مدينة غزّة، قطاع غزّة - يبدو أنّ الجامعة الإسلاميّة، والتي تعتبر من أكبر جامعات قطاع غزّة وأعرقها، لم تصمد طويلاً أمام الأزمة الماليّة التي تعصف بها منذ نحو عامين ونصف. فقد بدأت نتائج تلك الأزمة تظهر إلى السطح جليّاً بعد إغلاقها الذي استمرّ ثلاثة أيّام في 13 كانون الثاني/يناير إثر خلافات حول حقوق العاملين في الجامعة نشبت بين إدارتها ونقابة العاملين فيها، أدّت في نهاية المطاف إلى استقالة النقابة.
فالجامعة التي تأسّست في عام 1978 كأولى جامعات قطاع غزّة، باتت تعاني من أزمة ماليّة خانقة، انعكست في شكل سلبيّ على أوضاع موظّفيها، بعد اتّخاذ إدارتها منذ نحو عامين ونصف، وتحديدا في منتصف العام 2014، قراراً بخصم نحو أربعين في المئة من رواتبهم.
ودفعت الخصومات الماليّة الكبيرة تلك، الموظّفين في الجامعة إلى التوجّه إلى بعض الجمعيّات الخيريّة لطلب المساعدات. وقال الأستاذ في قسم التاريخ في الجامعة الإسلاميّة الدكتور رياض شاهين، والذي يعمل أيضاً رئيساً لجمعية الرياض الخيريّة في مدينة غزّة إنّ بعض موظّفي الجامعة تقدّموا إلى جمعيّته بطلبات للحصول على بعض المساعدات لإعانتهم.
وأوضح لـ"المونيتور": "لأنّ الرواتب لم تعد كافية للإنفاق على عائلاتهم بعد اتّخاذ الجامعة إجراء خصم ما قيمته 40% من قيمة رواتبهم، وبعض هؤلاء الموظّفين قد حصلوا على قروض مصرفيّة، وبالتالي فإنّ الرواتب صغيرة ولا تفي بطلباتهم. ومع طول المدّة الزمنيّة لاستلامهم رواتبهم المخفّضة، انكشف الوضع الماليّ لهؤلاء الموظّفين وأصبحوا يتوجّهون إلى الجمعيّات الخيريّة، وقمنا بتقديم المساعدات إليهم".
وبيّن شاهين أنّ بعض الموظّفين وبعد الخصوم الكبيرة على رواتبهم من الجامعة، بالإضافة إلى خصم أقساط القروض البنكية، وصلت رواتبهم الشهرية إلى أقلّ من مئتي دولار، بعدما كان متوسطها نحو ألف دولار، واضطرّوا إلى بيع بيوتهم أو سيّاراتهم.
جاءت الأزمة الماليّة التي تهدّد أكبر صرح للتعليم العالي في قطاع غزّة، نتيجة عوامل عدّة تراكمت خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وفق الرئيس السابق لنقابة العاملين المسئولة عن رعاية ومتابعة مصالح الموظفين داخل الجامعة، والأستاذ الأدب والنقد في الجامعة الدكتور كمال غنيم.
وأشار غنيم لـ"المونيتور" إلى أنّه من أبرز الأسباب التي عمّقت الأزمة الماليّة عدم رفع الجامعة الرسوم الدراسيّة خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة بسبب الظروف الاقتصاديّة التي يعاني منها سكّان القطاع. وتابع قائلاً: "إضافة إلى ذلك، فإنّه نتيجة للانقسام الفلسطينيّ الداخليّ، حرمت الجامعة على مدار سنوات من أخذ مستحقّاتها، شأنها شأن الجامعات الأخرى من وزارة التربية والتعليم العالي في رام الله، وهذه المستحقّات تقدّر بما يقارب العشرين مليون دولار".
ويرى غنيم أنّ ميل الجامعة إلى رفض عدد من المقترحات التي كانت نقابة العاملين تقترحها للخروج من الأزمة الماليّة، على حساب تنفيذ مقترحاتها التي تؤثّر على مصلحة الموظّفين وتنتقص من حقوقهم كالخصومات المستمرة من الرواتب، كالخصوم المرتفعة التي تحاول الجامعة اعتمادها في شكل نهائيّ وخفض الكادر الوظيفيّ، يعتبر سبباً إضافيّاً في استمرار الأزمة وتفاقمها، قائلاً: "اقترحنا فتح باب التنسيق للتخصّصات لتخفيض نسبة القبول فيها بما يضمن انتساب عدد كبير من الطلبة إلى الجامعة، إضافة إلى افتتاح مشاريع كالتعليم الموازي وبرامج الماجستير ومشاريع أوقاف كالمكتبات ومحلّات تجاريّة حول سور الجامعة وأبراج سكنيّة تنفق منها الجامعة على الطلبة غير القادرين على الدفع، إضافة إلى عدد من الأفكار التي تضمن استمرار تدفّق السيولة الماليّة وضمان استمراريّة التعليم، حتّى لا يبقى تحت رحمة المنح من المؤسسات العربية والدولية المانحة، لكنّها لم تطبّق لعدم قبول الإدارة بها".
من جانبها، تستمرّ إدارة الجامعة التي يصل عدد موظّفيها إلى الأربعمائة موظّف، في تنفيذ إجراءاتها القائمة على تخفيض رواتب الموظفين ونفقات الجامعة. وقال مدير العلاقات العامّة في الجامعة الدكتور مشير عامر لـ"المونيتور" إنّهم ماضون في هذه الإجراءات من أجل الخروج من هذه الأزمة، أو على الأقل تخفيفها في المرحلة المقبلة، حفاظاً على ديمومتها واستقرارها الماليّ والإداريّ.
ولفت عامر إلى أنّ الجامعة ليست في معزل عن الأزمات الاقتصاديّة الفلسطينيّة، لذا كان من الضروريّ اتّخاذ بعض الإجراءات للمساهمة في الخروج من الأزمة. وتابع: "كانت مقترحاتنا استقطاع عشرة في المئة من رواتب موظّفي الجامعة الإداريّين والأكاديميّين لصالح الجامعة، مساهمة منهم في التخفيف من الأزمة الماليّة، ولا يتمّ احتسابها ضمن مستحقّاتهم الماليّة، إضافة إلى خصم أربعين في المئة من رواتبهم تبقى ضمن مستحقّاتهم التي يستردّها الموظفون في حال توفّرت الأموال في خزينة الجامعة، وزيادة عدد المواد والساعات التدريسية التي يقوم بتدريسها كلّ أستاذ، وتخفيض سنّ التقاعد من 65 إلى 60 عاماً. وهو ما لم تقبل به نقابة العاملين في الجامعة التي تقدّمت في ما بعد باستقالتها".
ويرى الوكيل المساعد لشؤون التعليم العالي في وزارة التربية والتعليم في قطاع غزّة الدكتور أيمن اليازوري في حديثه مع "المونيتور" أنّ الأزمة الماليّة الحاليّة التي تعصف بالجامعة الإسلاميّة تطال بقيّة جامعات القطاع لأنّ جميعها تعاني من أزمات ماليّة، غير أنّها بقيت مستترة حتّى اللحظة، فيما ظهرت نتائج الأزمة سريعاً لدى الجامعة الإسلاميّة.
وقال اليازوري إنّ الحصار الإسرائيليّ لقطاع غزّة والأزمات الاقتصاديّة التي تضرب القطاع، ألقت كلّها بظلالها على الجامعات العامّة التي لا تستهدف الربح كالجامعة الإسلاميّة نتيجة لسوء الوضع الاقتصادي لأهالي الطلاب، موضحاً: "كثيرون من الطلبة لا يدفعون أقساطهم الدراسيّة بسبب المشاكل الاقتصاديّة، ممّا يضطرّ الجامعات كالإسلامية والأزهر إلى جدولة تلك الأقساط لسدادها خلال أشهر أو سنوات بعد التخرّج".
وتوقّع اليازوري، إلى جانب الخصوم من رواتب موظّفيها:"من الممكن أن يطال رفع الرسوم الدراسيّة بعض التخصّصات في الجامعة الإسلاميّة للخروج من أزمتها، لكن بما لا يتجاوز السقف المالي المتعارف عليه ضمن الجامعات العامّة الأخرى".
وتكشف الأزمة الماليّة للجامعة الإسلاميّة هشاشة منظومة التعليم العالي في قطاع غزّة اقتصاديّاً، وليدقّ ناقوس الخطر لحماية عدد من الأصرح العلميّة الكبيرة في غزّة من الانهيار.