القاهرة — أثار قرار إعادة العمل بنظام الكتاتيب في الجامع الأزهر كخطوة لإعادة هيكلة العمل الدعوي والعلمي للجامع الأزهر الكثير من التساؤلات حول مدى مواكبة الكتاتيب للعصر، ومدى مساهمتها في تحصين الأطفال من الفكر المتشدد والمتطرف وتنمية قدراتهم على الفهم، خاصة في مرحلة عمرية تعد الأهم في تشكيل ثقافة الطفل ووعيه.
وبالرغم أن الكتاتيب لم تختفي نهائياً ولكن تراجع الاهتمام عنها بشكل كبير في القرى والمدن، نتيجة لعدة أسباب أهمها الأوضاع المالية لوزارة الأوقاف وكذلك بسبب انتشار المدارس العامة والخاصة في القرى والمدن
فضلاً عن ذلك يثير هذا القرار الجدل حول توقيت ظهوره في ظل محاولات الأزهر لتجديد الخطاب الديني، بينما يلجأ إلى أساليب علمية قديمة قد عفا عليها الزمن، ومن ثم مدى مواكبته لأية مشاكل قد تنتج عن عودة الكتاتيب أبرزها التلقين.
الكتاتيب هي منابر تعليمية تقوم على تحفيظ القرآن وتعليم قواعد القراءة والكتابة، وكان يتم الاستعانة بها للنهضة العلمية الأزهرية من قبل محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، ولكن تراجع الاهتمام عنها في العقدين الماضيين، وذلك بسبب انتشار مدارس الأطفال في جميع المدن والقرى المصرية. ويبدو أن الأزهر أراد استكمال جهود وزارة الأوقاف للسيطرة على المساجد من الجماعات الإسلامية، خاصة وأن بعض الشيوخ كانت تشكو من سيطرة السلفيين على الكتاتيب، وربما أيضاً لقطع الطريق على أية محاولات لتجنيد الأطفال من قبل الإسلاميين.
ومن هنا، يقول الدكتور محمد مهنا، عضو المكتب الفني لشيخ الأزهر والمشرف العام على رواق الجامع الأزهر، في حديثه مع "المونيتور" أن عودة الكتاتيب جاءت بناءاً على تعليمات من شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب للنهوض بالجامع الأزهر واستعادة تاريخه وتراثه العلمي والفكري والدعوي. مشيراً إلى أهمية الكتاتيب في استعادة دراسة المناهج الأزهرية الوسطية. وأوضح أن الدراسة في الكتاتيب لا تتقيَد بسن معين، أي أنها دراسة "حرة" وتبدأ الدراسة على مراحل وهي الابتدائية والمتوسطة والعليا.
ونوًه مهنا أن عودة الكتاتيب هي جزء من خطة متكاملة تشمل عدة محاور للجامع الأزهر؛ منها رواق الفكر والثقافة، وندوات دائمة في القضايا المثارة على الساحة الفكرية والثقافية والاجتماعية، وإنشاء صالون ثقافي يناقش فيه القضايا الجدلية مثل علاقة الدين بالسياسة والعولمة.
ولكن هل تتواكب الكتاتيب مع التطور التكنولوجي الحاصل في مصر، يجيب مهنا: "الكتاتيب عادت بأساليب حديثة كاستخدام القلم الالكتروني بديلاً عن اللوح الخشبي، وتعليم المواد الشرعية باللغات الأجنبية".
أما عن آلية الرقابة على الكتاتيب، فيؤكد مهنا أن جامع الأزهر تابع لمكتب وكيل الأزهر وأنه يتابع هذا الأمر شخصياً مع وجود إدارة تتابع كافة النواحي الخاصة بالأزهر أي هناك إشراف تام. وأردف: "كل رواق مسئول عنه أستاذ مختار بعناية وفقاً لمسابقات".
وأكد مهنا أن الهدف من الكتاتيب ليس فقط حفظ القرآن الكريم بل فهمه، خاصة وأن الكتاتيب قائمة على علوم القرآن، وعلم الحديث، وعلم الفقه وعلم الكلام وعلوم اللغة العربية والأدب. وبالتالي هو علم متكامل وليس مجرد حفظ، حسب مهنا. وشدًد على أن الكتاتيب لن تقتصر على جامع الأزهر، بل أنها ستشمل مساجد أخرى على انحاء مصر بالتنسيق مع وزارة الأوقاف.
كما تثير عودة الكتاتيب التساؤل حول مدى نجاح أو فشل الأزهر في استخدام المناهج التربوية الحديثة، خاصة وأن المناهج الأزهرية تٌتهم من قبل البعض بأنها تعتمد على التلقين، في وقت أشار فيه بعض الأزهريين أن الأزهر أيضاً يعاني من ضعف في المستوى التعليمي.
ومن هنا، ترى إيمان رسلان، خبيرة متخصصة في التعليم، أن التعليم الأزهري يسيطر عليه الخطاب السلفي والوهابي. وتضيف في حوارها مع "المونيتور": "الأزهر غير وسطي حتى يقوم بتربية الأطفال على العلم الوسطي، بل سيقوم على جذب التيارات المتطرفة". ووصفت التعليم الأزهري في مصر بتعليم الفقراء. وتشرح: أي أن كل فقير ينضم للأزهر ويتعلًم التلقين من كثرة المواد التي تُدرَس له وهو هدف الأزهر، حتى لا يفهم الدين الصحيح". واعتبرت رسلان التعليم الأزهري بالعنصري، لأنه لا يسمح بدخول المسيحيين. كما اعتبرت خطوة عودة الكتاتيب، بأنها محاولات لتكريس الخطاب الديني وليس تجديده. واستطردت بالقول: "الأزهر يجنًد الأطفال مثل الإخوان المسلمين لتكريس أفكار معينة دون فهمها أو مناقشتها".
وفي مقابل ذلك، يرفض المفكًر جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، اتهامات البعض بأن الكتاتيب تساعد على التلقين. مفندا في حواره مع "المونيتور" هذه الاتهامات بالقول: "الكتاتيب تساعد على حفظ القرآن الكريم، وإحاطته بالمعنى العام للإسلام مع فرز أي مقولات دينية لا تتفق مع الأصل الأول للقرآن". فضلاً عن امتلاك الطالب لشحنات كثيرة من الإيمان والعلم تجعله دائماً مهيئاً لطرح الأسئلة ومناقشاً لكل ما يٌقال له، حسب قطب. ولا يرى أن التغيرات الحاصلة في مصر تمنع الكتاتيب من تحقيق هدفها، بل رأى أنها تجعل الطفل أكثر إنتاجاً وتحصيلاً من الكتاتيب في عصرها السابق.
أما المخاوف التي قد تثيرها عودة الكتاتيب، فيقول الباحث الزائر في مركز كارنيجي للشرق الأوسط الدكتور جورج فهمي، أنها قد لا تضيف جديد عن التعليم العام. وتابع في حواره مع "المونيتور": قد تكون أيضاً محاولة لكسب المال دون رسالة حقيقية، تكون إدارة لنشر أفكار متطرفة عن الدين. لذلك، شدًد فهمي على ضرورة التدقيق في عملية اختيار الشخص الذي سيدرًس للتلاميذ، وضمان التفتيش وعمل دورات تحضيرية للأئمة لكيفية التعامل مع التلاميذ. لأن النتيجة، حسب فهمي، ستكون كتاتيب تقليدية قائمة على التلقين كما اشتهرت الكتاتيب في أذهاننا.
قرار إعادة العمل بالكتاتيب يعبًر عن مساعي الأزهر لتجديد الخطاب الديني، ومحاولة السيطرة على المساجد التي عانت من أفكار وخطاب التيارات الإسلامية المتشدًدة، ولكنه في الوقت ذاته يثير مخاوف حول قدرة الأزهر على التجديد بالاعتماد على أمور وآليات قديمة للغاية لا تتناسب بأي شكل مع ثقافة الجيل الجديد، فنجاح الأزهر في تجديد الخطاب الديني يظل مرهوناً بقدرته على بلورة أفكار من خارج الصندوق.