القاهرة - في 27 أيّار/مايو 2015، استقبل الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيّب، لمناقشة جهود الأزهر في مواجهة التطرّف. بعد انتهاء اللقاء، أصدرت الرئاسة المصريّة بياناً جاء فيه: "أكّد الرئيس السيسيّ أهميّة مواصلة الأزهر دوره في هذه المرحلة الدقيقة عبر تصويب الخطاب الدينيّ، وتنقيته من أيّ أفكار مغلوطة لمكافحة التطرّف والإرهاب".
وأضاف البيان أنّ "الطيّب استعرض خطوات بدأتها مؤسّسته لإصلاح التعليم الأزهريّ، وتعديل المناهج بما يتضمّن مواكبة للعالم المعاصر". فتح لقاء السيسي بالطيّب، الباب مرّة أخرى أمام الحديث حول صلاحيّة مناهج الأزهر للعصر الراهن، ومدى تضمّنها آراء قد تدفع دارسيها إلى اعتناق أفكار متطرّفة، وهو حديث ليس بجديد، خصوصاً أنّ إعلاميّين مؤيّدين للنظام المصريّ قالوا في أكثر من مناسبة إنّ مناهج الأزهر تؤسّس لـ"الإرهاب".
من ضمن هؤلاء الإعلاميين، الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، الذي قال أن الأزهر يوفر بيئة حاضنة للإرهاب، كما اتفق معها زميله في نفس القناة "Ontv" يوسف الحسيني، الذي قال أن أعضاء جامعة "بوكوحرام" المتطرفة في نيجيريا خريجو الأزهر.
نفى المتحدّث الإعلاميّ باسم جامعة الأزهر الدكتور أحمد زارع لـ"المونيتور" أنّ تكون المناهج الأزهريّة داعمة للتطرّف، وقال: "تدرّس مناهج الأزهر منذ أكثر من 1000 عام، ولم يظهر الإرهاب إلّا أخيراً".
وأضاف زارع لـ"المونيتور": "الحديث حول أنّ المناهج الأزهريّة فيها أفكار إرهابيّة، ما هو إلّا حملة إعلاميّة تستهدف تقزيم دور الأزهر، بل والإسلام نفسه، لا سيّما وأنّ العديد من قادة العالم والمفكرين درسوا هذه المناهج الأزهرية حينما كانوا طلابًا".
يذكر أن من بين خريجي الأزهر، الرئيس العراقي الحالي فؤاد معصوم، والأديب المصري الراحل، طه حسين.
أمّا عن الداعي إلى تطوير المناهج الأزهريّة الآن، يقول المتحدّث باسم جامعة الأزهر: "يستهدف التطوير توافق المناهج مع المعارف الجديدة، وليس لأنّها تحتوي أفكاراً إرهابيّة، إضافة إلى إيضاح آراء الأزهر في العلوم العصريّة"، مؤكّداً أنّ "التطوير يختصّ بالأساليب والأدوات، وليس بالثوابت".
ولم ينف زارع احتواء مناهج الأزهر على أفكار لا تنتمي إلى العصر قائلاً: "في التراث روايات لا تنتمي إلى هذا الزمن، ولا داعي إلى وضعها في المناهج".
أمّا الخبير التربويّ والباحث في المركز القوميّ للبحوث التربويّة في القاهرة الدكتور كمال مغيث فاختلف مع رؤية زارع قائلاً: "لم تؤلّف مقرّرات الأزهر لتكون مناهج دراسيّة أصلاً، ولكنها كتبًا دينية تم تأليفها قديمًا، في بيئات إسلامية بأواسط آسيا والعراق، وليس في عصرنا هذا".
ويضيف مغيث: "يجب أن تعدّ المناهج الدراسيّة داخل الدولة التي تدرّسها وفقاً للعصر الراهن، والأهداف الوطنيّة للدولة، وهو ما يغيب عن مناهج الأزهر".
الدكتور أحمد حسني، نائب رئيس جامعة الأزهر، أكد لـ"المونيتور" أن الأزهر له العديد من المعاهد في معظم الدول العربية، وكل المناهج التي يتم تدريسها موحدة.
ويؤكّد الخبير التربويّ كمال مغيث، أنّ مناهج الأزهر لا تخلو من أفكار التطرّف والإرهاب، مضيفاً: "أقرّ شيخ الأزهر الراحل سيّد طنطاوي كتاباً دراسيّاً ينبذ التطرّف باسم الوسيط في الفقه الميسر، إلّا أنّه بمجرّد وفاته، ألغى شيخ الأزهر الحاليّ الطيّب هذا الكتاب، وأعادوا تدريس كتب تشجّع على التطرّف".
واستبعد مغيث أن يأتي التغيير في المناهج الأزهريّة بنتائج إيجابيّة، قائلاً: "لقد تمّ السكوت عليها فترة طويلة، وساعدت على إنتاج متطرّفين".
إلّا أنّ المتحدّث باسم جامعة الأزهر أحمد زارع رفض هذا الحديث قائلاً: "ترفض الجماعات المتطرفة الأزهر أصلاً، ولا تعترف به، فكيف يتمّ وصفه بالمتطرّف"؟ وأكّد أنّ معظم المتطرفين الذين يتمّ ضبطهم ينتمون إلى كليّات غير أزهريّة.
يشار إلى أن محمد عبد المقصود، الداعية المحسوب على الإخوان المسلمين، قال في مقابلة تلفزيونية على قناة الشرق إن شيخ الأزهر الطيب: "جاهل.. وجاء لعلمنة الأزهر".
يذكر أنّه في تشرين الأوّل/أكتوبر 2007، قرّر شيخ الأزهر الراحل سيّد طنطاوي، إلغاء مادّة الفقه المذهبيّ للأئمّة الأربعة في المرحلة الإعداديّة والثانويّة الأزهريّة، والاكتفاء بتدريس الفقه الميسّر لمؤلّفه شيخ الأزهر الراحل، وهو ما أثار جدلاً ورفضاً من تيّارات إسلاميّة فوصف النائب الإخواني بمجلس الشعب علي لبن القرار حينها بـ"التدخل السافر في المناهج الأزهرية"، فيما وصفها بعض الأزهريين بأنّها خطوة إصلاحيّة لتنحية الخلافات المذهبيّة جانباً.
يتذكّر أستاذ الفقه المقارن في كليّة الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، وعضو لجنة المجالس القوميّة المتخصّصة التابعة لرئاسة الجمهوريّة المصريّة "شعبة التعليم الأزهريّ" منذ عام 2006 الدكتور سعد الدين الهلالي، الجدل الذي دار آنذاك، ويقول لـ"المونيتور": "أحيل إليّ هذا الكتاب، وكان الإمام سيّد طنطاوي على قيد الحياة، وقلت إنّه يحتوي على بعض السلبيّات، فعلى الرغم من أن الكتاب كان إصلاحيًا، إلا أنه ضم قضايا فقهية قديمة لا تنتمي لهذا العصر".
ويرى الهلالي أنّ الأزمة الدائرة حاليّاً حول المناهج الأزهريّة، سببها عدم اتّباع اللوائح التي تنصّ على التطوير الدائم بصفة مستمرّة كلّ 5 سنوات، أيّ أنّ التنقيح يجب أن يحدث تلقائيّاً.
وأعلن الأزهر عن البدء في تطوير مناهجه للمرة الأولى في كانون الثاني/ يناير 2014، واستمرت اجتماعات المسؤولين بالأزهر في وتيرة بطيئة، حتى تم إعلان تطوير مناهج التعليم ما قبل الجامعي في آذار الماضي، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من التطوير في مناهج جامعة الأزهر بعد لقاء السيسي والطيب.
ويؤكّد الأستاذ في جامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، أنّ التطوير الذي بدأته المؤسّسة الآن، سيكون معيوباً، لأنّه يتمّ على عجلة وتحت ضغط الإعلام، ويؤكّد: "لو اتّبعنا اللوائح والقوانين منذ البداية، لم نكن لنقع في هذه الأزمة، إلّا أنّ بعض المسؤولين الأزهريّين يتّسمون بالكسل، ممّا أدّى إلى تراكم موادّ في المناهج الأزهريّة لا تصلح للعصر الراهن".
والمطالبة بتطوير المناهج الأزهريّة ليس بجديد، ولم يكن وليد لقاء السيسيّ بشيخ الأزهر. فالرئيس المصريّ كان قد أشار إليه خلال لقائه وفداً من الإعلاميّين أثناء زيارته إلى الكويت في كانون الثاني/يناير الماضي، حيث قال: "سيأخذ التغيير وقتاً، ويجب أن نصلح الأزهر ولا نهدمه، وأن نصل إلى لغة دينيّة تبني العقول بعيداً عن التطرّف".
إلّا أنّ المفكّر الإسلاميّ الدكتور كمال حبيب، لا يرى في المناهج الأزهريّة تشجيعاً على التطرّف، مؤكّداً أنّ التطرّف يأتي من الواقع الذي لا يوجد فيه تسامح، بل تمييز ورفض للآخر بسبب الإعلام.
ويقول حبيب لـ"المونيتور: "الأزهر موجود منذ 10 قرون، والتطرّف لم يظهر إلّا في سياق يشجّع عليه، والأزهريّون أقلّ الناس اتّجاهاً إلى العنف بسبب نظام تعليمهم الذي يجعل الطالب يشعر دائماً بأنّه لم يحصل من العلم على شيء، وما زال ينقصه الكثير".
ويرى حبيب أنّ التطرّف يأتي من خارج الأزهر بسبب البعض الذي يتعامل مع النصوص الدينيّة مباشرة من دون علم، وهو ما يولّد عنفاً وتطرّفاً.
ولم يتّفق المفكّر الإسلاميّ مع المناهج في شكل كامل، فيقول: "بعضها يحتاج إلى تجديد لتنحية الخلافات الفقهيّة الزمنيّة القديمة، كما يجب تدريس كتب الفلاسفة الغربيّين حتّى يتعرّف الدارسون على العالم، وينفتحوا عليه". ويوكّد أنّ عمليّة التطوير ستستهلك وقتاً وجهداً طويلين.
وأصبح تعديل المناهج الأزهريّة أمراً حتميّاً في ظلّ حملات إعلاميّة مستمرّة، وخطاب مصريّ رسميّ يؤكّد ضرورة تجديد الخطاب الدينيّ، إلّا أنّ كيفيّة التطوير، وما سوف يتمّ إلغاؤه أو إضافته يظلّان مثار جدل بين المتخصّصين وصانعي القرار أنفسهم.