بغداد - يهتف الجميع في العراق بتحرير المناطق المحتلة من قبل داعش؛ ولكن الخلافات الجارية بين الاطراف المشاركة بالتحرير تعوق هذه المهمة. فيجري حاليا صراع بين القوات التابعة للاقليات من اهالى نينوى ومنها الايزيديين والقوات الكوردية التابعة لاقليم كوردستان. وهذا من شأنه أن يؤجل عملية تحرير مناطق الاقليات في سهل نينوى.
بعد اكتساح "داعش" سنجار في آب/أغسطس العام الماضي، أسّس الإيزيديّون خلال تعرضهم للهجوم، وفي شكل مستقلّ، قوّة عسكريّة من المتطوّعين تعرف باسم "قوّة حماية سنجار" (HPS) بقيادة حيدر ششو الذي قدم من ألمانيا ليكرّس نفسه لقيادتها من أجل تحرير المدينة، ورفع المقاومون الإيزيديّون راية خاصّة بهم أصبحت رمزاً لهم.
لكنّ هدف تحرير المدينة من تنظيم "داعش" أصبح أكثر تعقيداً في ضوء صراع النفوذ بين أطراف سياسيّة عدّة في شأن سنجار. ففي الوقت الذي رفع الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ تنظيماته هناك من مستوى هيئة إلى مستوى قيادة، نصّب الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ (KDR) قاسم ششو قيادة لواء عسكريّ يرأس قوّة إيزيديّة أخرى تعمل تحت مظلّة البيشمركة. أمّا الفاعل الآخر والأكثر تنظيماً في سنجار فهو حزب العمّال الكردستانيّ. وبذلك، ظهرت ثلاث ميليشيّات إيزيديّة حسب ما يتلي، تصارع ضدّ "داعش" من جهّة، وتخفي صراعاً داخليّاً كرديّاً في شأن هذه المنطقة الحيويّة من جهّة ثانية، وهي:
١- وحدات المقاومة في سنجار (YBS)، وتعدّ جزءاً من حزب العمّال الكردستانيّ (PKK)، وتتكوّن من إيزيديّين من تركيا وسوريا، وتضمّ وحدة خاصّة بالنساء سمّيت "وحدات حماية المرأة" (YPJ)، التحق بها عدد من الإيزيديّين الأوروبيّين، لا سيّما من ألمانيا التي تعدّ البلد الأوروبيّ الأوّل الذي يضمّ أكبر جالية أيزيديّة خارج العراق، حسب ما أفاد ناشطون مجتمع مدني إيزيديّون في ألمانيا لـ"المونيتور" رفضوا الكشف عن هويّتهم.
وجرى تدريب تلك القوّات التي تتكوّن من 1200 مقاتل على يدّ وحدات الحماية الشعبيّة الكرديّة في سوريا، وهناك العديد من المتطوّعين الإيزيديّين الذين يتلقّون تدريباتهم في محافظة الحسكة السوريّة، حسب ما اطلع المونيتور من مقاتلين ايزيديين من تلك القوات آنفة الذكر.
ومضى حزب العمّال الكردستانيّ (PKK) خطوة أبعد في تأسيس وحدة إداريّة أطلق عليها تسمية "الإدارة الذاتيّة لسنجار" في نهاية العام الماضي. وأسّس "مجلس إيزيديّي سنجار" في الوقت نفسه الذي ضمّ 27 عضواً يمثّلون النازحين الإيزيديّين في مخيّم نوروز في ديرك/المالكيّة في محافظة الحسكة، والمخيّمات الموجودة في تركيا وفي جبل سنجار، يتولّون مهمّة التأسيس لإدارة ذاتيّة في المقاطعة (حسكة). وقد وصف الرئيس مسعود مصطفى بارزاني في كانون الثاني هذا العام ذلك بأنّه "خطوة من قبل الـPKK في اتّجاه تشكيل كانتون سنجار".
٢- وحدات حماية سنجار (HPS) التي تعدّ ثاني أكبر قوّة مسلّحة إيزيديّة، تقاد من قبل حيدر ششو وتتكوّن من 5000 مقاتل، وتضمّ 400 امرأة. وتحتفظ قيادة هذه القوّة بعلاقة مع حزب الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ، فقائدها عضو في الحزب.
ونتيجة الصراع السياسيّ القائم من أجل السيطرة على سنجار، جرى اعتقال قائد HPS حيدر ششو في بداية شهر نيسان/أبريل الماضي من قبل الأجهزة الأمنيّة في إقليم كردستان، ممّا أجّج مشاعر الإيزيديّين، وانطلقت موجة منالتنديدات والمظاهرات في 7 نيسان/أبريل في مناطق تواجد الإيزيديّون وداخل مخيّمات اللاجئين في إقليم كردستان مثل زاخو وغيرها، بحسب ما أفاد ناشطون إيزيديّون لـ"المونيتور" من داخل هذه المخيّمات (مخيمات الاقليم)".
وتمنع وزارة البيشمركة (KDR) أيّ قوّة عسكريّة مستقلّة، وتتلخّص سياستها في أن تعمل كلّ القوّات المسلّحة الخاصّة بالمكوّنات الدينيّة والقوميّة تحت مظلّتها وتتبع أوامرها. ولا يقتصر غضب KDR على أنّ ششو شكّل قوّة خارج إطارها، وتسلّم مبالغ ماليّة من جهّة أخرى من دون علم الإقليم، بل في تحدّيه سلطة الإقليم بتشكيل قوّة مستقلّة وإدارة وعلم مختلفين لهذه المنطقة (سنجار)، على حدّ تعبير رئيس إقليم كردستان بارزاني في الثامن من ابريل هذا العام.
كشفت هذه الأزمة طبيعة صراع الإرادات السياسيّة لممارسة النفوذ على هذه القوّات بين الأكراد والشيعة، في مناطق يعدّها الأكراد جزءاً غير قابل للانفصال من مناطقهم، في حين أنّها تخضع إداريّاً إلى الحكومة الاتّحاديّة. كما تكشف من ناحية أخرى الصراع بين الحزبين الكرديّين الكبيرين، الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ والحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ في شأن سنجار.
بعد إطلاق سراح ششو في 13 نيسان/أبريل نتيجة ضغوط الحزب الوطنيّ الكردستانيّ، لا تزال هذه القوّة التي أبدت نزوعاً استقلاليّاً، تخوض جدلاً في شأن جدوى انضمامها إلى وزارة البيشمركة الكرديّة. ويتركّز الاعتراض الأساسيّ على عدم رغبتها في تغيير اسمها، لأنّ العشرات من أعضاء وحداتها قتلوا تحت هذه التسمية التي ينبغي الحفاظ عليها إكراماً لهم، بحسب ما أفاد الباحث الإيزيديّ في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني صائب خدر لـ"المونيتور".
٣- القوّة المسلّحة الثالثة يقودها قاسم ششو، وتعمل تحت إشراف البيشمركة في الأراضي المحيطة بمزار مقدّس لدى الإيزيديّين هو ضريح شرف الدين الذي حاول "داعش" إحراقه عند اجتياحه سنجار. وكان قاسم ششو والمئات من الإيزيديّين قد دافعوا بقوّة عن هذا المزار، ولم يغادروا المنطقة بعد اقتحام "داعش" سنجار في شهر آب/أغسطس العام الماضي.
يتمثّل التطوّر الأخير في هذا الصراع على النفوذ، في إعلان البارزاني بمناسبة الذكرى السنويّة الأولى لاكتساح سنجار في 3 آب/أغسطس 2015، بجعل المنطقة محافظة مرتبطة بالإقليم، وعدم تسليمها إلى أيّ جهّة كانت.
ويرى الباحث المتخصّص في الشؤون الإيزيديّة في جامعة Bamberg-ألمانيا ماجد حسن لـ"المونيتور"، أنّ هذا الإعلان يوضح أهميّة سنجار في مستقبل الصراع السياسيّ في شأن قيادة إقليم كردستان، إذ أنّ الوزن الديموغرافيّ للإيزيديّين فيها يصل إلى نصف مليون، ويشكّل ذلك عامل جذب للـKDR الذي بدأ يفقد قواعده الجماهيريّة في إقليم كردستان بفعل المنافسة مع أحزاب المعارضة الكرديّة الأخرى، مثل الاتّحاد الوطنيّ الكردستانيّ وحركة التغيير، فضلاً عن تصاعد نفوذ التيّارات الإسلاميّة في كردستان.
ويبدي الناشط الإيزيديّ حسام سالم في لقاء مع "المونيتور" قلقه من أنّ مدينته ستظلّ محطّ صراعات سياسيّة دائمة، ويقول: "لقد زالت ثقة الإيزيديّين بالأطراف كافّة. فالحكومة الاتّحادية فشلت في تأمين الحماية لنا عندما اجتاح "داعش" محافظة نينوى، وحكومة محافظة نينوى بدورها كانت عاجزة لسنوات عن إدارة المحافظة على نحو كفوء وعادل، أمّا حكومة الإقليم فتتحمّل مسؤوليّة انسحاب قوّات البيشمركة وتخلّيها عن سنجار على نحو مكّن "داعش" من التقدّم لاحتلال المدينة وارتكاب فظاعات لا توصف".
لا يمكن الحديث بسهولة عن مستقبل سنجار من دون تحريرها من القوّة الرابعة التي تنازع الجميع، ألا وهي تنظيم "داعش" . ويبدو أنّها مهمّة عسيرة في ضوء الصراع على النفوذ.