بين إعدام المعارض السعوديّ رجل الدين الشيعيّ نمر النمر السبت في 2 كانون الثاني/يناير من عام 2016 وتوتّر العلاقات إثر ذلك بين الرياض وطهران، عاد "المونيتور" إلى موقع الحدث في بلدة العوامية في منطقة القطيف في السعودية. ففي اتّصال هاتفيّ أجراه موقعنا من بيروت في 5 كانون الثاني/يناير مع الشيخ محمّد النمر، شقيق نمر النمر، سأله عن الأوضاع الراهنة في منطقة القطيف ذات الغالبيّة السكانيّة الشيعيّة والأجواء الّتي أعقبت إعدام شقيقه وموقفه من نتائج الأزمة، فضلاً عن مصير جثمان شقيقه وحقيقة القضيّة المتّهم بها.
بداية، سألنا الشيخ محمّد النمر كيف أبلغت عائلته بتنفيذ حكم الإعدام بحقّ شقيقه، فأوضح أنّها تبلّغت الأمر "السبت الماضي، عبر وسائل الإعلام السعوديّة".
وعن ردود الفعل الأولى، قال النمر: "خيّمت أجواء الحزن، ولبس الناس اللون الأسود حداداً، وأغلقت المحال كلّها في منطقة القطيف ومحيطها، وأقاموا مجالس العزاء في المراكز الدينيّة وبعض الساحات".
وعمّا إذا كانوا يتوقّعون تنفيذ الحكم، قال النمر: "طبعاً لا. لذلك، كانت صدمة كبيرة لنا وللناس جميعاً، إذ لم يكن أحد يتوقّع ذلك. صحيح أنّ محكمة الاستئناف والمحكمة العليا كانتا قد صادقتا على الحكم بالإعدام الصادر ضدّ الشهيد نمر النمر في 15 تشرين الأوّل/أكتوبر 2014، لكن كان هناك أمل لدينا ولدى الناس من أنصاره بألاّ يوقّع الملك السعوديّ سلمان على القرار، نظراً إلى تداعياته السلبيّة. وكانت هناك تحذيرات كثيرة، لكن للأسف صدر قرارالسلطات السعودية بتنفيذ الحكم، وقضى بإعدام 47 شخصاً متهمون بأعمال عنف وقضايا إرهابية على الأراضي السعودية، وزجّ اسم الشيخ النمر بين المرتكبين، لكنّ الشيخ النمر لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالقضايا الّتي اتّهم بها من نقض البيعة مع ولي الأمر، والخروج في عدد من المسيرات والتظاهرات والتجمعات وترديد بعض الهتافات المسيئة للدولة، واستعمال هاتفه الخليوي في التحريض على التظاهرات، والتستر على عدد من المطلوبين أمنياً، ومساعدتهم على الهروب من مداهمات الشرطة. وصفه رجال الأمن بـ “عصابات قطاع الطرق”، وقوات “درع الجزيرة” بـ “عار الجزيرة”، مطالباً بإخراجهم من البحرين، وأنا واثق بما أقول، بل على العكس كان داعية للسلم واللاّعنف، وهو ما يؤمن به كلّ أنصاره وعائلته أيضاً".
وكان لافتاً في كلام محمّد النمر وصف شقيقه بمفردة "الشهيد"، ممّا دفعنا إلى سؤاله عن تفسيره لذلك، وهو شهيد أيّ قضيّة؟ وفي مواجهة من؟ ليجيب من دون تردّد أنّه "شهيد المظلوميّة، فهو ظلم منذ اعتقل في 8 تمّوز/يوليو من عام 2012، واتّهم ظلماً وعدواناً".
وكشف شقيقه محمّد النمر أنّه حضر "كلّ جلسات محاكمة الشيخ الشهيد في محكمة أمن الدولة، وهذا ما يسمح لي بأن أجزم، وأنا مسؤول عن كلامي هذا وقد أحاسب عنه ومستعدّ لذلك، أنّه لم يثبت لأحد في المحكمة ولا للقاضي أنّ للشيخ النمر أيّ علاقة بأيّ عمل عنفيّ أو خارج عن القوانين. كلّ ما ثبت أنّه قال كلاماً مرتفع اللّهجة أو النبرة، وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن هذا لا علاقة له بالجرم الّذي لفّق له. فالشهيد كان ضدّ العنف، وهو رفض حمل السلاح عندما وقعت في منطقتنا أحداث عنفيّة عامي 2012 و2013، مثل التظاهرات التي قام بها المواطنون الشيعة من أبناء القطيف ضد السلطات السعودية، وتخللتها عمليات استخدام العنف من قبل قوى الأمن السعودية لقمع المتظاهرين وتفريقه، وله خطابات ومحاضرات ضدّ العنف وتؤكّد العمل السلميّ واللاعنفيّ".
وتابع النمر الشقيق: "لم يكن الشهيد النمر معارضاً بالمعنى الاحترافيّ السياسيّ، وهو لا يعتبر نفسه مطالباً بإسقاط النّظام ولا يملك أجندة لذلك. أمّا اتّهامه بعدم طاعة النّظام فهذه إشكاليّة خطيرة. هل عدم الطاعة يستوجب حكم الإعدام؟ فهذا كلام مرعب".
وعمّا إذا كانت محاكمته قد اتّسمت بمعايير المحاكمة العادلة وإعطاء المتّهم كلّ شروط الدفاع عن نفسه، قال محمّد النمر لموقعنا: "كان هناك وكيل دفاع عن الشيخ النمر هو المحامي الدكتور صادق الجبران تصدّى للموضوع، وهو محام ضليع، لكنّني أقول إنّ المحاكمة كانت سياسيّة، وكان هناك قرار مسبق بنتيجتها، ذهب الشهيد النمر ضحيّته، وهو شهيد بكلّ تأكيد".
أمّا لماذا زجّ اسم نمر النمر بين الأسماء الّتي تمّ إعدامها، فقدّم شقيقه محمّد قراءة لافتة لذلك، إذ قال: "بصراحة، كنّا نظنّ، عندما سرّب خبر الإعدام، أنّ المطلوب كان إعدام عناصر تنظيمي القاعدة وداعش، وأنّه من أجل إرضاء أطراف معيّنة في الشارع السنيّ زجّ اسم الشيخ النمر بين هؤلاء لإقامة توازن مذهبيّ ما، لكن تبيّن لنا لاحقاً أنّ العكس هو الصحيح، كان المقصود التخلّص من الشيخ النمر، وأضيفت أسماء الإرهابيّين لتغطية الأمر، بدليل أنّ 42 من الأشخاص الـ47 الّذين أعدموا، كانوا محكومين بالإعدام منذ أعوام طويلة فاقت الـ10 سنوات والـ13 سنة. وكانوا متروكين ومنسيّين في السجون السعوديّة، فيما الشيخ النمر محكوم منذ نحو سنة ونيّف. هكذا ترك هؤلاء أعواماً طويلة، ثمّ قرّروا إعدامهم الآن، لمجرّد تصفية الشهيد النمر والقول إنّ الإعدامات نفّذت بحقّ مجموعة من الإرهابيّين. وهذا ما نستنكره، وسنظلّ نشجبه بالوسائل السلميّة طبعاً".
وعن ردود الفعل داخل السعوديّة وخارجها حيال حدث الإعدام، قال محمّد النمر لموقعنا: "الأهمّ في ما حصل أنّ شرخاً كبيراً صار في النفوس، وسيؤدّي إلى هوّة بين الناس وبين الحكومة السعوديّة. فللشهيد النمر مكانة لدى الناس، ولدى المسلمين الشيعة داخل بلادنا وخارجها، فهو عالم مجتهد، وهذه رتبة دينيّة كبرى لدينا، ولا يمكن التّعامل مع صاحبها هكذا من دون ردود فعل لدى الناس".
وعن وجود اتّصالات بين عائلة الشيخ النمر وبين السلطات السعوديّة حيال جثمانه أو مسائل أخرى، قال محمّد النمر: "طلبنا تسليم الجثمان شفهيّاً ومن خلال بيان للعائلة، كما من خلال وسطاء. وسنظلّ نطالب بذلك ليعود الجثمان ويدفن في مسقط رأسه وفق الضوابط الشرعيّة وتقاليد منطقتنا. أمّا دفنه في مكان مجهول خارج تقاليدنا فهذا أمر مرفوض".
أمّا عن اتّهام الشيخ النمر وأنصاره بالولاء لإيران وعن الأزمة الّتي أعقبت إعدامه بين الرياض وطهران، قال شقيقه: "هذا موضوع سياسيّ لا علاقة لنا به. يؤسفنا ما حصل بين البلدين، ونحن ندعو إلى علاقة ممتازة بين بلدنا وأيّ بلد آخر. كما نستنكر التعرّض لسفارة بلادنا في طهران ومشهد في 3 كانون الثاني/يناير، فهذا عمل نرفضه ولا نقبل به. لا نسمح لأحد بأن يعتدي على منشآت بلادنا. ونتمنّى ألاّ تتّخذ الأمور منحى تصعيديّاً أكثر، لكن يجب أن نفهم أنّ تفاعل إيرانيّين أو عراقيّين أو لبنانيّين أو مواطنين من باكستان أو أوروبا أو من شتّى أنحاء العالم، مسألة عائدة إلى مكانة الشهيد النمر الدينيّة، وهذا ليس تدخّلاً في شؤون السعوديّة، فضلاً عن الإحساس بالظلم الّذي لحق بشهيدنا، بدليل أنّ الأمين العام للأمم المتّحدة كي مون نفسه كان قد ناشد الملك سلمان قبل أشهر في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2015 عدم إعدام الشيخ النمر، لكنّ تقديرات السياسيّين والمستشارين في السعوديّة ذهبت غير ذلك للأسف".