رام الله، الضفّة الغربيّة — بينما كانت الصحافيّة الفلسطينيّة ناهد أبو طعيمة 43 عاماً تسعى إلى استئجار منزل لها في مدينة رام الله، وجدت أنّ هناك صعوبة بالغة في ذلك كونها امرأة، وازدادت الصعوبة بعد ما علم صاحب البيت بأنّها "مطلّقة". وقالت أبو طعيمة، الّتي تشغل منصب منسّقة وحدة الجندر في مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت لـ"المونيتور": "واجهت صعوبة في إيجاد بيت للإيجار، لأنّي امرأة مطلّقة، إذ كان أصحاب البيوت يقولون لي أنت امرأة، فأين سنجدك لتحصيل الإيجار؟".
ودفعت هذه الحادثة وعشرات الحالات المماثلة مع نساء، ناشطات في الضفّة الغربيّة إلى إطلاق حملة بعنوان: "معاً لإلغاء الحال الإجتماعيّة "مطلّقة" من الهويّة" لمطالبة الجهات المسؤولة في السلطة الفلسطينيّة بإلغاء الحال الإجتماعيّة في البطاقة الشخصيّة.
وفي هذا السّياق، قالت مؤسّسة الحملة منى هواش لـ"المونيتور": "أطلقت الحملة في أبريل/نيسان الماضي، وهي تلقى رواجاً وتفاعلاً من قبل الناشطات والمؤسّسات النسويّة لوقف المضايقات الّتي تتعرّض لها النساء بسببها".
وأشارت إلى أنّ المرأة المطلّقة تضطرّ، في كثير من الأوقات، إلى إبراز بطاقتها الشخصيّة لإنجاز معاملة رسميّة أو سفر أو تسديد فواتير، ممّا يعرّضها إلى المضايقات والتدخّل في شؤونها الشخصيّة، وأحياناً إلى التحرّش بها من خلال طرح أسئلة حول أسباب الطلاق، وظروف حياتها الشخصيّة، وهو أمر تمّ توثيقه من خلال عشرات النساء، ممّا يؤكّد أنّ هناك تمييزاً بحقّ المرأة يزداد مع معرفة حالها الإجتماعيّة.
ورغم أنّ الحملة بدأت إلكترونيّاً وعبر وسائل الإعلام، ولكنّها بحسب هواش "ستتّخذ بعد انتهاء شهر مضان شكلاً آخر سيتجسّد في عقد ورش عمل للنساء، والتّخطيط مع المؤسّسات النسويّة لتنسيق آليّات العمل من أجل الضغط على صنّاع القرار لاتّخاذ الإجراءات اللاّزمة والمطلوبة، خصوصاً في ظلّ عدم وجود مسوّغ شرعيّ يمنع ذلك".
وكانت وزارة الداخليّة قد بدأت العمل في 11 فبراير/شباط من عام 2014 بقرار حذف خانة الديانة من البطاقة الشخصيّة، استجابة إلى قرار من الرّئيس محمود عبّاس، بهدف المساواة بين المواطنين من دون تمييز في العرق واللّون والديانة، وهو ما يطمح اليه القائمون على حملة إلغاء الحال الإجتماعيّة.
من جهتها، أشارت الصحافيّة الناشطة في الحملة فاديا صلاح الدين لـ"المونيتور" إلى أنّ إلغاء الحال الإجتماعيّة للمرأة، سيقلّل من الآثار السلبيّة عليها، ويحدّ من التدخّلات في حياتها الشخصيّة ويوقف التّمييز ضدّها في المعاملات الّتي تكون مضطرة فيها الى إبراز البطاقة الشخصيّة، ممّا يحافظ علی خصوصيّتها، وقالت: "هذا الإجراء سيدفع إلى التّعامل مع المواطنين كأفراد، لا بناء علی حالهم الإجتماعيّة".
أضافت: "هناك تواصل مع الجهات الرسميّة في وزارة الداخليّة للبحث في إقرار القانون، ولكنّ لم يتمّ إنجاز شيء حتّى الآن. كما تمّ التوجّه إلى قاضي القضاة محمود الهباش لعرض المسألة عليه، فأكّد ألاّ قانون شرعيّاً يمنع إزالة الحال الإجتماعيّة من الهويّة الشخصيّة.
من جهتها، لفتت القاضية الشرعيّة خلود الفقيه لـ"المونيتور" إلى أنّه لا يوجد أيّ مسوّغ شرعيّ يمنع إلغاء الحال الإجتماعيّة من البطاقة الشخصيّة، وأنّ الأمر لا علاقة للقضاء الشرعيّ به، وقالت: "برأيي، إنّ الحال الإجتماعيّة تلزم وزارة الداخليّة بالإجراءات والتسجيل فقط، ولكن لا أعتقد أنّ وجودها في البطاقة الشخصيّة أمر ضروريّ. ولا مشكلة من الناحيتين القضائيّة والشرعيّة بوجود الحال الإجتماعيّة في بطاقة الهويّة، لكنّ لها آثاراً سلبيّة من الناحية الإجتماعيّة في ظلّ النّظرة المجتمعيّة السلبيّة للمرأة المطلّقة المستمدّة من الموروث المجتمعيّ".
بدوره، قال الناطق الرسميّ باسم وزارة الداخليّة صلاح جابر لـ"المونيتور": "إنّ وضع خانة الحال الإجتماعيّة في البطاقة الشخصيّة يستند إلى قانون الأحوال المدنيّة، الّذي تتّبعه الوزارة في تسجيل معلومات المواطنين".
ورغم ترحيب وزارة الداخليّة بالفكرة، إلاّ أنّها أبدت بعض التحفّظات مثل ضرورة مواكبة فلسطين لمحيطها من الدول العربيّة، الّتي تستخدم في الحال الإجتماعيّة كلمة "متزوّج" أو "غير متزوّج" فقط، ولا تلغيها، في الوقت الذي لا تستطيع فيه اتّخاذ قرار كهذا يحتاج إلى سلطة تشريعيّة.
وأكّد القائمون على الحملة أنّهم سلّموا الداخليّة طلباً بتغيير الحال الإجتماعيّة، ولكن جابر أكّد أنّ الاستجابة لهذا الطلب يحتاج إلى تشريع من المجلس التشريعيّ أو قرار بقانون من الرّئيس محمود عبّاس لإقراره والعمل به.
وتطرح هذه الحملة أسئلة حول ما تمّ إنجازه من حقوق النساء في فلسطين، وإذا كانت المضايقات تجاه النساء ستتوقّف إذا ما تمّت الاستجابة للحملة؟
وأشارت أبو طعيمة إلى أنّ مشكلة التّمييز ضدّ المرأة لن تنتهي في حال إلغاء الحال الإجتماعيّة من بطاقة الهويّة، لأنّ جوهر المشكلة يكمن في ذهن المجتمع وثقافته تجاه النساء، ولكن هذه الخطوة ستعتبر تدبيراً يخفّف من التّمييز وتبعاته، وقالت: "إنّ أساس المشكلة يكمن في مسألة غياب القوانين والبيئة التشريعيّة الّتي تنصف المرأة في ظلّ العمل بقوانين قديمة، وهو ما يتطلّب من صنّاع القرار اتّخاذ التدابير المطلوبة لإنصاف النساء".
أضافت: إنّ قضايا النساء لا يتمّ التّعامل معها على محمل الجدّ. ولذلك، نجد أنّ النساء لا يثقن بالإرادة السياسيّة، الّتي لم تقم بتغيير القوانين السارية واتّخاذ تدابير تستطيع تحقيق مساواة بين الرّجل والمرأة، خصوصاً قانوني العقوبات والأحوال الشخصيّة. من القضايا التي يتضمنها القانون وفيها انتهاك للمرأة هي حضانة الأطفال، خصوصاً البنات اللواتي يبلغن، إذ أنّ القانون يجعل الفتاة في رعاية الأب، على الرغم من أنّها تكون في أمسّ الحاجة إلى رعاية الأمّ، وعدم قدرة المرأة على تطليق نفسها، في حال كان الزوج عاقراً ولا ينجب.
اضافة الى غياب قانون عقوبات جديد يضمن وجود احكام مشددة ضد مرتكبي الاعتداءات على النساء خاصة في ظل جرائم القتل التي يتم وضعها تحت مسمى "القتل على خلفية الشرف".
من جهتها، قالت رئيسة طاقم شؤون المرأة سريدة حسين، وهي من الأطراف الداعمة للحملة لـ"المونيتور": خلال الفترة المقبلة، سيتمّ البحث والتّخطيط مع كلّ الأطراف للإتّفاق على آليات العمل من أجل تحقيق هذا المطلب، مؤكّدة أنّ إلغاء هذا البند لن يتمّ إلاّ بممارسة ضغط قويّ من المؤسّسات النسويّة والمجتمع والمهتمين، على صنّاع القرار، مشيرة إلى أنّ القضايا الإجتماعيّة ليست مهمّة لدى صنّاع القرار، كما هي القضايا الإقتصاديّة والسياسيّة.
ورغم مصادقة الرّئيس عباس في الثامن من مارس/آذار عام 2009 على إتفاقيّة القضاء على كلّ أشكال التّمييز ضدّ المرأة "سيداو" بما ينسجم وأحكام القانون الأساسيّ، إلاّ أنّ النساء الفلسطينيّات ما زلن يأملن ويسعين لدى الجهات الرسميّة لإنصافهنّ بإقرار قوانين منصفة لهنّ.