أعلنت وزيرة التضامن الإجتماعيّ الدكتورة غادة والي في 28 من الشهر الماضي عن مبادرة للنّهوض بدور الرعاية الإجتماعيّة في مصر سواء أكان الأهليّة أم الحكوميّة، بإنشاء فرق تسمّى بـ"فرق الإنقاذ السريع" لتلقّي شكاوى الأطفال من دور الرعاية ورفع الخدمات المقدّمة فيها، إلاّ أنّ هذه التّصريحات كسابقاتها تظلّ حبراً على ورق، في ظلّ التعدّيات الّتي تحدث داخل دور الرعاية في مختلف محافظات الجمهوريّة. وتعاني مؤسّسات الرعاية الإجتماعيّة في مصر من حال إهمال شديدة، فضلاً عن الإنتهاكات البدنيّة والجنسيّة الّتي يتعرّض لها الأطفال، سواء أكان من قبل المشرفين على الدار أم من زملائهم، إلى درجة وصلت إلى حدوث عشرات الحالات من الاغتصاب داخل دور الرعاية. ففي 23 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، شكا عدد من الأطفال داخل إحدى دور الرعاية في محافظة الإسكندريّة حرمانه من تناول الطعام وتعرّضه للتّعذيب والضرب عن طريق ربطه بحبل وممارسة العنف ضدّه، من قبل مدير الدار. ولم يقتصر الأمر على ممارسة العنف فقط، وإنّما تطوّر ليشمل حدوث حالات اغتصاب كاملة للأطفال، داخل دور رعاية أيتام، في محافظة الشرقيّة، حيث قام مشرف الدار في 5 شباط/فبراير من عام 2014 باغتصاب 8 أطفال ذكور داخل الدار، وتمّ اكتشاف الأمر بعدما تكرّرت الشكوى من بعض الأطفال عن وجود ألم داخل البطن نتيجة الممارسة الجنسيّة.
وفي هذا الإطار، قال إسماعيل مصطفى، 17 عاماً، وهو مقيم في دار "ليلة القدر للأيتام"، بمنطقة 6 أكتوبر، لـ"المونيتور": "نعيش أنا وزملائي في الدار طوال عمرنا، وكنّا نتعرّض لأبشع أنواع التّعذيب من المشرفين على الدار، من ضرب وسحل، وحبسنا داخل غرف محكمة وحرمنا من تناول الأطعمة. وعندما كنّا نعترض، كانوا يطلبون منّا الرحيل وترك الدار، ولكن لم يكن لدينا مأوى غيرها".
أضاف: "لم يكن لدينا أيّ أموال للإنفاق، فكنّا نخرج لطلب المعونة من المارّة فى الطرق منذ صغرنا. والآن، أصبح لدى كلّ منّا عمله الخاص الّذي يساعده على المعيشة، وبعضنا هرب وعمل في بيع الموادّ المخدّرة حتّى يستطيع الإنفاق على ذاته".
ومن جهته، قال مساعد وزير التضامن الإجتماعيّ السابق ياسر الرفاعي لـ"المونيتور": "منظومة العمل داخل دور رعاية الأيتام في مصر سيّئة للغاية، وهي تساعد على خلق جيل من المنحرفين مجتمعيّاً، لأنّ ممارسة العنف مع الأطفال في الصغر تزرع في داخلهم سلوكاً عدوانيّاً تجاه المجتمع".
أضاف: "هناك معايير واضحة وضعتها الوزارة في لائحتها التنفيذيّة في ما يتعلّق بتوفير الرعاية الصحيّة الكاملة للأطفال وحمايتهم من أيّ أشكال العنف، ولكنّها لا تطبّق، نظراً لعدم وجود رقابة كافية عليها، بل على العكس، هناك زيادة في عدد الأطفال داخل الحجرة الواحدة عن الحدّ المسموح وعدم اهتمام بالنظافة الشخصيّة والتّحصينات من الأوبئة والأمراض، وأيضاً جمع بين الأطفال من دون مراعاة عمرهم الزمنيّ، حيث تجمع الدار الأطفال من عمر 6 سنوات حتّى 18 عاماً، ممّا يؤدّي إلى حدوث عمليّات تحرّش واغتصاب".
وتنصّ اللاّئحة التنفيذيّة الخاصّة بقانون حماية الطفل رقم 12 لسنة 1996 للعمل في دور رعاية الأطفال الأيتام التابعة لوزارة التضامن الإجتماعيّ على توفير شروط الرعاية الصحيّة المتكاملة كالتهوئة والإضاءة الطبيعيّة والإمداد بمياه الشرب النقيّة ودورات المياه والصرف الصحيّ وكلّ سبل المعيشة الآدميّة، وأيضاً وضع ضمانات لتأمين الأطفال من المخاطر، وأن تتوافر في المبنى الأماكن اللاّزمة لمزاولة الأطفال تمارين رياضيّة خفيفة أو أنشطة ترفيهيّة وثقافيّة أو إشراكهم في النوادي والمكتبات العامّة.
ولحلّ هذه القضيّة، اقترح ياسر الرفاعي إنشاء 4 مدن متكاملة الخدمات يتمّ توزيعها على محافظات الجمهوريّة، بحيث تسهل الرقابة عليها، مشيراً إلى أنّ هذا النموذج يتمّ تطبيقه فى تركيا وألمانيا وأثبت نجاحاً كبيراً، إضافة إلى أنّه يتمّ إسناد الرقابة على دور الرعاية للجيش باعتباره مؤسّسة تمارس الانضابط وتضبط الأمن ويخشاها الجميع بهدف إلزام القائمين على دور الرعاية تطبيق القانون وحماية الأطفال من كلّ وسائل العدوان عليهم.
وفي هذا السّياق، قال صاحب جمعيّة أهليّة لإيواء الأيتام سيّد علي لـ"المونيتور": "الوزارة ما فيهاش فلوس، وبترفض دعمنا بالمال الكافي لتوفير مستوى معيشيّ مناسب للأطفال، ومصدر دخلنا الوحيد هو التبرّعات لدرجة أنّها ترفض إمدادنا بالموظّفين والاختصاصيّين".
أضاف: "أعلم جيّداً أن دور الرعاية غير مؤهّلة، ولا يوجد فيها أيّ سبل للمعيشة، ولكنّنا نحاول بذل قصارى جهدنا من أجل إيواء هؤلاء الأطفال، بدلاً من أن يعيشوا في الشارع من دون مأوى".
وأشارت إحصاءات وزارة التّضامن الإجتماعيّ إلى أنّ هناك 454 دار رعاية أيتام على مستوى الجمهوريّة تجمع الأطفال حتّى سنّ الـ18 عاماً، إضافة إلى 83 حضانة فيها 12 ألف طفل تختصّ بالأطفال المبتسرين والمشرّدين وضحايا التفّكك الأسريّ.
وفي حديث لـ"المونيتور"، قالت استشاريّة حماية الأطفال في الأمم المتّحدة الدكتورة رضوى القاضي: "إنّ دور الرعاية الإجتماعيّة في مصر حتّى الآن لم تملك أيّ برامج لتأهيل الإختصاصيّين وتدريبهم على معاملة الأطفال، إضافة إلى قلّة عدد الإختصاصيّين المتواجدين، مقارنة بحاجات الأطفال، حيث أنّ كلّ عشرة أطفال لهم اختصاصيّ واحد فقط، وهذا يؤدّي بالطّبع إلى مشاكل كبيرة".
أضافت: "هناك تجاوزات عدّة تحدث داخل الدور لا نعلمها، لأنّ الأطفال يخشون الإفصاح عنها، خوفاً من المشرفين".
وأشادت في حديثها لـ"المونيتور" بمبادرة الوزارة إنشاء "وحدة الإنقاذ السريع" للإبلاغ عن أيّ تجاوزات تحدث داخل دور الرعاية، قائلة: "نتمنّى أن تنجح هذه المبادرة في القضاء على تجاوزات دور الرعاية".
وردّاً على هذه التجاوزات، اعترفت الدكتورة غادة والي في تصريحات صحافيّة بوجود تجاوزات كبيرة داخل دور رعاية الأيتام، وعدم وجود معايير واضحة لضمان معاملة الأطفال في شكل جيّد، خصوصاً أنّ الرقابة كانت تركّز على مراقبة مصاريف التبرّعات فقط، قائلة: "عاهدنا أنفسنا على المصارحة، فالتركة الّتي ورثناها ثقيلة، والواقع أكثر إيلاماً، حيث تنتشر تلك الممارسات فى جميع المحافظات، ونحن مسؤولون كحكومة وأمام الله عن حماية هؤلاء الأطفال، وسنقضي عليها قريباً".