القاهرة - "سينما المساجد"... هكذا عرفت إعلاميّاً الفكرة التي طرحها أمين عام الهيئة العالميّة لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء ITQAN عثمان عبد الرحيم في تصريحات صحافيّة له في 16 آب/أغسطس 2015، حيث يرجّح أنّه لم يتوقّع أن تلاقي مبادرته ما لاقته من انتقادات.
وطالب عبد الرحيم أن تتحوّل المساجد إلى ما أسماه بـ"مراكز إشعاع حضاريّ" ومؤسّسات ذات مشاريع تنمويّة، وألّا يقتصر دور المسجد على الجانب التعبّديّ فقط، مضيفاً: "يجب أن تكون داخل المسجد قاعتا مسرح وسينما، ولكن بضوابط شرعيّة، إضافة إلى مشاريع تنمويّة، ويتم نقل قيم المسجد إلى الناس عبر مسارات التنمية التي تستخدم فيها الكلمة والصورة والشعر ولكن بضوابط شرعيّة".
وأوضح عبد الرحيم أنّه لا يقصد أن تكون قاعات السينما والمسرح تلك داخل ساحات المساجد، وإنّما ملحقة بها، وأن يقتصر دورها على عرض الموادّ التوعويّة العلميّة والاجتماعيّة.
وعلى الرغم من إيضاح عبد الرحيم، وصف وكيل وزارة الأوقاف في الإسكندريّة صبري عبادة، في لقاء له عبر برنامج "السادة المحترمون" الذي يبثّ على فضائيّة "أون تي في" في 17 آب/أغسطس، فكرة تأسيس السينما والمسارح في المساجد بـ"الكلام الفارغ". وشرح عبادة موقفه لـ"المونيتور" قائلاً: "خصّصت المساجد للصلاة والعبادة فقط، ولا يجوز شرعاً أن تتضمّن أيّ نشاط آخر".
وخلال استضافة عبادة في برنامج "السادة المحترمون"، نشبت مشادّة كلاميّة بينه وبين عبد الرحيم بعدما اتّهمه عبادة بالخيانة وتنفيذ أجندات خارجيّة، كما اتّهم الهيئة العالميّة لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء بالعمالة وتلقّي الدعم والتمويل من دول معادية، من دون أن يسمّيها.
كما انتقد نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفيّة الدكتور ياسر برهامي، في تصريحات صحافيّة له في 16 آب/أغسطس 2015 فكرة تحويل المساجد إلى ما أسماه عبد الرحيم بـ"المراكز الحضاريّة"، قائلاً: "أسّست المساجد للصلاة ولذكر الله"، مستشهداً بحديث للرسول محمّد قال فيه: "لمن باع أو اشترى في المسجد قولوا له لا أربح الله تجارتك، إنّ المساجد لم تبن لهذا"، وحديث آخر جاء فيه: "إنّما بنيت للصلاة ولذكر الله ولتلاوة القرآن".
إلّا أنّ الانتقادات لم تكن وحدها سيّدة الموقف، حيث قال أستاذ الشريعة الإسلاميّة في جامعة الأزهر الدكتور عبد الفتّاح إدريس لـ"المونيتور" إنّ إشراف إدارة المساجد على تقديم عروض مسرحيّة وسينمائيّة وخدمات رياضيّة وثقافيّة في أماكن ملحقة بالمسجد وليس في ساحة الصلاة لا يتنافى مع الشرع، وأضاف: "الأدلّة التي تحدّث عنها برهامي لتحريم تأسيس قاعات السينما والمسرح تتحدّث عن ساحة الصلاة، أمّا إذا ألحقت تلك القاعات بالمساجد خارجيّاً، فلا سبب لتحريمها، تماماً مثل دور المناسبات الملحقة بالمساجد".
وشجّع إدريس على أن تقدّم إدارات المساجد أنشطة فنيّة وثقافيّة ورياضيّة بضوابط شرعيّة، وأن تلحق بالمسجد، بخلاف قاعات السينما والمسرح، ملاهي للأطفال وقاعات للتدريب على الحاسب الآليّ واستخدام الإنترنت وقاعات للممارسة الرياضيّة. وتابع: "ستزيد تلك الأنشطة من ارتباط الأطفال والشباب بالمساجد، وستسمح لهم بممارسة كلّ تلك الأنشطة التي تجذبهم تحت إشراف إدارة المسجد لحمايتهم من الانحراف بسبب ممارستها في شكل غير مناسب".
وقال عضو مجمع البحوث الإسلاميّة محمّد الشحات الجندي لـ"المونيتور" إنّه لا يوجد سبب واحد لتحريم تأسيس قاعات سينما ومسرح ملحقة بالمساجد خارج ساحة الصلاة، إذا كانت تقدّم موادّاً تتوافق مع الشرع، وإنّ المسجد في عهد الرسول محمّد كان يستخدم في مناقشة كيفيّة حلّ المشاكل الاجتماعيّة للمسلمين، وهو ما يمكن أن تقدّمه موادّ مصوّرة أو مسرحيّة، وتكون أكثر جذباً بالنسبة إلى الشباب من الدروس والخطب. وأضاف: "كان المسجد أيضاً يستخدم في دعوة غير المسلمين، وللقاء وفود بلاد أخرى جاءوا ليطّلعوا على مبادئ الإسلام للدخول فيه، لذلك يمكن للأفلام والعروض المسرحيّة أن تقدّم الغرض نفسه في شكل أكثر جذباً، ويمكن أن تكون أداة للردّ على تشويه صورة الإسلام بسبب المتطرّفين".
الجدير ذكره أنّ دعوة عبد الرحيم إلى إقامة أنشطة فنيّة وثقافيّة في المساجد ليست الأولى من نوعها، حيث انتقدت الممثّلة سهير المرشدي، في مداخلة هاتفيّة لها على قناة "أون تي في" الفضائيّة في 14 آذار/مارس 2014، كيفيّة إدارة المساجد قائلة: "يوجد إرهاب في المسجد ولا يوجد إرهاب في الكنيسة، لأنّ الكنائس فيها مسارح وسينما، والمسجد غابت عنه الثقافة والعلم والوعي".
وفي ظلّ كلّ ما سبق، يبقى الموقف الرسميّ للدولة الصمت، على الرغم من أنّ عبد الرحيم أعلن في تصريحاته في 16 آب/أغسطس أنّ دعوته مطروحة أمام وزارة الأوقاف ضمن مشروع عالميّ لتطوير أداء المساجد، ولا يعبّر رفض عبادة لها عن رفض رسميّ للأوقاف، حيث أنّه ليس متحدّثاً رسميّاً، وهو على خلاف مع قيادات الأوقاف ممّا أدّى إلى مشادات بينه وبين وكيل الأوقاف في أسيوط أدّت إلى إحالتهما إلى التحقيق في أواخر آب/أغسطس 2015.
كما يظلّ موقف الأزهر غامضاً، حيث اكتفى وكيل الأزهر عبّاس شومان في تصريحات صحافيّة له يوم 25 أغسطس 2015 بأن ينفي وجود أيّ صلة للأزهر بعبد الرحيم أو بالهيئة العالميّة لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء التي قال أنّ الأزهر يرفض التعامل معها، من دون أن يفصح عن الأسباب، وأنّ تعامل بعض أساتذة وشيوخ الأزهر معها يتمّ في شكل شخصيّ، وأخيراً أنّ قبول مشروع عبد الرحيم يخصّ الأوقاف ولا يخصّ الأزهر.
وربما يرجع سبب خلاف الأزهر مع الهيئة العالمية لضمان جودة الدعوة إلى مارس 2015 عندما تأسس فرعها في القاهرة ودعا وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة أن تكون الهيئة جهة لتقرير المواصفات الواجب توافرها في المساجد والأئمة والمناهج الدينية، ولقيت تلك الدعوة رفض علماء وأساتذة الأزهر الذين رأوا في ذلك انتقاصا من صلاحيات مؤسستهم ودعوا إلى أن يكون الأزهر المسئول الوحيد عن تقرير تلك المواصفات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن فرع الهيئة الرئيسي يقع في بروكسل.
في ظلّ ما سبق، يبدو أنّ الجدل حول مبادرة عبد الرحيم حول تطوير المساجد كان جزءاً من الصراع الفكريّ داخل المؤسّسات الدينيّة المصريّة، بدءأ بالأزهر الذي يرفض التعامل مع الهيئة العالميّة لضمان جودة الدعوة وتقييم الأداء، على الرغم من قبول أساتذته لها ولمبادرة أمينها العامّ عبد الرحيم، وصولاً إلى وزارة الأوقاف التي اتّهم وكيلها الهيئة وأمينها العامّ بالعمالة وتنفيذ أجندات خارجيّة، على الرغم من أنّ فرع الهيئة في مصر تشكّل بعضويّة وزير الأوقاف نفسه في مجلس إدارتها وبموافقته على تأسيسها في 4 آذار/مارس 2015.
ويبدو أنّ تلك الصراعات ستعرقل محاولات تطوير المساجد، على الرغم من أنّها طبّقت في العديد من المساجد على مستوى العالم، ومن بينها على سبيل المثال العروض المسرحيّة التي نظّمتها إدارة مسجد محمّد الفاتح في تركيا في حزيران/يونيو 2012، وأصبحت تقدّم في انتظام احتفالاً بافتتاح دورات تحفيظ القرآن في المسجد. كذلك نظّم مسجد الخير في مدينة سيئون في اليمن في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر 2013 احتفالاً ضمّ مسابقات رياضيّة وعروضاً فنيّة بمناسبة افتتاح دورات تحفيظ القرآن.