داهمت قوّة مشتركة من 20 فرداً من هيئة الرقابة على المصنّفات الفنّيّة ومصلحة الضرائب ومباحث الأمن الوطنيّ ووزارة القوى العاملة، جاليري "تاون هاوس" ومسرح روابط الإثنين الماضي. وحسب ما ذكر أحد العاملين في "تاون هاوس"، فإنّ مجموعة من 7 أشخاص في زيّ مدنيّ عرفّوا أنفسهم كعاملين في هيئة الرقابة، فتّشت الصالة والمكاتب، بما في ذلك الحواسيب الشخصيّة، واطّلعت على هويّات العاملين وأوراقهم والتراخيص المتعلّقة بعمل الصالة من دون إذن بالتفتيش، فيما توافد على الجاليري موظّفون عموميّون من جهّات مختلفة الواحد تلو الآخر، وواصلوا تفتيش المكان واستجواب العاملين لنحو ثلاث ساعات، قبل السماح لهم بالمغادرة بعد الاحتفاظ بنسخ عن هويّاتهم، كما تمّت مصادرة بعض المعروضات.
ولم يمض على هذه الهجمة 24 ساعة حتّى اقتحمت قوّة أمنيّة دار "ميريت" للنشر القريبة من ميدان التحرير، وقبضت على موظّف فيها، وحوّلته إلى النيابة التي أطلقت سراحه في ما بعد.
من جانبه، نفى المتحدّث باسم وزارة الداخليّة المصريّة اللواء أبو بكر عبد الكريم في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" أيّ علاقة للوزارة بهذه المداهمات، مؤكّداً أنّ الوزارة لا تتّخذ أيّ إجراءات إلّا في إطار القانون. وأضاف أنّ حملة المداهمات تقف خلفها وزارة الثقافة وأنّ المسألة في رمّتها بعيدة كلّ البعد عن الداخليّة.
وقال مؤسّس دار "ميريت" ومديرها محمّد هاشم إنّ وزارة الثقافة لا علاقة لها بالأمر، وأكّد في اتّصال هاتفيّ مع "المونيتور" أنّه هاتف القائم بأعمال رئيس جهاز الرقابة على المصنّفات الفنّيّة في وزارة الثقافة الدكتور خالد عبد الجليل لسؤاله حول ما إذا كانت وزارة الثقافة تقدّمت بشكوى ضدّ دار "ميريت"، لكنّه نفى صدور أيّ شكاوى من الوزارة في شأن أعمال دار "ميريت". ووصف مؤسّس دار "ميريت" الحملة الأمنيّة التي تقودها وزارة الداخليّة بالمريبة، معتبراً أنّ الوزارة تسعى إلى تكميم الأفواه قبل ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير .
وأوضح المحامي في برنامج حريّة الإبداع في مؤسّسة حريّة الفكر والتعبير محمود عثمان أنّ المؤسّسة الخاضعة إلى التفتيش من حقّها معرفة أسباب ذلك والسند القانونيّ، فضلاً عن التعرّف على الاتّهامات الموجّهة إليها، والتي يجب أن تكون واضحة ومحدّدة، مشيراً إلى أنّ الحملات لا تحمل سبباً واضحاً للتفتيش، وإنّما تعمل بمنطق "اللي نلاقيه".
وأكّد في اتّصال مع "المونيتور" أنّه حتّى الآن لا يوجد علم لدى أحد عن الأساس الذي يعمل من خلاله موظّفو الضبطيّة القضائيّة، والتي يجب على وزير العدل تحديد حدود وظائفهم، الأمر الذي يضع كلّ ممارس مستقلّ للفنّ في مأزق قانونيّ.
وأضاف عثمان أنّ الضبطيّة القضائيّة المستخدمة تعدّت حدودها، مشيراً إلى أنّها لم تكن تحمل سنداً قانونيّاً لتفتيش مقرّ الـ"تاون هاوس". كما أدانت الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان، إغلاق تلك الأماكن، وأرجعت السبب إلى ما سمّته "ذعر المؤسّسات الأمنيّة". وقالت في بيان لها إنّ "مداهمة مسرح روابط ومعرض "تاون هاوس" وقبل أيّام من ذكرى ثورة 25 يناير، يدلّ على ذعر تلك المؤسّسات من إتاحة أيّ مساحة ولو ضئيلة لحريّة التعبير، وخصوصاً بين الشباب والمثقّفين".
وذكرت الشبكة العربيّة في بيانها الصادر الثلاثاء، أنّ "تلك الهجمة تأتي في إطار الحملة التي تشنّها أجهزة الأمن على ساحات فنّيّة أخرى ومؤسّسات حقوق الإنسان خلال الأشهر الأخيرة، بغرض قمع الأصوات الناقدة".
من جهّتها، قالت رئيسة المورد الثقافيّ بسمة الحسيني إنّه منذ منتصف عام 2014، تقدم الدولة على تلك الأفعال، وذكرت على حسابها على "فايسبوك" أنّه "في كلّ حالات المنع والاقتحام والاعتقال والإغلاق، تستخدم أسانيد قانونيّة يبدو أنّ لا علاقة لها بالسياسة مثل المصنّفّات الفنّيّة، الضرائب، القوى العاملة، تنظيم الشوارع... إلخ، وفي كلّ مرة يتّضح لاحقاً أنّ هذه الأسانيد مزيّفة وأنّه ليستت هناك مخالفات قانونيّة، والأدهى أنّ حتّى هذه المخالفات القانونيّة لو وجدت، لا تستتبع لا الاعتقال ولا الإغلاق ولا الاقتحام ولا محاصرة الأماكن بقوّات أمنيّة".
وعلّق رئيس منظّمة الاتّحاد المصريّ لحقوق الإنسان نجيب جبرائيل، قائلاً إنّه ضدّ إغلاق أيّ دار نشر أو منفذ إعلاميّ وضدّ تقييد الحرّيّات. وأضاف لـ"المونيتور"، أنّ الدستور يضمن موادّاً صريحة تنصّ على حريّة النشر والتعبير عن الرأي والإبداع، وما حدث يعتبر ردّة إلى الوراء، ولا يمكن أن تحدث أبداً بعد استحقاق دستوريّ ثالث.
ولاقى القرار، الذي لم يعلن عنه رسميّاً حتّى الآن، استنكاراً في الأوساط الثقافيّة، حيث اعتبر بعضهم أنّ مثل هذا الإجراء "هجمة على حريّة الرأي والتعبير"، بينما صنّفه آخرون بأنّه "إجراء احترازيّ تعلن من خلاله الدولة خوفها من أيّ تجمّع شبابيّ قبل 25 يناير". وكان عدد من الأماكن الثقافيّة أغلق من قبل بقرار من هيئة الرقابة على المصنّفات الفنّيّة.
وطالب النشطاء بتضامن المثقّفين مع العاملين في المعرض والمسرح، رافضين قرار الإغلاق. وقال المحامي الحقوقيّ نجاد البرعي على "فايسبوك": "الناس كلّها لازم تشتغل على الموضوع طبعاً، خصوصاً بعد حبس إسلام بحيري، لكن كمان أنا مع فكرة أنّ المثقّفين يتوحّدوا في جبهة كانت اتعملت وقت الإخوان اسمها جبهة الدفاع عن حريّة الإبداع، ممكن نعمل زيّها، مثلاً جبهة الدفاع عن الثقافة أو حاجة كده".