإرهاب. لذا، لا يمكن أن نقبل بتصريحات السبهان، وعدم الإكتفاء بتسليمه ورقة إحتجاج، لأنّ ذلك ليس من مصلحة البلدين. ولن نسكت مرّة أخرى، في حال تم تكرار مثل هذه التصريحات".
وبعد موجة الاستنكارات ضدّ تصريحاته، أشار السبهان في الخامس والعشرين من كانون الأول / يناير 2015، إلى أنّ: "تصريحاته حوّرت، وأنّه لم يقصد التدخّل بالشأن الداخليّ لأيّ دولة، وأنّ السعوديّة لا تقبل بأيّ سلاح خارج شرعيّة الدولة، سنيّاً كان أم شيعيّاً".
كما قال، السفير السعودي في ذات اللقاء التلفزيوني: "انني لمست غضبا من قبل جميع من قابلتهم من السياسيين والإخوة السنة في العراق على المملكة العربية السعودية"، وقالوا لي: "انتم غبتم عنا وجعلتمونا نواجه مصيرنا لوحدنا".
وتساءل السبهان "لماذا يوجد غضب سني علينا اذا كان هناك تدخل من قبل السعودية في شؤون العراق الداخلية، وأن المملكة لا تدعم مكونا على حساب اخر، وهي دائما مع الحكومات وليس الاشخاص او الطوائف".
وبين السفير السعودي أن "خادم الحرمين الشريفين وجهني خلال لقائي به بان انظر للعراق والعراقيين بعين واحدة وقلب واحد وعقل واحد، لأن العراق يحتاج الى مساعدة اشقائه، لكن في نفس الوقت يجب ان يكون الحل عراقيا داخليا".
من جهتها، قالت النائبة عن إتّحاد القوى الوطنيّة، لقاء وردي، في لقاء مع "المونيتور": "تصريحات السفير السعوديّ قرئت بحسب سياسات الكتل السياسية، فهناك من اعترض عليها لأنّها خالفت سياسته، والآخر رآها طبيعيّة من خلال القراءة الّتي يمتلكها للواقع العراقيّ".
أضافت: "العراق والسعوديّة في حاجة إلى تصريحات من مسؤولي البلدين تكون بمثابة نقطة انطلاق جديدة للعلاقات بينهما، فهما لا يريدان أن تكون هناك أزمات سياسيّة جديدة، ونحن في إتّحاد القوى العراقيّة، نرحّب ونرغب في أن تكون علاقة العراق مع جارته السعوديّة إيجابيّة".
وألمح رئيس الحكومة العراقيّة حيدر العبادي في كلمته في 24 كانون الثاني/يناير من عام 2016، خلال افتتاح مؤتمر إتّحاد البرلمانات الإسلاميّة في بغداد، إلى تصريحات السبهان قائلاً: "نرحّب بجميع الضيوف في العراق، وعلى الجميع إحترام سيادة العراق وعدم التّحريض على القتل".
ومن جهتها، قالت عضو لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس النوّاب العراقيّ سميرة الموسوي في حديثها لـ"المونيتور": "السفير السعوديّ في بغداد غير مؤهّل ليكون سفيراً على رأس بعثة ديبلوماسيّة، وإنّما عمله أمنيّ، وما تحدّث به كان تدخّلاً واضحاً في الشأن العراقيّ".
أضافت: "كنت أتوقّع أن تطلب وزارة الخارجيّة العراقيّة من نظيرتها السعوديّة تغيير سفيرها الّذي عيّنته أخيراً في بغداد، بشخصيّة أكثر ديبلوماسيّة وأكثر قراءة للواقع العراقيّ، لكنّ هذا لم يحصل، واكتفت الوزارة باستدعاء السفير وتبليغه ورقة إحتجاج فقط".
ولم تقتصر الإنقسامات في شأن تصريحات السبهان بين الطبقة السياسيّة فحسب، بل وصلت إلى الشارع العراقيّ، الّذي انقسم بين مؤيّد ورافض لتصريحاته، بل ورافض لوجوده في العراق، إذ أطلقت في الثالث من كانون الثاني / يناير عبر مواقع التّواصل الإجتماعيّ حملة لـ"طرد" السبهان من بغداد، من قبل حسابات غير مُحددة الهوية، قبل تصريحاته الّتي قال فيها: "عدم وجود مقبوليّة للحشد الشعبيّ من قبل الكرد، وسكّان محافظة الأنبار، الّذين رفضوا دخوله لمحافظاتهم".
بدوره، قال مدير بيت الإعلاميّ العراقيّ مشرق عبّاس لـ"المونيتور": "الإختلاف العراقيّ ليس اختلافاً بشأن السفير، وإنّما هو اختلاف عميق يتناول العلاقات الخارجيّة ومبدأ إدارة البلد. والخلاف على المبدأ يسهّل عمليّة إيجاد أيّ خلاف آخر، لأنّنا لم نلمس أيّ إتّفاق عراقيّ على أيّ شيء طيلة السنوات العشر الماضية".
أضاف: "العراق لديه مشكلة في العلاقات الخارجيّة، لأنّه يفتقد إلى الإتّفاق الداخليّ بشأن توحيد الرؤى تجاه المواقف، وعندما يتمكّن العراقيّون من إيجاد آليّة لتوصيف الوضع داخليّاً، عندها سيقف الجميع ضدّ أيّ توصيف خارجيّ يخالف التّوصيف الّذي اتّفقوا عليه".
هذا واستثمر إتحاد القوى الوطنية، الهجوم الإعلاميّ على السبهان بعد تصريحاته الأخيرة، وخاطبت النائبة عنه لقاء وردي الكتل المنتقدة له بالقول: "نستغرب الهجوم على السفير السعوديّ، فأين كنتم من التصريحات الإستفزازيّة المتكرّرة للمسؤولين الإيرانيّين، ضدّ العراق".
ثمّة توقّع على أنّ الحرب الإعلاميّة بين المؤيّدين لفتح السفارة السعوديّة في بغداد وبين الرافضين لها، لن تنتهي، ممّا سيخلق صراعاً سياسيّاً جديداً في العراق، قد يتطوّر إلى خلافات تمسّ بالملفّات الداخليّة، غير المتّفق عليها بعد.