تحت شعار "شارك في صنع القرار"، أدلى 703 آلاف سعوديّ بأصواتهم في صناديق الإقتراع في الثاني عشر من كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2015 لاختيار ثلثيّ أعضاء 284 مجلساً بلديّاً البالغ مجموعهم 3159 عضواً، منهم 1053 عضواً يعيّنهم وزير البلديّة المعيّن من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الّذي يمسك بكلّ السلطات السياسيّة والدينيّة في المملكة العربيّة السعوديّة، ابتداء من رئاسة الحكومة وتعيين كبار المسؤولين "أمراء المناطق والوزراء وهيئة كبار العلماء والقضاة.." وإقالتهم وانتهاء بتحديد موعد صلاة الاستسقاء، وهي "صلاة تؤدّي إلى طلب نزول المطر".
ولقد سبق أن قامت الرياض بإجراءات تطويريّة تتعلّق بتحسين صورتها أمام المجتمع الدوليّ، منها قرار الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز في أيلول/سبتمبر من عام 2005 بإنشاء هيئة حقوق الإنسان. كما قرّر في أيلول/سبتمبر من عام 2011 انضمام المرأة إلى مجلس الشورى بالتعيين والسماح لها بالترشّح إلى المجالس البلديّة، اعتباراً من الدورة الثالثة 2015 الحاليّة، الّتي شهدت بعض التطوّرات الملموسة كزيادة نسبة الأعضاء المنتخبين إلى الثلثين، بدلاً من النصف، إضافة إلى فوز عشرين امرأة بعضويّة المجالس البلديّة.
بينما في الدورة الأولى التي أجريت في نوفمبر 2005 فقد سمحت الحكومة السعودية بانتخاب نصف عدد المقاعد البالغة 1212 مقعدا في 178 مجلسا بلديا وتم تعيين النصف، وكذلك في الدورة الثانية التي أجريت في سبتمر 2011 كان التنافس على نصف المقاعد البالغة 1056 مقعدا في 285 مجلسا بلديا ، مع استبعاد النساء في كلتا الدورتين.
إلاّ أنّ جهود الحكومة السعوديّة واعلامها من خلال البرامج التلفزيونية والندوات وتصريحات المسؤولين فشلت فيما يبدو في اقناع المواطنين باعتبارها مشاركة في قرار إدارة الدولة وبمدى استقلالية المجالس البلدية وقدرتها في حل مشاكل المواطنين لان المجالس البلدية ليست له صلاحيات تنفيذية مستقلة عن وزير البلدية الذي يحدد عديد أعضاء كل مجلس بلدي حسب فئة وحجم المدينة، ورغم ان ثلثي أعضاء المجالس البلدية منتخبون الا انها تعتبر"عمليا" إدارات تابعة لوزارة البلدية مهمتها دراسة احتياجات وشكاوي المواطنين ومراقبة أداء البلديات ومشروعاتها ثم اعداد تقاريرها واقتراحاتها ورفعها للوزير الذي يملك الحق في قبولها أورفضها كما ورد في نظام المجالس البلدية الصادر في يوليو 2014.
وقد كان الاقبال على مجمل مراكز الانتخابات ضعيفا يوم الاقتراع فلم يدلي بصوته فعليا سوى 703 الاف مواطن يمثلون نسبة 47% من اجمالي الناخبين المسجلين رسميا في كشوف الانتخابات البالغ عديدهم 1.5 مليون ناخبا من اجمالي عدد السعوديين .
ولقد أثارت نسبة الإقبال المتدنيّة تساؤلات كثيرة من المتابعين والإعلاميين عن الأسباب الحقيقية لعزوف السعوديين عن الانتخابات هل هي في النظام الانتخابي او ضعف صلاحيات المجلس ومنهم الصحفي السعودي سليمان العقيلي المقرب من السلطات السعودية، ربما تكون مقاطعة أكثر من 90% من المواطنين السعوديين الذي تنطبق عليهم شروط الانتخابات من السعودين البالغ عديدهم 20 مليون سواء كانوامن المقيدين أو غير المقيدين في سجلات الانتخابات البلدية ترجع لحداثة التجربة الإنتخابيّة وضعف الوعي السياسيّ لدى شريحة واسعة من المجتمع السعوديّ ممّن تسيطر عليه المفاهيم القبليّة والدينيّة. وقد تكون مقاطعة الإنتخابات احتجاجاً صامتاً من قبل شريحة كبيرة من السعوديّين المثقّفين والمتابعين، الّذين لا يرون أيّ جدوى من الإنتخابات الحاليّة. كما لم يقتنعوا بإنتخابات عام 2011، وكان الاقبال ضعيفا لم يتجاوز 39% من اجمالي 432 الف ناخب، وقد تكون المقاطعة نتيجة اقتناع السعوديّين بتصريحات بعض الناشطين الحقوقيّين، الّذين يرون أنّها إنتخابات شكليّة لا فائدة منها في ظلّ الملكيّة المطلقة، ويطالبون بالملكيّة الدستوريّة، كالمحامي السعوديّ عبد العزيز الحصّان الّذي كتب في حسابه على "تويتر" "الإنتخابات البلديّة عرس إعلاميّ للاستبداد".
وكذلك، رأى رئيس منظّمة القسط لحقوق الإنسان السعوديّ يحيى عسيري على حسابه في تويتر أنّ الإنتخابات شكليّة، وأنّ مشاركة المرأة جاءت تحت ضغوط أوروبيّة.
كما اعلن عدد من المعارضين السعوديين السنة المقيمين في لندن موقفهم الرافض لكل توجهات النظام الملكي في السعودية وتعارض وجوده بالأساس وتدعو الى تغييره بنظام شعبي منتخب، منهم المعارض السعودي المقيم في لندن سعد الفقيه رئيس الحركة الإسلامية للإصلاح السنية الذي وصف على قناته الخاصة الرابع عشر من ديسمبرالانتخابات البلدية في السعودية بانها محاولة لإضفاء الشرعية على الحكم السعودي .
وكذلك المعارض الشيعي السعودي مدير ومؤسس معهد شؤون الخليج في واشنطن علي الأحمد الذي طالب في الحادي عشر من ديسمبر على حسابه في تويتر بمقاطعة الانتخابات ووصفها بانها إهانة لكرامة الشعب.
وقياساً للخطوات المحدودة والمتأخّرة الّتي تتّخذها المملكة العربيّة السعوديّة في مجال الحريّات والمشاركة السياسيّة مثل تعيين المرأة في مجلس الشوري والموافقة على اجراء انتخابات جزئية للمجالس البلدية وانشاء هيئة حقوق الانسان، لا يتوقّع السعوديّون خطوات ملكيّة أكثر جرأة على المدى المنظور كإنشاء مؤسّسات وهيئات منتخبة تراقب أداء الحكومة في الشؤون الداخليّة والخارجيّة، وتحاسبها برلمانيّاً وإعلاميّاً، لأنّ نقد الحكومة نقد لرئيسها وهو الملك، ونقد أداء وزارتي الدفاع والداخليّة نقد لولاية العهد، وهذه من المحظورات في الإعلام السعوديّ والمؤسّسات الرسميّة. وعادة ما يوجّه الإعلاميّون السعوديّون نقدهم إلى الوزارات الخدميّة كوزارات الصحّة والبلديّة والمواصلات وإلى شخص وزيرها إذا كان من غير الأمراء، ويتحاشون نقد وزارتي الداخليّة والدفاع، لكونهما وزارتان سياديتان يتولى كل منهما أمير.
العشرات من السعوديات اللاتي رشحن انفسهن لانتخابات المجالس البلدية وكن على علم بضعف دور المجالس البلدية وافتقارها للصلاحيات والقرار، واجهن كثير من الصعوبات الإدارية والاجتماعية عندما دخلن الانتخابات مثل سعاد "ليس اسمها الحقيقي" وهي احدى المرشحات لعضوية المجلس البلدي في مدينة جدة الساحلية "غربالسعودية"، سألها مراسل (المونيتور) عشية يوم الاقتراع عن مدى ثقتها بجدية الحكومة في اشراك المواطنين وخاصة المرأة في صنع القرار من خلال المجالس البلدية،
قالت سعاد: أنها تعتقد ان أصحاب القرار في المملكة العربية السعودية غير جادين بعملية اشراك المواطن في إدارة البلاد، الا انها تفضل التعامل بإيجابية مع كل قرارات الحكومة في مجال التطوير والإصلاح مهما كانت ضعيفة او بطيئة لان هذه الطريقة "كما تقول حنان" تشكل مدخلا آمنا لدعاة الإصلاح السياسي ونشطاء حقوق الانسان لمواصلة مطالبهم في الضغط على الحكومة السعودية لتقديم المزيد من الخطوات الفاعلة في مجال المشاركة الشعبية و إدارة الدولة.