بغداد - لقد قسّمت "عاصفة الحزم" العراقيّين طائفيّاً، بين "شيعة" يرفضون في غالبيّتهم المطلقة الحرب على اليمن، و"سنّة" يؤيّدونها. وأدّى التّباين في الموقف بين القوى الشيعيّة الممثّلة في "التّحالف الوطنيّ" والقوى السنيّة الممثّلة في "اتّحاد القوى"، في شأن حملة "عاصفة الحزم" العسكريّة الّتي تقودها السعوديّة وحلفاؤها على اليمن، إلى مشادة في اجتماع القوى السياسيّة العراقيّة، الّذي عقد في منزل رئيس البرلمان العراقيّ سليم الجبّوري في 29 مارس/آذار الفائت، والسبب هو رفض "اتّحاد القوى" اقتراح التّحالف الشيعيّ إصدار بيان يدين "عاصفة الحزم".
وفي الوقت الّذي أعلن فيه نائب رئيس الجمهوريّة أسامة النجيفي (سنيّ) في بيان في 28 مارس/آذار الفائت تأييده لـ"التّحالف العربيّ الّذي يرمي إلى تقويض نفوذ الحوثيّين في اليمن"، اعتبر رئيس المجلس الأعلى الإسلاميّ عمّار الحكيم (شيعيّ) في حوار تلفزيونيّ في 1 أبريل/نيسان الحاليّ، التدخّل العسكريّ في اليمن "مغامرة غير محسوبة وستكلّف من غامر بها الكثير".
وأشار المستشار في رئاسة الجمهوريّة والباحث الأكاديميّ ليث شبر إلى أنّ الحرب في اليمن كرّست الاصطفاف الطائفيّ من الأحداث، وقال للمونيتور في 2/4 في بغداد: "هذه الحرب أسهمت بفعاليّة في تأجيج النّزاع الطائفيّ ليس في العراق فحسب، بل في المنطقة كلّها. وما يجري في المنطقة من حروب وخلافات وضجيج إعلاميّ، هو أوضح صورة عن الشحن الطائفيّ المستمرّ لإشغال شعوب هذه المنطقة بقتال داخليّ وتنازع يؤدّي إلى إضعافها".
وفي الحقيقة، إنّ "عاصفة الحزم" كانت قد قسّمت المؤسّسات الدينيّة في العراق، ففي الوقت الّذي دعمت "هيئة علماء المسلمين" السنيّة في العراق، في بيانها في 29 مارس/آذار الفائت، التدخّل السعوديّ – العربيّ في اليمن، مؤكّدة "دعم أيّ جهد عربيّ لنصرة الشعب اليمنيّ والتصدّي للمدّ الإيرانيّ"،
وصف رجل الدّين وزعيم التيّار الصدريّ مقتدى الصدر، في حديث في 27 مارس/آذار الفائت، "عاصفة الحزم" بأنّها "تدخّل في شؤون الشعب اليمنيّ".
لقد تعدّى هذا الجدل الطائفيّ في شأن "عاصفة الحزم" حدود العراق، ففي الوقت الّذي اعتبرها نائب رئيس البرلمان العراقيّ همّام حمّودي (شيعيّ) في بيان في 1 أبريل/نيسان الحاليّ "حرباً طائفيّة"، ردّ عليه الكاتب السعوديّ جاسر الجاسر (سنيّ)، في مقاله في صحيفة "الجزيرة" السعوديّة في 4 أبريل/نيسان الحاليّ بأنّه
"ينساق وراء مزاعم طائفيّة يردّدها سياسيّون وقيادات رأي عام في دول عربيّة تخضع إلى النّفوذ الإيرانيّ". ومن جهته، ردّ الإعلاميّ حسنين علي (شيعيّ)، من بابل، في حديثه لـ"المونيتور" على الكاتب السعوديّ الجاسر، قائلاً: "إنّ السعوديّة تسعى منذ عام 2003، وهو العام الّذي سقط فيه نظام الرّئيس العراقيّ الأسبق صدّام حسين، إلى لعب دور المدافع عن السنّة في العراق وإشاعة فكرة أنّهم همّشوا داخل الحكومة الّتي يقودها الشيعة. كما دعمت السياسيّين السنّة، الّذين أيدوا بدورهم الحرب السعوديّة وحلفاءها على اليمن. وهذا الدّعم المعنويّ والماديّ لزعماء السنّة في العراق من قبل السعوديّة (السنيّة) يجعلهم ينسجمون مع مواقفها".
والحال أنّ العراق رفض رسميّاً "عاصفة الحزم" على لسان وزير خارجيّته إبراهيم الجعفري (شيعيّ)، ممّا جعل الكاتب العراقيّ داود البصري يهاجم موقف الخارجيّة العراقيّة، معتبراً في مقاله بصحيفة "الشرق" القطريّة، في 4/ 4 تصريحات وزير الخارجيّة العراقيّ أنّها "غير مسؤولة وتكرّس نهجاً طائفيّاً".
وفي حديثه لـ"المونيتور"، قال المحلّل السياسيّ عبد الكريم بدر الحمداني (شيعيّ)، الّذي يظهر بصورة دائمة في قناة "الجزيرة" في برنامج "الاتجاه المعاكس" الشهير مدافعاً عن "شيعة" العراق: "إنّ السعوديّة تخوض حرباً طائفيّة ضدّ الحوثيّين الشيعة، وإنّ الخلافات الداخليّة لا تُحلّ بالأساليب العسكريّة. وإنّ الحرب ستفكّك النسيج الإجتماعيّ في اليمن تحت ذريعة حمايته".
ومن جهته، عزا المحلّل السياسيّ فؤاد ناصر إبراهيم في حديثه لـ"المونيتور" مشاعر الانقسام الطائفيّ إزاء الحدث اليمنيّ إلى أنّ "أغلبيّة الشيعة تشعر بوجود حرب طائفيّة كونيّة مخيفة ضدّها، فيما أنّ معظم السنّة يرون أنّهم مستهدفون من الحرب أيضاً"، مؤكداً أنّ "هذا الشعور المتبادل بالخطر لدى الطرفين يؤدّي إلى صراع طائفيّ مرير".
وعلى عكس المتحدثين آنفاً، قالت المستشارة الثقافيّة في رئاسة الوزراء الدكتورة سلامة الصالحي في حديثها لـ"المونيتور": "إنّ المواقف من الحرب ملتبسة وتتبع أجندات سياسيّة، وهي ليست بالضرورة طائفيّة. وما يجري في اليمن هو لعبة دوليّة لتصريف السلاح وامتصاص أموال الخليج ومغازلة إيران والإيقاع بالعرب وجرّ الجيش المصريّ إلى صراع إقليميّ بغيض".
وتعبيراً عن الإنقسام الّذي أحدثته حرب "عاصمة الحزم" في المواقف بين العراقيّين، خرجت جماهير شيعيّة في تظاهرات في الرابع من أبريل/نيسان الحاليّ في بابل تندّد بالحرب على اليمن. وفي بغداد، وبرعاية "كتلة الأحرار" الشيعيّة، خرجت تظاهرة احتجاجيّة في الأوّل من أبريل/نيسان الحاليّ، وندّد متظاهرون شيعة في ميسان، في 31 مارس/آذار الفائت بـ"الحرب السعوديّة على اليمن".
ويبدو أنّ الجمهور السنيّ، بسبب الظروف السياسيّة، لم يحتشد ليساند هذه الحرب على عكس القوى السياسية السنية مثل "تحالف اتحاد القوى السني" الداعم للحرب على اليمن و"هيئة علماء المسلمين" في العراق الداعية الى "عاصفة حزم" في العراق وسوريا أيضا. كما أعلنت عشائر الانبار في 2/4 التأييد لـ"عاصفة الحزم.
إنّ هذا الإنقسام في المواقف على أساس طائفيّ لا يمنع كاتباً مثل صباح عطوان في حديثه لـ"المونيتور" أن يعرب عن أمله في أن "يتوحّد الشعب العراقيّ وألاّ تفرّقه المواقف من أحداث كهذه".