في التّاسع من ديسمبر/كانون الأوّل من عام 2014، منعت قوّات الاحتلال عشرات المزارعين الفلسطينيّين من زراعة أراضيهم في خربة عين الساكوت في الأغوار الشماليّة بالضفّة الغربيّة، والّتي تقدّر بعشرة آلاف دونم، وأعلنتها منطقة عسكريّة مغلقة، حالها كحال مناطق عدّة في الأغوار مثل وادي المالح.
وفي هذا السّياق، قال محافظ محافظة طوباس ربيح الخندقجي لـ"المونيتور": "إنّ منطقة الساكوت كانت تصنّف منطقة عسكريّة مغلقة ومنطقة ألغام منذ احتلالها في عام 1967، لكن بعد إزالة الألغام حاول المزارعون زراعتها، بما يملكونه من وثائق تؤكّد ملكيّتهم لها، لكنّ المستوطنين منعوهم من ذلك، ليتدخّل الجيش الاسرائيليّ بعد ذلك، ويعيد إعلانها منطقة عسكريّة مغلقة أمام الفلسطينيّين، لكنّها مفتوحة أمام المستوطنين للزراعة ونهب مياهها".
ويشكّك الفلسطينيّون بالذريعة الأمنيّة لسيطرة إسرائيل على الأغوار، إذ قال الخندقجي: "إنّ الرواية الأمنيّة الإسرائيليّة الّتي تتذرع بها لتمسّكها بالأغوار تكذّبها الإجراءات الّتي يقوم بها الجيش من مصادرة الأراضي من أجل التّدريبات العسكريّة، وتحويلها في ما بعد إلى مستوطنات زراعيّة والاستيلاء على مصادر المياه في الأغوار وملاحقة أيّ تواجد سكانيّ فلسطينيّ وتدمير المزروعات".
ويتكرّر النّموذج نفسه في منطقة غور الأردن، الّتي تعدّ بمثابة كنز لإسرائيل، كونها تجني منها مئات ملايين الدولارات سنويّاً، نتيجة استغلالها إقتصاديّاً، في الوقت الّذي يُحرم الفلسطينيّون منها ويمنعون من الاستفادة من مواردها تحت حجج وذرائع أمنيّة. ذرائع الجيش تتراوح بتصنيف الاراضي في الاغوار التي يسيطر عليها منطقة عسكرية مغلقة، منطقة تدريبات لجيش الاحتلال لا يسمح بتواجد احد بها، او منطقة الغام.
وتوصف منطقة غور الأردن بسلّة غذاء فلسطين، لما تتمتّع به من تربة خصبة وموارد مائيّة وظروف مناخيّة ملائمة، وهي تقع في الجزء الشرقيّ من الضفّة الغربيّة، وتمتدّ من محافظة أريحا في الجنوب إلى محافظة طوباس في الشمال بطول 68.5 كلم، ومن شواطئ البحر الميّت في الشرق حتّى المنحدرات الغربيّة لمحافظتي طوباس وأريحا في الغرب بعرض 24 كلم، وبمساحة (1600 كلم مربّع)، أيّ أكثر من ربع مساحة الضفّة الغربيّة الإجماليّ، ويقطنها نحو 57 ألف فلسطينيّ.
وبحسب معطيات مركز المعلومات الإسرائيليّ لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة "بتسيلم" فإنّ إسرائيل أقامت في غور الأردن وشمال البحر الميّت حتّى عام 2013، 39 مستوطنة تشمل تسع بؤر استيطانيّة غير مرخّصة، بلغ عدد مستوطنيها قرابة 11 ألف مستوطن.
وأشار "بتسيلم" إلى أنّ 85.2 في المئة من مناطق غور الأردن وشمال البحر الميّت محظورة أمام استخدام الفلسطينيّين، إذ يحظّرعليهم المكوث في هذه المناطق أو البناء أو رعي المواشي بمسوّغات مختلفة كإعلان جزء من الأراضي "أراضي دولة" أو منطقة عسكريّة أو محميّة طبيعيّة، بينما ينقسم الحيّز المتاح للفلسطينيّين إلى مساحات منعزلة، محاطة بمناطق تدريب عسكريّة أو مستوطنات أو محميّات طبيعيّة، ممّا يمنع إمكان البناء والتّطوير لدى الفلسطينيّين.
وقال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ووزير الزراعة الأسبق وليد عسّاف لـ"المونيتور": إنّ إسرائيل أعلنت بعد احتلال الضفّة في عام 1967 الأغوار مناطق عسكريّة مغلقة، ودمّرت 78 بئر مياه وهجّرت السكّان وصادرت أراضيهم، لتحوّلها في ما بعد إلى مستوطنات تستفيد من الموارد الطبيعيّة الموجودة فيها لصالح الإنتاجين الزراعيّ والصناعيّ.
أضاف: إنّ إسرائيل تلجأ إلى وسائل كثيرة للسيطرة على الأرض وتهجير المواطنين منها، مثل "حرمان تلك المناطق من الخدمات الأساسيّة كالكهرباء وحفر الآبار والمياه ومنع بناء المدارس والمستشفيات والاستمرار في هدم التجمّعات السكانيّة الّتي ترفض ترخيصها (230 تجمّعاً سكانيّاً فلسطينيّاً) وانتهاج سياسة إصدار أوامر إخلاء ومصادرة الأراضي وإعلان مناطق عسكريّة مغلقة ومصادرة أغنام وأبقار وجرّافات وتراكتورات وفرض غرامات باهظة على المواطنين".
ولا تخفي إسرائيل أطماعها السياسيّة والإقتصاديّة في منطقة الأغوار، إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيليّ أرييل شارون في عام 2003 أنّه سيتمّ فصل غور الأردن عن الضفّة الغربيّة من خلال بناء جدار الفصل لضم ّمستوطنات الأغوار ، في حين دعا وزير الإقتصاد الإسرائيليّ نفتالي بنت في عام 2013، إلى فرض السيادة الإسرائيليّة على مناطق C في شكل أحاديّ الجانب، في الوقت الّذي بلغت فيه أرباح المستوطنات الإسرائيليّة في غور الأردن في عام 2012، حسبما أعلنه مجلس المستوطنات الإسرائيليّة نحو 650 مليون دولار.
وتسبّبت سيطرة إسرائيل على منطقة C، الّتي تمثّل الأغوار النّسبة الأكبر منها، بخسائر بملايين الدولارات على الإقتصاد الفلسطينيّ، إذ أشار تقرير صادر عن البنك الدوليّ في عام 2013 إلى أنّ "الإقتصاد الفلسطينيّ يخسر نحو 3.4 مليار دولار سنويّاً، من جرّاء منع الفلسطينيّين من الوصول إلى مناطق C، الّتي تعتبر مفتاح التّنمية المستدامة للاقتصاد الفلسطينيّ".
ولفت تقرير البنك الدوليّ إلى أنّ المنطقة C تحتوى على غالبيّة الموارد الطبيعيّة في الضفّة الغربيّة، وإزالة القيود الإسرائيليّة والسماح بتنمية الأعمال في المنطقة من شأنهما أن يعودا بفوائد على الإقتصاد الفلسطينيّ. كما يمكن أن يضيفا 35 في المئة إلى إجماليّ النّاتج المحليّ الفلسطينيّ.
من جهته، قال المدير العام للسياسات الإقتصاديّة في وزارة الإقتصاد عزمي عبد الرّحمن لـ"المونيتور"، حسب تقارير وزارة الإقتصاد: "إنّ خسارة الفلسطينيّين من جراء عدم استغلال مناطق C، تبلغ أكثر من 5 مليارات دولار سنويّاً، 800 مليون دولار يتكبّدها القطاع الزراعيّ عند الشريط الحدوديّ مع الأردن فقط، بسبب سيطرة إسرائيل على 60 في المئة من مناطق C، و85 في المئة من مصادر المياه".
وأشار إلى أنّ قطاع الزراعة كان يشارك في أكثر من 15 في المئة من النّاتج المحليّ، لكنّه انخفض اليوم إلى أقلّ من 5 في المئة.
وأكّد المدير العام لمعهد الأبحاث والسياسات الإقتصاديّة "ماس" سمير عبد الله لـ"المونيتور" أنّ طبيعة الأغوار وخصوبة أراضيها وتوافر المياه والظروف المناخيّة الّتي تجعلها أكبر بيت زجاجيّ "غرين هاوس" طبيعيّ على وجه الأرض وقدرة المزارعين على إنتاج 3 محاصيل في السنة وخصوبتها، تثير جشع الاحتلال في السيطرة عليها.
وقال: إنّ الأهميّة الإقتصاديّة للأغوار لا تقتصر فقط على الزراعة، بل تمتدّ إلى استفادة إسرائيل من مصادر المياه واستغلال البحر الميّت على مستوى استخراج الأملاح النّادرة على مستوى العالم، وكذلك على المستوى السياحيّ، وهو ما قد يشكّل رافعة للاقتصاد الفلسطينيّ لو كان يخضع إلى سيطرة السلطة الفلسطينيّة.
وتشكّل الأغوار ومنطقة C ركيزتين أساسيّتين ضمن مخطّطات السلطة الفلسطينيّة لإقامة الدولة من النواحي الإقتصاديّة والجغرافيّة والسياسيّة، ولن تستطيع من دونها تحقيق إقامة الدولة ذات السيادة والموارد الإقتصاديّة، الّتي تؤهّلها للسير في التّنمية الإقتصاديّة والسيادة الوطنيّة.