رام الله، الضفّة الغربيّ - شكل الافراج عن طالبة الإعلام في جامعة بيرزيت وعضو فرقة الفنون الشعبيّة لينا خطاب (18 عاماً) يوم 11 حزيران/ يونيو من سجون الاحتلال مرحلة انتقالية مهمة في حياتها، لما تركته تلك التجربة من اثار على شخصيتها ونظرتها لمستقبلها. نرصدها هنا.
وقد اعتقلت قوّات الاحتلال لينا في 13 كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، وقدّمت إلى المحاكمة 11 مرّة، وحكم عليها في 16 شباط/فبراير بالسجن لمدّة 6 أشهر وغرامة ماليّة قدرها 1500 دولار.
لم يكسر الاعتقال روح لينا، التي استطاعت خلال اعتقالها تعلّم اللغة العبريّة على يدّ الأسيرات، واتّقان تطريز "الخرز والحرير"، مدلّلة على ذلك بعرض قطع صنعتها داخل السجن في غرفة الاستقبال في منزلها، كاشفة عن تعليمها الأسيرات بعض المهارات في الدبكة الشعبيّة.
وتعرّضت لينا لحظة اعتقالها (الساعة 12 ظهراً) إلى ضرب شديد ومعاملة قاسية قرب سجن عوفر غرب مدينة رام الله، وهي تروي لـ"المونيتور": "هاجمني جنديّان وانهالا عليّ بالضرب الهمجيّ والقاسي بأيديهم وأرجلهم، ومن ثمّ سحباني إلى الجيب العسكريّ، حيث كان يتواجد جنديّان، ليكرروا جميعاً ضربي حتّى وصلنا إلى معسكر عوفر".
وتضيف: "بعد وصولنا، اقتادني الجنود خارج الجيب وهدّدوني بالقتل، وكان أحد الجنود الأربعة يتكلّم العربيّة. ومن ثمّ وضعوني في غرفة صغيرة تعرّضت فيها إلى التفتيش والتحقيق، وأنا مقيّدة بكرسيّ حديديّ وملابسي ممزّقة ويداي تسيل منهما الدماء لمدّة ساعتين، لينقلوني بعد ذلك إلى مركز تحقيق لا أعرفه".
في مركز التحقيق، وضعت لينا في "زنزانة باردة تحت الأرض"في 13 كانون اول / ديسمبر (نفس يوم الاعتقال) كما تقول، قبل أن تتعرّض إلى تحقيق من قبل مجنّد ومجنّدة في "الشاباك"، بدأ الساعة الثالثة عصراً واستمرّ حتّى ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي، وتقول لينا ان ضابطا الشاباك وجها إليها تهمة قذف الحجارة وكسر جيب عسكريّ، وإصابة جنديّ في رأسه. تضيف لينا: "نفيت تلك التهم، ورفضت التعاطي معهما وإخبارهما عن تعرّضي إلى الضرب لحظة الاعتقال خشية أن يستغلّوا ذلك للضغط عليّ، أو ضربي على تلك الأماكن".
استمرّت معاناة لينا مع نقلها إلى سجن هشارون فيساعات الصباح الأولى يوم 14 كانون الاول ديسمير عقب انتهاء التحقيق، حيث تمّ وضعها في زنزانة فرديّة لمدّة يومين من دون أن تكون حتّى اللحظة قد تمكّنت من الدخول إلى المرحاض أو تناول الطعام، رافضة التعاطي مع العيادة الطبيّة قائلة: "رفضت التعاطي مع العيادة خشية أن يستغلّوا ذلك للضغط عليّ، على الرغم من أنّني كنت أتألّم من يدي اليمنى التي لم أستطع إغلاقها وفتحها، وكذلك ركبتي وظهري حيث كانت ضربات الجنود لا تزال مؤلمة وظاهرة على جسدي".
وعن الزنزانة، تقول لينا: "كانت مساحتها صغيرة جدّاً، فيها سرير حديديّ وحمّام مكشوف على الغرفة، وكاميرا مراقبة في الزاوية، لذلك لم أستطع الدخول إلى الحمّام. في أوقات كثيرة، كانت مياه المجاري تخرج إلى أرضيّة الزنزانة برائحتها الكريهة، في ظلّ عدم وجود تهوية، ممّا يصيبك بالغثيان. كنت أهرب من هذا الواقع بعدم التفكير به، أو سرق لحظات من النوم".
بعد يومين في الزنزانة، انتقلت لينا إلى قسم 2 في سجن هشارون، حيث حظيت باستقبال جيّد من الأسيرات الفلسطينيّات كما تقول: "استقبلنني بحرارة وقدّمن إليّ الملابس بدلاً من ملابسي الممزّقة، وأعددن الطعام ومنحنني ما أحتاج من ثقة وقوّة".
ويتكوّن قسم 2 في سجن هشارون حسب لينا من "6 غرف ضيّقة لـ22 أسيرة". وتقول: "يقسم الغرف ممرّ ضيّق صغير، توجد في نهايته غرف اعتقال للمدنيّات الإسرائيليّات اللواتي يقضين الوقت بالصراخ والسباب علينا. شبابيك الغرف صغيرة جدّاً ومقفلة بالحديد، وبالكاد نميّز الليل من النهار".
وتعاني الأسيرات حسب لينا من حافلة "البوسطة"، أي حافلة نقل الأسيرات، التي تتّصف بالرائحة الكريهة وضيق المساحة وارتفاع حرارتها صيفاً وبرودتها شتاء، إذ يتمّ إخراجهنّ من السجن الساعة الثالثة صباحاً إلى في اليوم الذي يكون هناك محكمة للاسيرة، ويعدن إليه الساعة الحادية عشرة ليلاً، ولا تقدّم إليهنّ سوى وجبة طعام واحدة في ذلك النهار كما تعانين من "غرفة الانتظار" في المحاكم التي تنتظر فيها الأسيرات فترة طويلة وتكون ضيّقة ومن دون حمّام، إضافة إلى افتقار العيادة الطبّية إلى ممرّضة نسائيّة، حيث لا يوجد فيها سوى ممرّض واحد ويتعامل في شكل سيّء مع الأسيرات، ولا يقدّم إليهن سوى حبّة مسكّن للألم.
وعن اليوم في السجن، تقول لينا: "يوميّاً، نستيقظ في الساعة 4 صباحاً لمدّة 15 دقيقة من أجل ما يعرف بـ"العدد"، بعد ذلك نعود إلى النوم حتّى التاسعة حين يبدأ السجّانون بالضرب على الجدران بالعصي في عمليّة أقرب إلى التفتيش بعدما يخرجونا من الغرف لمدّة 15 دقيقة، نعود بعدها إلى الغرف حتّى الساعة العاشرة والنصف، موعد الخروج إلى ساحة السجن حتّى الساعة الواحدة، حيث نعود إلى غرف السجن حتّى الساعة الثانية والنصف موعد الخروج الثاني إلى الساحة حتّى الساعة 5 مساء حيث يتمّ إغلاق غرف السجن علينا حتّى الصباح".
وتضيف لينا: "نقضي الوقت الأكبر في الحديث مع بعضنا، إضافة إلى تعلّم التطريز بالخرز والحرير، أو القراءة في بعض الكتب المحدودة"، مشيرة إلى أنّ الأسيرات ينظّمن في نهاية كلّ شهر يوماً مفتوحاً تقدّم فيه كلّ أسيرة فقرة كانت تحرص لينا أن تكون إمّا دبكة شعبيّة أم فقرة مسرحيّة، ممّا شجع بعض الأسيرات على تعلّم الدبكة.
وعن الآثار التي تركها السجن على شخصيّة لينا، تقول: "في السجن، كنت أشتاق إلى كلّ شيء في الخارج. وقتها، أدركت معنى الحريّة والأمل، وهو الشيء الذي تعاظم وكبر في نفوس الأسيرات اللواتي بتن لا يتحدّثن سوى عن صفقة تبادل للأسرى يخرجن بموجبها. هذا الأمل كان دائماً موجوداً لديهنّ ويكبر يوماً بعد آخر حتّى تحوّل إلى هوس".
وبعد تجربة الاعتقال، تخطّط لينا لإكمال دراسة البكالوريوس في الإعلام، ومن ثمّ نيل شهادة الماجستير في حقوق الإنسان أو القانون الدوليّ، لإيصال صوت المظلومين من الفلسطينيّين إلى العالم قائلة: "لو قدّر إليّ أن أوصل صرخة طفل فلسطينيّ واحد ومعاناته بسبب الاحتلال إلى العالم، فسيكون ذلك الإنجاز الأهمّ في حياتي".