رام الله – مع مطلع شهر شباط/فبراير 2016، ستطلق لجنة الانتخابات المركزيّة الفلسطينيّة التي تتّخذ من رام الله مقرّاً لها، عمليّة التسجيل الإلكترونيّ لتحديث سجلّ الناخبين السنويّة لديها ضمن خطط عملها، من دون أن تكون هناك بارقة أمل لإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة قريباً في فلسطين.
وأعلنت حركة حماس على لسان عضو مكتبها السياسيّ موسى أبو مرزوق في 8 كانون الثاني/يناير عن "استعدادها لخوض الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة وانتخابات المجلس الوطنيّ لمنظّمة التحرير "اليوم قبل غداً"، واضعة الكرة في ملعب الرئيس محمود عبّاس، بأنها ليست الطرف الذي يعطل اجراء الانتخابات، بل على الرئيس عباس الذي يجب ان يصدر مرسوما رئاسيا بذلك.
وكان الرئيس عبّاس قد أوعز في 2 حزيران/يونيو 2014 إلى لجنة الانتخابات المركزيّة عقب اداء حكومة الوفاق الوطنيّ من مستقلين بموجب اتفاق الشاطيء اليمين الدستورية امام الرئيس في رام الله في 2 حزيران 2014 ، ببدء إجراءاتها استعداداً لإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة بعد ستّة أشهر من ذلك التاريخ اي بتاريخ (2 ديسمبر)، وهو الأمر الذي لم يحدث، بسبب عراقيل واجهت الحكومة.
قال القياديّ في حركة فتح ومسؤول ملفّ المحادثات مع حركة حماس عزّام الأحمد لـ"المونيتور": "حتّى الآن، لم يحدّد موعد للانتخابات، ولا داعٍ للحديث عنه. حين تلتزم حماس باتّفاقات المصالحة، يصبح لكلّ حادث حديث. عندما تسمح حماس لحكومة الوفاق الوطني بممارسة سلطتها وصلاحيتها في قطاع غزة التي تسيطر عليه، عندها يمكن الحديث عن الانتخابات".
ودعا الرئيس عبّاس في 31 كانون الأوّل/ديسمبر إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة (حكومة اعضاءها من الفصائل الفلسطينية بديلا لحكومة الوفاق الوطني من المستقلين التي شكلت بعد اتفاق الشاطيء في 2014)، لكنّه في 6 كانون الثاني/يناير 2016، قال الرئيس عباس في كلمة له خلال استقباله لرؤساء وممثلي أبناء الرعية الأرثذوكسية في قصر الرئاسة بمدينة بيت لحم، لمناسبة احتفال الطوائف الشرقية بأعياد الميلاد المجيدة موجّهاً حديثه إلى حماس: "إذا أردتم حكومة، نحن قابلون وإيّاكم وباقي الفصائل موافقون ومعروف الثمن الذي سندفعه، ولكن نذهب فوراً للانتخابات، أمس تلقّيت جواباً لا نريد انتخابات".
وأوضح الأحمد: "دعوة الرئيس إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة والذهاب إلى الانتخابات ليست جديدة، لقد نقلت هذه الدعوة إلى أبو مرزوق، وعرضت عليه إمّا تمكين حكومة الوفاق من ممارسة مهامها في غزّة، وإمّا تشكيل حكومة وحدة وطنيّة اعضاءها من الفصائل الفلسطينية كافة بما فيهم حماس وفتح والبقية تتحمّل مسؤوليّة غزّة والضفّة الغربيّة وتحضّر للانتخابات، لكنّ حماس لم توافق".
ووصف أمين سرّ المجلس الثوريّ لحركة فتح أمين مقبول لـ"المونيتور"، إعلان أبو مرزوق حول استعداد حركته لخوض الانتخابات بـ"غير الجادّ".
وأضاف مقبول: "لو كانت حماس صادقة لنفّذت أولى الخطوات المطلوبة لإجراء الانتخابات، وهي تشكيل حكومة الوحدة الوطنيّة، أو تمكين حكومة الوفاق من العمل في غزّة. حماس غير جادّة ولا تريد انتخابات".
وقال عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبيىّة جميل مزهر لـ"المونيتور" إنّ الدعوات الصادرة عن الحركتين هي "جزء من المناكفات وتسجيل المواقف لأنّ إجراء الانتخابات يتطلّب خطوات كالاتّفاق على استراتيجيّة وطنيّة في إطار مراجعة سياسيّة شاملة، وإصلاح منظّمة التحرير وإعادة بنائها، وتشكيل حكومة وحدة تمهّد الطريق للانتخابات".
وأضاف مزهر: "إجراء الانتخابات يحتاج إلى إرادة حقيقيّة وقرار سياسيّ بإنهاء الانقسام أوّلاً، وبالتالي فإنّ الحديث عن الانتخابات قبل ذلك يعدّ نوعاً من التضليل".
ويتّفق مدير عام المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجيّة الكاتب هاني المصري في حديث إلى "المونيتور" مع ما طرحه مزهر قائلاً: "حماس وفتح والرئيس عبّاس غير جادّين بإجراء الانتخابات، وحين يتحدّث طرف عن إجرائها يكون ذلك من باب المناكفة والمناورة، ليس أكثر".
وأجريت آخر انتخابات رئاسيّة في عام 2005، فاز فيها الرئيس عبّاس، بينما منيت حركة فتح بهزيمة في آخر انتخابات برلمانيّة في عام 2006، وأسفرت عن انتصار حركة حماس، بـ 76 مقعدا من اصل 132، الامر الذي اعتبر مفاجآة غير متوقعة.
وأضاف المصري: "فتح غير جاهزة لخوض الانتخابات، وحماس لا تريد انتخابات لأنّها تخاف ألّا تحقّق نسبة الفوز كما في الانتخابات السابقة، أو عدم السماح لها بالحكم إذا فازت، ولذلك الحركتان تناكفان بعضهما البعض ليس أكثر".
وعمّن يملك زمام القرار بإجراء الانتخابات، قال المصري: "قرار إجراء الانتخابات ليس فلسطينيّاً، بل هو قرار إسرائيليّ وعربيّ وأميركيّ ودوليّ. إسرائيل لن توافق على إجراء الانتخابات إلّا إذا كانت ستسفر عن برنامج سياسيّ قائم على اتّفاق أوسلو، وكذلك الدول العربيّة والمجتمع الدوليّ التي لا تريد انتخابات قد يخسر فيها الرئيس عبّاس الذي تراجعت شعبيّته أخيراً".
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز العالم العربيّ للبحوث والتنمية "أوراد" ونشره في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أنّ 83% من الفلسطينيّين يؤيّدون إجراء الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة حالاً، وسط تراجع شعبيّة الرئيس عبّاس إلى 32% سيصوّتون له في حال إجراء الانتخابات بعدما كانت 38% في استطلاع مماثل نفّذه المركز في 27 تمّوز/يوليو 2015، وهو ما أكّدته نتائج استطلاع آخر نفّذه المركز الفلسطينيّ للبحوث السياسيّة والمسحيّة في 14 كانون الأوّل/ديسمبر 2015 أظهرت أنّ 65% من المستطلعة آراؤهم يريدون من الرئيس عبّاس الاستقالة، وأنّه سيخسر الانتخابات أمام مرشّح حركة حماس في حال جرت الانتخابات.
ويحتاج إجراء الانتخابات إلى مرسوم رئاسيّ قبل موعدها المحدّد بـ3 أشهر، كي تقوم لجنة الانتخابات المركزيّة بالتحضير والإعداد لها.
وحول السبب الذي يمنع الرئيس عبّاس من إصدار مرسوم بإجراء الانتخابات، وإذا كان ذلك يرتبط بتدنّي شعبيّة الرئيس وعدم عقد حركة فتح مؤتمرها السابع، قال مقبول إنّ الرئيس عبّاس أصدر مرسوماً للجنة الانتخابات المركزيّة في عام 2014 بعد تشكيل حكومة التوافق للاستعداد لإجراء الانتخابات، لكنّه لم يطبّق بسبب عراقيل حماس لحكومة الوفاق، ولذلك فـ"إنّ إصدار المراسيم من دون أن تطبّق أمر غير مستحبّ".
وأضاف: "حركة فتح ستستعدّ لإجراء الانتخابات مجرّد تحديد موعدها، وهي تثق في شعبيّتها وجماهيريّتها".
وتابع: "فتح تصرّ على أن يكون مرشّحها إلى أيّ انتخابات مقبلة الرئيس عبّاس، لكن في حال إصراره على عدم ترشّحه، فإنّ مؤسّسات الحركة ستقوم بدراسة الأمر وإيجاد الحلّ المناسب".
لكنّ المصري يرى أنّه من أسباب عدم إجراء الانتخابات "وجود متنفّذين في السلطة الفلسطينية تقتضي مصلحتهم بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم إجراء الانتخابات واستمرار الانقسام بسبب المناصب التي شغلوها نتيجة الانقسام، إضافة إلى عدم وحدة حركة فتح، وغياب آليّة واضحة لانتقال قيادة الحركة والسلطة ومنظّمة التحرير، اذا ما صدّقنا أنّ الرئيس عبّاس لن يترشّح إلى أيّ من هذه المناصب".
وفي ظلّ عدم تشكيل حكومة الوحدة الوطنيّة، التي يجمع كثيرون على أنّها الخطوة الأولى لإجراء الانتخابات، فإنّ صندوق الاقتراع سيبقى بعيد المنال عن أيدي الفلسطينيّين.