حلب، سوريا – بدأت القوّات الروسيّة عمليّاتها في سوريا، بعد ساعات قليلة من حصول الرئيس فلاديمير بوتين على موافقة مجلس الاتّحاد الروسيّ في 30 أيلول/سبتمبر، لاستخدام القوّات الجويّة الروسيّة خارج حدود البلاد. وتعلن روسيا أنّ هذه العمليّات تهدف إلى دعم النظام السوريّ جويّاً ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش"، إلّا أنّها في الواقع تستهدف قوّات المعارضة والجيش السوريّ الحرّ خصوصاً، الأمر الذي يطرح التساؤلات: هل جاءت القوّات الروسيّة لمحاربة "داعش" أم المعارضة؟
في اليوم الأوّل للغارات الروسيّة في سوريا في 30 أيلول/سبتمبر، أعلنت وزارة الدفاع الروسيّة على لسان المتحدث باسمها إيغور كوناشينكوف أنّ الطيران الحربيّ الروسيّ نفّذ حوالى 20 غارة على ثمانية أهداف لتنظيم "داعش" في سوريا، من دون أن تشير تفصيلاً إلى مكان هذه الغارات، إلّا أنّ القصف الروسيّ استهدف حقيقة مناطق سيطرة المعارضة في تلبيسة والرستن في ريف حمص، واللطامنة في ريف حماة ومناطق أخرى.
وعبر الـ"سكايب"، أكّد الناشط الإعلاميّ المقيم في تلبيسة في ريف حمص ماجد شعبان أنّ طائرات روسيّة قصفت البلدة في 30 أيلول/سبتمبر، متسبّبة في مقتل 18 مدنيّاً، وقال لـ"المونيتور": "القصف كان على غير العادة"، موضحاً أنّه "في البداية حلّقت طائرة استطلاع، وسرعان ما جاءت طائرتان معاً وقصفتا البلدة من على ارتفاع عالٍ بصواريخ عدّة في آن واحد... لم يسبق أن تقصف المقاتلات بهذا الشكل، لقد كان صوتهما وحجم الدمار على غير المعتاد (قصف النظام)".
وأعلنت الولايات المتّحدة الأميركيّة أنّ الغارات الروسية في 30 أيلول/سبتمبر لم تستهدف "داعش". وفي اليوم ذاته، قال وزير الدفاع الفرنسيّ جان إيف لو دريان إنّ "القوّات الروسيّة ضربت سوريا، والغريب أنّها لم تقصف "داعش"".
إنّ أيّ متابع للشأن السوريّ يعلم جيّداً أنّ محافظة إدلب تقع تحت سيطرة المعارضة في شكل كامل، باستثناء بلدتي كفريّا والفوعة الخاضعتين إلى سيطرة النظام، حيث طردت قوّات المعارضة تنظيم "داعش" من محافظة إدلب في كانون الثاني/يناير 2014، إلّا أنّ وزارة الدفاع الروسيّة تصرّ على أنّ سلاحها الجويّ قصف في 1 تشرين الأوّل/أكتوبر مواقع لتنظيم "داعش" في إدلب، في حين تظهر تسجيلات نشرت على الإنترنت أنّ القصف الروسيّ استهدف حينها لواء صقور الجبل التابع إلى الجيش السوريّ الحرّ، الأمر الذي أكّده أيضاً بيان صادر عن لواء صقور الجبل في 1 أكتوبر/تشرين الأوّل. وأوضح البيان أنّ الغارات الروسيّة استهدفت مقرّاً له قرب قرية حاس في جبل الزاوية في ريف إدلب.
وقد استهدف سلاح الجوّ الروسيّ فصائل أخرى من الجيش السوريّ الحرّ، منها فرقة عاصفة الحزم والفرقة الساحليّة الأولى في ريف اللاذقيّة. كما نعت حركة تحرير حمص في 30 أيلول/سبتمبر أحد قادتها، الملازم أوّل إياد الديك جرّاء قصف الطيران الروسيّ الريف الشماليّ في حمص.
وقال الناطق الإعلاميّ لتجمّع العزّة، أحد فصائل الجيش السوريّ الحرّ، علاء الدين صالح لـ"المونيتور" إنّ الطيران الروسيّ قصف مقرّاً لتجمّع العزّة في 30 أيلول/سبتمبر قرب اللطامنة في ريف حماة، وأضاف: "تسبّب القصف الروسيّ في أضرار ماديّة واسعة وسقوط جرحى عدّة من مقاتلينا".
يبدو أنّ موسكو تجعل من "داعش" وسيلة لكسب التأييد الدوليّ في تدخّلها في سوريا، في حين تركّز غاراتها على أحد ألدّ أعداء "داعش"، أيّ قوّات المعارضة والجيش السوريّ الحرّ المصنّف ضمن "المعارضة المعتدلة" التي تدعمها الولايات المتّحدة الأميركيّة. لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما الذي يدفع موسكو إلى استهداف المعارضة دون د"اعش"؟
من المؤكّد أنّ القوّات الروسيّة جاءت إلى سوريا لدعم نظام بشّار الأسد، وإنّ ذلك يقتضي محاربة قوّات المعارضة التي تتلقّى الدعم من دول عدّة مثل قطر والسعوديّة والولايات المتّحدة الأميركيّة وغيرها، بينما يتولّى التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة مهمّة محاربة "داعش"، العدوّ الآخر الذي يواجهه النظام السوريّ.
في الوقت الراهن، يفضّل النظام السوريّ محاربة قوّات المعارضة التي تتنامى قوّاتها عن محاربة "داعش"، وهو ذاته مستعدٌ إلى تقديم الدعم إلى "داعش" في حال هاجمت قوّات المعارضة، كما حدث في حزيران/يونيو في ريف حلب الشماليّ عندما دعم النظام جويّاً هجوماً لـ"داعش" على المعارضة انتهى بسيطرة "داعش" على بلدة صوران وخمس قرى أخرى.
ينظر النظام بعين القلق إلى التقدّم الذي أحرزته قوّات المعارضة في محافظة إدلب، والذي مكّنها من الوصول إلى معقله في الساحل السوريّ، بالتوازي مع هجوم آخر لقوّات المعارضة ممثّلة بجيش الإسلام على تخوم العاصمة دمشق، وسيطرتها في 9 أيلول/سبتمبر على تلّ كردي الاستراتيجيّ وعلى أوتوستراد رئيسيّ يصل حمص بالعاصمة.
وقال الكرملين في 1 تشرين الأول/أكتوبر إنّ الهدف من الغارات الروسيّة هو مساعدة قوّات النظام السوريّ في "مواقعها الضعيفة"، حيث تتركّز معظم الغارات التي شنّتها روسيا حتّى الآن في أرياف حمص وحماة واللاذقيّة وإدلب القريبة من الساحل السوريّ، الذي تتواجد فيه القواعد الروسيّة.
لذلك، فإنّ دعم القوّات الروسيّة النظام السوريّ يتركّز على تأمين الساحل من هجمات المعارضة الذي باتت على مشارفه، في حين تستغلّ موسكو وجود "داعش" لتسويق تدخّلها في سوريا أمام المجتمع الدوليّ.