مدينة رفح، قطاع غزة - أنفاق التهريب التي يحاول الجيش المصري إنهاء وجودها، على الحدود الجنوبية لقطاع غزة، منذ الاطاحة بحكم الرئيس السابق مرسي في يونيو 2013، بعملية هدمها وتوسيع المنطقة العازلة، بعضها لا تزال متجذرة بعمق وتعمل نتيجة المخاطر الجمّة بنشاط حذر، والناتجة عن تخلخل تربة الأنفاق، والرقابة الشديدة على المهربين، واستهدافهم بقنابل الغاز; لأنها تبقى السبيل الوحيد لإدخال المواد التي تمنع إسرائيل إدخالها عبر معبر كرم أبو سالم، المعبر التجاري الوحيد لغزة، وتباعاً فهي وسيلة للهروب من الضرائب التي تفرضها حماس على واردات ذلك المعبر، منذ توليها ادارة القطاع، وما أضافته من ضرائب جديدة في إبريل الماضي .
التقت مراسلة المونيتور في مدينة رفح، جنوب القطاع، بـ "أبو رائد"وهو اسم مستعار لأحد تجار الأنفاق، والذي يمتلك نفقاً لتهريب البضائع على الحدود مع مصر، حيث قال في حديثه أن "غزة لا تزال بحاجة لمزيد من الأنفاق رغم هدم معظمها".
ولفت أبو رائد إلى أنه يقوم بتهريب كل ما تمنع إسرائيل استيراده عبر معابرها، وكل ما تفرض عليه حماس ضرائب مرتفعة، مبيناً "أعمل على تهريب الدخان المصري لأن الطلب عليه كبير، لانخفاض ثمنه، في حين لا يوجد مصانع للدخان في غزة، بل يتم استيراده من صنع الضفة وتفرض عليه حماس ضريبة قيمتها 17%، أو من صنع أجنبي وتفرض عليه حماس ضرائب مرتفعة جداً".
وقال أبو رائد :"يدعي الجيش المصري بأنه يهدم الأنفاق لوقف تدفق مسلحين سلفيين من غزة إلى سيناء، لكن ذلك غير صحيح، فغزة مغلقة ومعزولة عن العالم، وأنفاق تهريب الأشخاص لازالت موجودة لكن من المستحيل هروب أي شخص عبرها كما كان في العام الماضي، وما قبله، لشدة الرقابة على المنطقة".
كما أضاف أبو رائد أن " العمل في الأنفاق بات أكثر تأزماً من ذي قبل، والعمل يتركز على تهريب كل ما خف وزنه وكبُر ثمنه، وزادت الحاجة إليه في غزة".
ويذكر أبو رائد :"نقوم بتهريب قطع غيار للدراجات النارية، التي تمنع إسرائيل استيرادها، كذلك سيخ اللّحام الممنوع لأسباب أمنية تتعلق بازدواجية استخدامها، ففي شقها المدني يحتاجها الحدادون في صناعة الأبواب، أما شقها العسكري فتدعي إسرائيل بأن المقاومة تستخدمه في صناعة الصواريخ المحلية". وأضاف:" كذلك محركات الثلاجات، سماعات الكمبيوتر، والأدوات الكهربائية كالمقدح الكهربائي الذي يصل سعره إلى 1000$ في غزة، لندرته، في حين نحضره من مصر ب380$".
وأوضح:"ليس ذلك فحسب، فنحن لا زلنا رغم المصاعب نهرب أنواع متعددة من المواد الكيميائية التي تمنع اسرائيل استيرادها من كرم أبو سالم، من ضمنها مادة الفيبرغلاس التي يحتاجها الصيادون، لإصلاح قواربهم الصغيرة –الحسكات- التي تتعرض للاعتداءات الاسرائيلية باستمرار".
ورغم ضيق التنفس الذي يعاني منه أبو رائد، بسبب الشوائب والأتربة التي سببها العمل في الأنفاق، لكنه يجد نفسه مجبرا على العمل في الانفاق حيث لا بدائل متوافرة، في ظل البطالة المرتفعة، غير العمل في الأنفاق، ينفق على أفراد عائلته العشرة.
وتحيط بعملية التهريب مخاطر أكثر من ذي قبل، كما أوضح محمد، 22 عاماً، وهو اسم مستعار لأحد عمال التهريب الذي يعمل مع أبو رائد. يقول محمد :"الجيش المصري يتعامل مع الأنفاق بكل حزم ووحشية، فهو قد يطلق النار مباشرةً على العمال، كما حدث مسبقاً وأصيب عامل بكمين محكم للجيش المصري، كما أننا أثناء العمل نشعر بخطر المدرعات التي تمشي فوق مسافة 1.5 كم جنوباً، وقد تؤثر على تربة الأنفاق، إننا مهددون بالموت في كل لحظة".
محمد الذي تخرج بدبلوم في درجة المحاسبة، وحاول البحث عن عمل، يقول بأن مجال التهريب في الأنفاق هو العمل الوحيد المتاح له، لكنه يرى بأن خطر انهيار النفق، أقل خطراً من الموت بأدوات الجيش المصري، معللاً "الجيش المصري يطلق قنابل مسيلة للدموع، أو مياه عادمة داخل النفق، في ظل كمية محدودة من الأكسجين، تجعل الموت أمراً محتماً، أما انهيار النفق فتكون خطورته أقل من ذلك".
وفي ذات السياق، نجا سبعة من عمال الأنفاق من الموت بعد عملية إنقاذ جهاز "الدفاع المدني" في غزة لهم صباح الأحد، 7مايو2015، بعد أن أعلن عن فُقدانهم تحت ركام نفق انهار عليهم بشكل جزئي، أثناء قيام آليات تابعة للجيش المصري بتدميره، في عملية ليست أخيرة له على ما يبدو، فما زالت حتى اللحظة مصادر اعلامية مصرية تتحدث عن مزيد من هدم الأنفاق على الحدود مع غزة.
ويبين أبو رائد أن المنطقة العازلة التي يعمل الجيش المصري على توسيعها، جعلت مسافة تزيد عن 1.5 كم على طول الحدود مكشوفة أمام الجيش المصري.
وتتخذ عملية تهريب المواد من القاهرة إلى رفح، طرق التوائية كثيرة، بدءاً من عملية ترحيل مخازن البضائع المرخصة من القاهرة، إلى مخازن لم يصلها الهدم في سيناء.
ومنذ الإطاحة بحكم الرئيس مرسي عام 2013، بدأ اقتصاد الأنفاق ينضب تدريجياً، بعد هدم الجيش المصري لأكثر من 80% من الأنفاق الحدودية، ليبقى معبر "كرم أبو سالم" الإسرائيلي، المنفذ الرئيسي والوحيد لإدخال مستلزمات الحياة لسكان القطاع، لكنه لا يفي باحتياجات القطاع كاملةً.
من جهته، يقول المتحدث باسم وزارة الاقتصاد الوطني في غزة، طارق لبد، لـ "المونيتور": "ما يدخل عبر معبر كرم أبو سالم لا يمثل ثلث الاحتياجات اليومية لغزة، حيث يدخل ما بين 300-700شاحنة بحد أقصى يومياً، شاملةً بعض مواد الإعمار، في حين يحتاج القطاع إلى 1600 شاحنة بشكل يومي".
ويوضح لبد أن عدد معابر غزة التجارية قبل فرض الحصار، كان يبلغ خمسة معابر تجارية، وهي معبر كارني للمواد التجارية، ومعبر صوفا للحصّمة ومواد البناء، ومعبر كرم أبو سالم التجاري، ومعبر ناحل عوز للمحروقات، ومعبر رفح البري كان يستخدم لأغراض تجارية أيضاً، قبل أن تغلق جميعها، وبقي معبر كرم أبو سالم الوحيد المفتوح أمام البضائع التجارية والمحروقات.
ولفت لبد إلى أن "معبر كرم أبو سالم معبر صغير نسبياً ولا يكفي لإدخال كافة احتياجات غزة، ناهيك أن الجيش الإسرائيلي قد وضع قائمة منع لمواد كثيرة كالخشب الطويل، ومواسير السباكة، والحديد، ويمنع إدخالها منذ 2007م، بحجج واهية، أبرزها أن تلك المواد تستخدم لأغراض عسكرية، في حين أن القطاعات المدنية بحاجة ماسة لها".
ورغم كافة المخاطر لا زال الغزيّون يتشبثون بالأنفاق الحدودية، التي بدأت تندر وتنذر بمستقبل أسوأ; مالم يحدث تغيير سياسي مع كل من مصر وإسرائيل لتغيير الواقع السيء الذي يعيشه القطاع منذ حصاره عام 2007.