رام الله، الضفّة الغربيّة — أثار التحرّك القطريّ الأخير المتمثّل في زيارة رئيس اللجنة القطريّة لإعادة إعمار غزّة السفير محمّد العمادي قطاع غزّة، ولقائه مسؤولين من حركة حماس، وكذلك مسؤولين إسرائيليّين غضباً وتخوّفاً غير معلنين داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينيّة. وينبع تخوّف السلطة وحركة فتح من التحرّك القطريّ، بعد حصول العمادي في شكل مباشر على موافقة إسرائيليّة خلال لقائه مع المسؤولين الإسرائيليّين على دخول مواد الإعمار إلى قطاع غزّة لصالح مشاريع الإعمار القطريّة، وهو ما يعني تهميش دور السلطة في ملفّ الإعمار، حسب مصدر فلسطينيّ مسؤول رفض الكشف عن هويّته.
وأضاف المصدر لـ"المونيتور": "تتخوّف السلطة من المقترحات السياسيّة التي تختبئ في المبادرات القطريّة واتّصالها مع إسرائيل مباشرة، خصوصاً ما طرحته من هدنة ثنائيّة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل، وإقامة مطار وميناء في غزّة".
وأضاف المصدر أنّ "العرض القطريّ عقد هدنة ثنائيّة بين حماس وإسرائيل، يعني تنحية السلطة عن دورها وقيادتها ومكانتها، وثم تنحية مصر عن رعايتها للملفّات الفلسطينيّة مع إسرائيل، ممّا قد ينتج عنه فصل غزّة عن الضفّة الغربيّة، وإقامة كيان مستقلّ في غزّة بتمويل قطريّ، وتهميش صلاحيات السلطة والحكومة في القطاع، وإبقاء سيطرة حركة حماس على الأرض والمعابر".
وكان العمادي أعلن عن قرب بدء مشاريع قطر في غزّة بعد وصوله إلى القطاع عبر معبر "إيريز" الإسرائيليّ الذي يفصله عن الضفّة، بدلاً عن طريق معبر رفح الفاصل بين غزّة ومصر، كما جرت عادة زيارة المسؤولين العرب إلى القطاع. وهو ما يكشف الخلاف المصري القطري، من خلال رفض مصر للوفد القطري بدخول قطاع غزة من معبر رفح، وقدرة قطر على التواصل مع اسرائيل.
سيتم تنفيذ مشاريع جديدة للبنية التحتية (شوارع، مدارس، وحدات سكنية، مستشفيات) وهذا يأتي تنفيذا لتعهدات قطر بدفع مليار دولار خلال مؤتمر المانحين الذي عقد في مصر. وحسب ما افاد به وزير الاشغال مفيد الحساينة لـ"المونيتور"، فأن قطر ستعمل على استكمال مشروع بدأت به ابان الحكومة الماضية حيث قامت ببناء الف وحدة سكنية، ليبقى امامها الفين وحدة سكنية ستقوم ببناءها.
ونشرت وسائل إعلام إسرائيليّة تسريبات عن وساطة قطريّة لإعادة إعمار قطاع غزّة، والتوقيع على هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحماس بعد لقاء السفير القطريّ شخصيّات إسرائيليّة رفيعة المستوى في الحادي عشر من اذار.
وعزّزت هذه التسريبات مخاوف حركة فتح، إذ قال أمين سرّ المجلس الثوريّ للحركة أمين مقبول لـ"المونيتور"، إنّ "هناك تخوّفاً وحذراً لدى الحركة من أيّ اتّصال مباشر مع إسرائيل في ما يتعلّق بقطاع غزّة، وإعادة الإعمار، أو أيّ قضيّة أخرى، خشية أن تستغلّ إسرائيل الأمر لفصل القطاع عن الضفّة، وإفشال مشروع الدولة الفلسطينيّة، وترسيخ الانفصال، ومنها الاتّصالات القطريّة-الإسرائيليّة".
وقال مقبول: "نحن مع إعمار قطاع غزّة، لكنّنا نخشى أن يكون خلف المشاريع الإعماريّة مشروع سياسيّ يمهّد للانفصال، ممّا يجعلنا نخشى استغلال إسرائيل النشاطات القطريّة لتحقيق أهدافها بفصل قطاع غزّة عن الضفّة"، مضيفاً أنّ "السؤال الأهمّ سيبقى: لماذا تذهب قطر مباشرة إلى إسرائيل"؟
لكنّ القياديّ في حركة حماس أحمد يوسف رأى خلال حديث إلى "المونيتور" أنّ "التحرّك القطريّ جاء استجابة إلى معاناة المواطنين في غزّة، وهو أمر لا يستدعي غضب البعض ومخاوفهم، ولا يوجد مبرّر للإساءة إلى قطر من أيّ جهّة كانت".
وأضاف يوسف: "جاء التحرّك القطريّ في ظلّ غياب الحكومة والسلطة عن غزّة، فلو كانت السلطة تمارس دورها تجاه قطاع غزّة، وتتبنّى هموم المواطنين ومشاكلهم، لما تقدّمت قطر أو غيرها لملئ الفراغ في شكل مباشر للعمل في مشاريع الإعمار".
وكان وفد من الحكومة برئاسة رامي الحمد الله زار قطاع غزّة في 25 آذار/مارس بتوجيه من الرئيس محمود عبّاس لتكريس المصالحة واستئناف حوار وطنيّ شامل. بعد أيّام من تبادل الاتّهامات بين حركتي فتح وحماس، اندلعت بعد اتهام وزارة الداخلية بغزة عناصر من الامن الفلسطيني التابع للسلطة في رام الله بالتسبب باعمال شغب والتجسس على المقاومة، في حين ردت على حركة فتح على حماس باتهامات مماثلة.
واعرب يوسف عن اعتقاده ان "التحرك القطري تجاه قطاع غزة دفعت السلطة وحكومة الحمد الله لزيارة غزة، وتقديم وعود بايجاد حلول لمشكلات القطاع، وربما قد احرج الحكومة والسلطة".
وأضاف: "ربّما كان تحرّك قطر بمثابة رسائل قويّة إلى السلطة الفلسطينيّة أنّ هناك من سيملأ الفراغ، وسيقوم بالعمل في حال عدم تحرّكها (السلطة)، وهو أمر فهمته السلطة، ممّا دفعها إلى التحرك صوب غزّة".
وكان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية قال في تصريحات في 22 اذار/مارس ان "حماس ليست مغلقة على أي أفكار هدنة مع إسرائيلفي إطار المشروع الوطني الفلسطيني" وهو ما يعني ان المبادرة القطرية التي تسعى اليها لتثبيت تهدئة بين غزة واسرائيل قد ترى النور، لكن حماس طمأنت السلطة وبددت مخاوفها، بأنها لن تقدم على هذه التهدئة الى بعد عقد تشاورات مع الكل الوطني، بمعنى ان يكون القرار فلسطينيا وبموافقة جميع الاحزاب.
لكنّ حكومة التوافق الوطنيّ قلّلت من المخاوف إزاء التحرّك القطريّ، إذ قال وزير الأشغال مفيد الحساينة عبر الهاتف لـ"المونيتور": "تمّ إبلاغ القطريّين أنّ الحكومة هي المسؤولة عن ملفّ الإعمار، وأنّ العمل يجب أن يكون من خلال وزارة الشؤون المدنيّة المسؤولة عن تسهيل دخول مواد البناء إلى غزّة بالتنسيق مع إسرائيل، وغير مسموح لأيّ طرف أن يقوم بذلك".
وأضاف الحساينة: "لدى الرئيس تخوّف من انفصال قطاع غزّة عن الضفّة، وهو ما يقضي على حلم الدولة الفلسطينيّة، ونحن نرحّب بكلّ التبرّعات من خلال الحكومة. وعلى الرغم من اجتماع السفير القطريّ مع الإسرائيليّين، لكنّ العمل يجب أن يكون ضمن آليّات الحكومة وأطرها، وهذا ما تمّ التوافق عليه مع الوزير العمادي".
وكان وزير الشؤون المدنيّة في حكومة التوافق حسين الشيخ قد تسلّم من السفير العمادي في 19 آذار/مارس، ملفّ الإعمار القطريّ.
وقال الشيخ لـ"المونيتور": "هناك تنسيق كامل مع القطريّين، قبل أن يتوجّهوا إلى قطاع غزّة وإسرائيل، وكلّ ما تقوم به الحكومة القطريّة يتمّ من خلال الحكومة الفلسطينيّة".
وأضاف: "نبذل كلّ جهد لتسهيل مهمّة القطريّين لإعمار غزّة، وقدّمنا كلّ ما يلزم لذلك، إذ اتّخذت الحكومة قراراً بإعفاء المنحة القطريّة من الضرائب".
من جانبه، عزا الكاتب والمحلّل السياسيّ جهاد حرب في حديث مع "المونيتور" تخوّف السلطة من التحرّكات القطريّة إلى "خشية من عزل قطاع غزّة عن الضفّة، واعتبارها دولة تبرم اتّفاقيّات كالتزوّد بالوقود أو الكهرباء مع إسرائيل بدعم قطر ورعايتها".
وأشار حرب إلى أنّه في ظلّ المناكفات الإقليميّة بين قطر وتحالف مصر والسعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة، يبدو أنّ هناك خشية من إمكان فصل قطاع غزّة عن الضفّة في إطار طموحات قطر أن تكون لاعباً مؤثّراً في المنطقة. وإذا ما تمّ تأمين بعض حاجات غزّة كالكهرباء وإدخال موادّ الإعمار، قد تلعب قطر دور وساطة بين غزّة وإسرائيل، حيث تكون بديلاً عن دور السلطة ومصر، ممّا سيغري حماس في إبقاء سيطرتها على غزّة.
وفي ظل بقاء الاحتلال، واستمرار معاناة قطاع غزة وحصاره، وترنح المصالحة بين حركتي فتح وحماس وعدم توحيد المؤسسات بشكل كاف، وقيام حكومة التوافق بايجاد حلول نهائية لمشاكل القطاع، ستبقى المخاوف قائمة ازاء ما يطرح عليهم من مشاريع سياسية، بعيدة عن مسعاهم لاقادمة دولة فلسطينية على اراضي 67، ضمن مشروع حل الدولتين الذي وافقة منظمة التحرير عليه