القاهرة – في حوار خاصّ مع "المونيتور" في مكتبه داخل جامعة الأزهر بالقاهرة، كشف رئيس جامعة الأزهر الشريف الدّكتور عبد الحيّ عزب عن الخطوات الّتي قامت بها مؤسّسة الأزهر باتّجاه تنفيذ تكليف الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي في يوليو 2014 بتجديد الخطاب الدينيّ، والّتي بدأت بمراجعة المناهج الأزهريّة وتنقيحها من مفاهيم التشدّد، بل بمصادرة عدد من الكتب، فضلاً عن تنظيم قوافل دعويّة تستهدف بيوت الشباب ومراكزهم للوقوف أمام أفكار الجماعات المتطرّفة. وما زال عزب يحارب من أجل حذف دروس الرقّ والجزية من الكتب الدراسيّة، والّتي يستخدمها "داعش" وغيره من جماعات التطرّف للسطو على مقدّرات الشعوب.
وشدّد على براءة الأزهر من تربية داعش المتطرّفة، الّتي تنطوي على مفاهيم الجهاد الخاطئة، بينما الجهاد في الإسلام شرّع لردّ الاعتداء، لا للعداء والاعتداء.
ولقد كان الدّكتورعبد الحيّ عزب عميداً لكليّة الشريعة والقانون بنين في القاهرة، قبل تكليفه في أكتوبر/تشرين الأوّل من عام 2014 برئاسة جامعة الأزهر، ليصبح بذلك الرّئيس الـ13 للجامعة منذ تأسيسها في عام 1961. وكان تخرّج من كليّة الشريعة والقانون في القاهرة عام 1976 بتقدير جيّد جدّاً مع مرتبة الشرف، وله 48 مؤلّفاً علميّاً، ما بين كتاب وبحث علميّ، أهمّها الضوابط الشرعيّة للإفتاء، وضوابط الاجتهاد.
المونيتور: كلّف الرّئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي مؤسّسة الأزهر الشريف العمل على قضيّة تجديد الخطاب الدينيّ، فما دور جامعة الأزهر؟
عزب: ما أعلنه الرّئيس عبد الفتّاح السيسي كان بمثابة لفت نظر إلى الأزهر. وعلى الفور، بدأنا باتّجاه تحقيق هذا الهدف باعتباره واجباً دينيّاً وإجتماعيّاً وثقافيّأ. وبالفعل، إنّ أدوات تجديد الخطاب الدينيّ تملكها مؤسّسة الأزهر باعتبارها تمتلك أوّلاً جامعة الأزهر، وهي أقدم جامعة وأعرقها في العالم يدرس فيها حوالى 450 ألف طالب من غالبيّة جنسيّات العالم، فضلاً عن المعاهد الأزهريّة الّتي تنتشر في ربوع مصر. لقد بدأنا بمراجعة المناهج الدراسيّة والكتب الجامعيّة، ثمّ انطلقنا في ربوع مصر بالقوافل الدعويّة لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وامتدّت الحملة الدعويّة لتشمل بيوت الشباب في القرى والنجوع البعيدة لنصل إلى أكبر فئة من الشباب، وخصوصاً الّتي لا تذهب إلى المسجد للاستماع إلى مشايخ الأزهر في خطب الجمعة، والّتي باتت من أهمّ الأدوات العاملة على نشر الوسطيّة الإسلاميّة وتصحيح الفكر الدينيّ. ونحن نستهدف الشباب حتى لا يكونوا فريسة للانجراف خلف أفكار جماعات التطرّف. وحاليّاً، نعمل على وضع خطّة لتطوير كلّ المناهج الأزهريّة لتقديم مادّة سهلة تجمع بين الماضي والحاضر وتضمين الدروس والمحاضرات مواضيع تركّز على المفاهيم الإسلاميّة الصحيحة بحيث لا ينزلق الطالب خلف من يعملون على تجنيدهم لخدمة أغراض الإرهاب والتشدّد.
المونيتور: ما نتائج تلك المراجعة الشاملة للمناهج الأزهريّة، خصوصاً أنّ هناك اتّهامات لتلك المناهج بالتشدّد الدينيّ، وأنّها المرجعيّة الإيديولوجيّة لجماعات التطرّف وبصفة خاصّة "داعش"؟
عزب: أن يتّهم الأزهر بأنّه هو من قام بتربية "داعش" فهذا افتراء، إذ أنّه بريء من تربيته وغيره من الجماعات الّتي تنطوي على مفاهيم الجهاد الخاطئة وتقول هذا هو الإسلام، فالجهاد في الإسلام شرّع لردّ الاعتداء، لا للعداء والاعتداء. وإنّي أسأل كلّ من أساء إلى الأزهر بهذا الاتّهام، هل داعش أزهريّ؟ لا بل هو صناعة عدائيّة للعالم العربيّ والأمّة الإسلاميّة والعالم أجمع. وأقول لتركيّا خصوصاً انتبهي جيّداً فالإرهاب لا دين له ولا وطن. كما أقول للولايات المتّحدة الأميركيّة وأوروبا إن أرادتا الأمن لإسرائيل والأمان لأوروبا فنحن أهل الكتاب نؤمن بأنّ عليكما ردع تلك الجماعات المتطرّفة.
وفي ما يتعلّق بنتائج مراجعتنا للمناهج الأزهريّة، تمّت مصادرة عدد من الكتب. أمّا كيان المناهج الأزهريّة فبخير. وعلى عهدنا، سنبثّ علماً يقوّم مزاج الإنسان الاستقاميّ، وهذا القليل الّذي كان يسيء إلى المؤسّسة الأزهريّة تمّ استبعاده واستبعاد أشخاص يحملون فكراً متشدّداً وتحريضيّاً أو متعصّباً يحتاج إلى علاج، وجرى فصل 15 عضو هيئة تدريس. لم يكن الأمر أبداً مصادرة للفكر، إنّما من حقّ المؤسّسة الأزهريّة التدخّل في ما يمسّ برسالتها الساميّة الّتي تبثّها في العالم أجمع. ولقد شملت المراجعات أيضاً رسائل الدراسات العليا، وما تمّ المحاسبة عليه من خلال رسائل الماجستير والدكتوراه لا يتخطّى الخمس رسائل، إذ وجدنا فيها أموراً تتحدّث عن التشدّد والعداء للعالم، وكان لزاماً استبعادها.
المونيتور: هل فتحت الجامعة حواراً مع الطلاّب الّذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين لإقناعهم بالعزوف عن تنظيم المظاهرات الّتي ترفع شعار رابعة؟
عزب: نجحنا في مواجهة هذا الفكر المعادي للطلاّب من خلال حملات التّوجيه الطالبيّ بهدف مواجهة المظاهرات العنيفة، الّتي كانت تقف خلفها جماعة الإخوان. وإنّي أقول لهم، عليكم أن تعلموا أنّ في الإسلام من يربّي فكراً هو خير ممّن يربي جيوشاً. وفي ما يتعلّق بعلامة رابعة فهي تعادي الأوطان ومصنوعة للنّيل من الفكر.
المونيتور: في أبريل/نيسان من عام 2015، أكّدت ضرورة إلغاء مواضيع "الجزية" و"الرقّ" من المناهج التعليميّة في الأزهر، وهو ما وصفه مشايخ أزهريّون، ومنهم خالد الجنديّ، بالتخلّي عن ثوابت الدين بحذف أمور مذكورة في القرآن الكريم؟
عزب: قلت ليس كلّ ما نصّ عليه القرآن الكريم يطبّق حاليّاً على أرض الواقع، فتحدّث القرآن مثلاً عن الرق، وفقهيّاً إنّه أمر على سبيل الاستحسان والاستحباب أن يكون لديك رقيق وتعمل على تخليصهم من الرقّ، ولكن جماعة "داعش" وغيرها من جماعات التطرّف تطالب بتدريس الرقّ وإعادته. لذا، طالبت بأن نحصّن المناهج من هذه الأمور الّتي لم تعد تتناسب مع الزمن الحاليّ، ولا نخصّص لها مساحة في المناهج، وإنّما من الأولى أن نضع الأولويّات بما يخدم قضايا المرحلة. كذلك، هناك مفاهيم عن الجزية، فهي كانت بمثابة جباية ومصدر من مصادر الدولة في الإسلام، ولكن هذا المصدر لم يعد قابلاً للتّطبيق، فلا داعيّ لأن نظلّ نردّد هذا في دروسنا.
المونيتور: تتذرّع تركيا بتراجع أداء الأزهر ورسالته في تصحيح صورة الإسلام كسبب لإنشاء جامعة دينيّة بديلة عنه تكون وجهة للدارسين المسلمين من مختلف الدول، فما تعليقك؟
عزب: لو شيّدت المباني العظيمة لن تستطيع أن تشتري تاريخاً مثل تاريخ الأزهر وجامعته، حيث يدرس 70 ألف وافد من مختلف دول العالم حاليّاً. ومن المعروف أنّ وراء الدور التركيّ مفاهيم عنصريّة عثمانيّة ترغب في غزوات جديدة، ولكن على المستوى الفكريّ، بينما ميزة الأزهر أنّه لا ينطلق من عنصريّة، وإنّما من مفهوم الوسطيّة والتّعايش السلميّ ورفعة الإنسانيّة.
المونيتور: كيف يتعامل الأزهر مع أصحاب المذاهب الإسلاميّة الأخرى مثل الفكرين الشيعيّ والإباضيّ؟
عزب: رغم أنّ الأزهر يحتضن الفكر المعتدل، إلاّ أنّه يربّي أبناءه على الرأي والرأي الآخر، فالطالب الأزهريّ يدرّس الفقه بكلّ المذاهب، ومنها الإباضيّ. كما يحتضن الأزهر الفكر الشيعيّ بفروعه سواء أكانت الإماميّة أم الزيديّة، ولا يقف موقفاً معادياً من فكر معيّن، ونطلب بأن يعيش أبناؤه تحت عباءة الأزهر، بعيداً من العصبيّة والعنصريّة لننطلق بالمفاهيم الصحيحة.