تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حروب الآخرين على الساحة الإقتصاديّة اللبنانيّة

امتثلت المصارف اللبنانية لقواعد مكافحة تبييض الأموال والتنظيم المالي الدولي، وآخر ما تحتاجه هذه المصارف هو تركيز زائد على العقوبات أو تلقي تعليمات حول إدارتها.
RTR2XHQS.jpg

يواجه القطاع المصرفيّ في لبنان مطلع هذا العام تحدّيات جمّة، فإضافة إلى التحدّيات الإقتصاديّة النّاتجة من إرتدادات أزمات المنطقة، لا سيّما الأزمة السوريّة على استقراره ، يجد نفسه اليوم محشوراً بين مطرقة الولايات المتّحدة الأميركيّة الّتي تدعوه إلى مزيد من الإمتثال إلى قوانين الرقابة، وسندان "حزب الله" الّذي يدعوه إلى عدم الإنصياع للتّعليمات الصادرة عن السلطات الماليّة الأميركيّة، كأنّ لا يكفي هذا القطاع ما يعانيه الإقتصاد اللبنانيّ من ركود نتيجة شلل المؤسّسات الدستوريّة وغياب الحكم الفاعل، فيجد نفسه وسط تجاذب سياسيّ أقلّ ما يقل فيه إنّه كان بغنى عنه.

لقد أقرّ الكونغرس الأميركيّ في 16 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 قانون ه.ر 2297، الّذي قدّمه رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في الكونغرس إدوار رويس، وهو يقضي بتوسيع العقوبات الإقتصاديّة على "حزب الله" اللبنانيّ والذراع الإعلاميّة التّابعة له قناة "المنار" اللبنانيّة، وذلك عبر سلّة من التّدابير الّتي تهدف إلى منع الحزب ومؤسّساته من استعمال المصارف والقيام بعمليّات ماليّة. وكانت قد سبقت هذا القرار قرارات عدّة أخرى تهدف إلى تضييق الخناق والإحالة دون اتّصاله بالنّظام المصرفيّ العالميّ. ففي 22 تمّوز/يوليو من عام 2014، سبق للكونغرس الأميركيّ أن صوّت على قانون 4411، الّذي يهدف إلى قطع التّمويل عن "حزب الله" عبر نشاطاته الإجراميّة. وكانت الولايات المتّحدة قد صنّفت "حزب الله" منظّمة إرهابيّة منذ عام 1995.

وللتّذكير، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا القرار يدخل حيّز التّنفيذ، فيما يتوقّع ديبلوماسيّون غربيّون رفع العقوبات الإقتصاديّة عن إيران، وهي الجهة الداعمة لـ"حزب الله"، في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وذلك تطبيقاً للإتّفاق النوويّ الموقّع في 14 تمّوز/يوليو من عام 2015. أمّا جديد قرار الكونغرس الأخير بالنّسبة إلى القرارات السابقة والمتعلّقة بفرض عقوبات على "حزب الله" اللبنانيّ فهو أنّه يطبّق على الأفراد والمؤسّسات غير الخاضعة لسيادة الولايات المتّحدة. كما صنّف الحزب منظّمة إجراميّة، وليس فقط إرهابيّة، إسوة بالقرارات السابقة، أي أنه يمكن اتهام الحزب و أعضائه بأعمال إجرامية مثل الإتجار بالمخدرات وتبييض الأموال.

وقال المنسّق التنفيذيّ في مرصد التّشريع في لبنان المحامي بول مرقص لـ"المونيتور": إنّ القانون 2297 الصادر عن الكونغرس "أكّد على كلّ القرارات الأميركيّة السابقة المتعلّقة بحزب الله، ولكنّه لم يضف وسائل جديدة، إنّما ضاعف الضغط على المصارف اللبنانيّة والبنك المركزيّ اللبنانيّ. كما فتح مجال مساءلة أكبر أمام الكونغرس الأميركيّ" نظرا إلى أنه يمكن إدراج المصارف اللبنانية على اللائحة السوداء الأميركية أو فرض عقوبات مباشرة عليها.

أضاف: "إنّ العقوبات الإقتصاديّة على المنار، ربّما تكون هي الأكثر دقّة، وليس على الحزب كمؤسّسة سياسيّة أو عسكريّة، على اعتبار أنّ هذا الأخير يمتنع أساساً عن فتح حسابات مصرفيّة باسمه أو باسم كوادره المدرجين على قوائم الإرهاب بحسب التعريف الأميركيّ". أمّا المتعاملون مع المنار فقد يتعرّضون إلى قطع التّعامل معهم من قبل المؤسّسات الرسميّة وغير الرسميّة الأميركيّة، مثال المصارف الأميركيّة المراسلة للمصارف اللبنانيّة، وصولاً إلى إدراجهم على اللاّئحة السوداء الأميركيّة". ففي يناير/ كانون الثاني فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على رئيس شركة «سبكتروم اينفستمنت غروب هولدينغ» للاتصالات، علي يوسف شرارة، لتقديمه الدعم المالي لحزب الله.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ مجلس النواب اللبنانيّ، ورغم حال الشلل الّتي تعتريه والفراغ الدستوريّ المتمثّل بشغور سدّة الرئاسة منذ أيّار/مايو من عام 2014 ووسط عاصفة سياسيّة، تمكّن من إصدار سلّة من القوانين جاءت تحت مسمّى تشريع الضرورة، وهي تهدف إلى مكافحة تبييض الأموال، ومن بينها قانون مصادقة على معاهدة وضعت سنة 1999 لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي هذا الإطار، قال رئيس جمعيّة المصارف اللبنانيّة جوزبف طربيه في لقاء مع الصحافيّين في 19 كانون الأوّل/دسمبر من عام 2015: "إنّ أهمّ مفاعيل هذه التشريعات الجديدة هو عدم هروب الإستثمارات والثروات من لبنان"، وبهذا يكون "لبنان قد أنجز ما كان مطلوباً منه دوليّاً" أي الامتثال للتنظيم الدولي بهدف فرض الاتفاقية الدولية لعام 1999 لمكافحة تبييض الأموال في المجلس التشريعي اللبناني.

وأهمّ ما في هذه التّشريعات الجديدة أنّها ترفع جزئيّاً السريّة المصرفيّة، التي لطالما كانت ميزة النّظام المصرفيّ اللبنانيّ، حيث تتيح لبلد ما الحصول على معلومات عن أشخاص أو شركات تحوم حولهم تهمة تبييض أموال

وفي التّفاصيل، أنّه في اليوم التّالي من إغتيال سمير القنطار، أطلّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصر الله قي 21 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 بخطاب متلفز للردّ على الحادثة. والملفت أنّ إغتيال سمير القنطار على أهميّته، والّذي كان مناسبة الخطاب، لم يطغ على مسألة العقوبات ومفاعيل قانون الكونغرس ه.ر. 2297، لا بل على العكس، استحوذ موضوع العقوبات على حيّز كبير من الخطاب، واعتبر حسن نصر الله أنّ هذه القرارات تأتي ضمن مخطّط يهدف إلى تشويه صورة الحزب، خصوصاً لجهة وصفه للمرّة الأولى بمنظّمة إجراميّة، وليس فقط إرهابيّة.

كما أكّد ألاّ أعمال تجاريّة أو استثماريّة للحزب، وليست لديه أموال في المصارف اللبنانيّة، معتبراً أنّ بفعل التّشريعات الأخيرة يمكن للولايات المتّحدة "إذا أرادت استهداف بيئة معيّنة أو أصدقاء خطّ سياسيّ معيّن أو تيّار معيّن أن ترسل لائحة بأسماء أفراد أو شركات" تحظّر المصارف اللبنانيّة من التّعامل معها. وتوجّه السيّد نصر الله إلى المصارف اللبنانيّة من أجل "تحمّل مسؤوليّة حماية المواطنين اللبنانيّين"، على ضرورة أن تبدي الحكومة اللبنانيّة والمصارف اللبنانيّة "شيئاً من السيادة" في هذا الموضوع.

وهكذا، تبدو المصارف اللبنانيّة أمام ضغط إضافيّ، فهي تواجه أصلاً تداعيات تباطؤ الإقتصاد اللبنانيّ وتأثيرات أزمات المنطقة على استقراره السياسيّ والإقتصاديّ، الأمر الّذي دفع أخيراً ببعض وكالات التّصنيف العالميّة أمثال "أستندارد أند بورز" إلى إعادة تصنيفه إلى"ب"، من حيث المخاطر السياديّة، ومن "مستقرّ" إلى سلبيّ من حيث الرؤية الطويلة الأمد. لقد كان القطاع المصرفيّ في غنى عن هذه الضجّة، وإنّ تركيز الأضواء على مسألة العقوبات أو الاستفاضة بالحديث عنها قد يدفع ثمنها أوّلاً وقبل غيره الإقتصاد اللبنانيّ وقطاعه المصرفيّ. ليس سرا أن أي اقتصاد، أو عمل أو مصرف على وجه التحديد يعتمد أساسا على الثقة. لذلك، فإن التركيز على العقوبات، خاصة أن المصارف اللبنانية قد امتثلت للقوانين الدولية، أو إعطاء التعليمات للمصارف اللبنانية حول كيفية التعامل مع المتطلبات الدولية، لن يساعد على تعزيز الثقة في الاقتصاد اللبناني ومؤسساته في ظل ظروف حرجة. وهذه حقيقة برسم المتصارعين على الحلبة الإقليميّة والساحة الإقتصاديّة اللبنانيّة الملحقة بها.

Join hundreds of Middle East professionals with Al-Monitor PRO.

Business and policy professionals use PRO to monitor the regional economy and improve their reports, memos and presentations. Try it for free and cancel anytime.

Already a Member? Sign in

Free

The Middle East's Best Newsletters

Join over 50,000 readers who access our journalists dedicated newsletters, covering the top political, security, business and tech issues across the region each week.
Delivered straight to your inbox.

Free

What's included:
Our Expertise

Free newsletters available:

  • The Takeaway & Week in Review
  • Middle East Minute (AM)
  • Daily Briefing (PM)
  • Business & Tech Briefing
  • Security Briefing
  • Gulf Briefing
  • Israel Briefing
  • Palestine Briefing
  • Turkey Briefing
  • Iraq Briefing
Expert

Premium Membership

Join the Middle East's most notable experts for premium memos, trend reports, live video Q&A, and intimate in-person events, each detailing exclusive insights on business and geopolitical trends shaping the region.

$25.00 / month
billed annually

Become Member Start with 1-week free trial
What's included:
Our Expertise AI-driven

Memos - premium analytical writing: actionable insights on markets and geopolitics.

Live Video Q&A - Hear from our top journalists and regional experts.

Special Events - Intimate in-person events with business & political VIPs.

Trend Reports - Deep dive analysis on market updates.

All premium Industry Newsletters - Monitor the Middle East's most important industries. Prioritize your target industries for weekly review:

  • Capital Markets & Private Equity
  • Venture Capital & Startups
  • Green Energy
  • Supply Chain
  • Sustainable Development
  • Leading Edge Technology
  • Oil & Gas
  • Real Estate & Construction
  • Banking

We also offer team plans. Please send an email to pro.support@al-monitor.com and we'll onboard your team.

Already a Member? Sign in

Start your PRO membership today.

Join the Middle East's top business and policy professionals to access exclusive PRO insights today.

Join Al-Monitor PRO Start with 1-week free trial