القاهرة – هناك خلل أمنيّ خطير يهدّد أهمّ المواقع الأثريّة في مصر والأشهر في العالم، نظراً لعجز منظومة التّأمين لها، وخصوصاً منطقة أهرامات الجيزة، وهي من عجائب الدنيا السبع. وهذا الخلل كشف عنه عدد من الوقائع المتتالية، كان آخرها اكتشاف في مارس 2015 وجود حفلات ماسونيّة تقام في غرفة الملك "خوفو" بالهرم الأكبر في غير مواعيد العمل الرسميّة، ومخالفة لقوانين الآثار المصريّة، وسبقتها واقعة تصوير أحد الأفلام الإباحيّة داخل منطقة أهرامات الجيزة، خلسة في ظلّ تعطّل شاشات المراقبة. تداولت أزمة الفيلم في 6 مارس 2015 بعد ظهور مقاطع فيديو له على شبكات التواصل الاجتماعي وتناول صحيفة الديلي ميل لها فيما أكدت تحقيقات النيابة في مصر ان تصوير المشاهد تم في عام 2011.
وفي الوقت الّذي تحظّر فيه القوانين المصريّة إقامة أيّ طقوس دينيّة في المواقع الأثريّة، فإنّ كاميرات الرّصد داخل هرم "خوفو" كانت في غفلة عن وجود مثل هذه الطقوس الغريبة الّتي يقوم بها بعض السيّاح في غرفة الملك "خوفو" تشمل إشعال الشموع بالمخالفة لشروط الدخول وخلع ملابسهم والنّوم في التابوت، إذ يعتقد أتباع الماسونيّة أنّ النّوم في داخله يعطي نوعاً من الطّاقة لممارسة عبادتهم. كما يعطي الفرد فرصة الاتّصال بروحه فى العالم الآخر.
وفي هذا السّياق، تحدّث "المونيتور" إلى المسؤولين في وزارة الآثار للوقوف عند كيفيّة تأمين المناطق الأثريّة، في ظلّ تلك الخروق المتتالية لحرمتها. وأشار رئيس قطاع الآثار في وزارة الآثار المصريّة الدّكتور يوسف خليفة إلى أنّ الوزارة تعمل على تشغيل نظام تأمين إلكترونيّ جديد بدأت مرحلته الأولى في 21 مارس/آذار الماضي في معبد الأقصر، وسيمتدّ إلى منطقة الأهرامات وبقيّة المناطق الأثريّة، وقال خليفة في تصريحاته لـ"المونيتور": إنّ النّظام التأمينيّ الجديد يعتمد على منظومة إلكترونيّة عالية الكفاءة لكشف أيّ خرق للمناطق الأثريّة ويحتوي على كاميرات ذات كفاءة لرصد أيّ حركة وتسليط الضوء عليها من خلال كشّافات تنتشر في محيط الأثر بكامله.
وإذ رفض المسؤول الاتّهامات الموجّهة إلى الوزارة في شأن التّراخي في وضع منظومة تأمين فعّالة لحماية منطقة أهرامات الجيزة، قال: "لدينا تأمين على أعلى مستوى ومنظومة أمنيّة سواء أكانت إلكترونيّة عن طريق الكاميرات أم بشريّة عن طريق شرطة السّياحة والآثار ومشرفي ومراقبي الأمن".
ثمّ عاد واعترف بأنّ هناك قصوراً في منظومة المراقبة الإلكترونيّة، وقال: "إنّ المنظومة الأمنيّة عن طريق المراقبة بالكاميرات في حرم الأثر فقط، ولم تكتمل في المنطقة المحيطة، وسنعمل على ذلك في المرحلة المقبلة".
ومن جهته، لفت الخبير الأثريّ ونائب رئيس جمعيّة رعاية حقوق الأثريّين المسؤولين في وزارة الآثار المصريّة أحمد شهاب إلى الفشل في توفير التّأمين اللاّزم لمواقع الآثار المصريّة، وقال في حديثه لـ"المونيتور": هناك أعمال سلب ونهب للمخازن الّتي تحوي كنوز الفراعنة في المتاحف المصريّة المختلفة، فضلاً عن أعمال إرهابيّة متتالية استهدفت المتاحف، ومنها متاحف الفنّ الإسلاميّ وملوي والعريش، في حين تعجز الوزارة عن تأمين حرم منطقة أهرامات الجيزة. وهناك 298 قطعة أثريّة مفقودة من مخزن متحف أسوان، فضلاً عن سرقة مخازن متحف ميت رهينة". وسأل: "أين منظومة التّأمين؟ ولماذا لم تكشف كاميرات المراقبة عن السارقين".
وأكّد شهاب أنّ الكاميرات المتواجدة في منظومة تأمين منطقة الأهرامات غير مطابقة للمواصفات، والدليل هو عدم قدرتها على الرؤية الليليّة، وقال: "إذا كان المسؤولون في الوزارة يبرّرون عدم رصدهم للسّاعات الّتي تم فيها تصوير الفيلم الإباحيّ الروسيّ في منطقة الأهرامات بأنّها تمّت خارج حرم الأثر في المنطقة المحيطة به، فماذا يقولون عن الحفلات الماسونيّة الّتي تتمّ داخل غرفة الملك خوفو في الهرم الأكبر؟ وأين كاميراتهم لرصد هذه الأفعال في غير مواعيد الزيارات الرسميّة، الّتي امتدّت إلى متحف إدفو أيضاً، وفقاً لما حصلنا عليه من معلومات في الجمعيّة". في 26 مارس 2015 أبلغ عدد من مفتشي الآثار، الجهات الأمنية والرقابية والإدارية بأسوان، بممارسة بعض الأفواج السياحية التي تزور معبد إدفو، طقوسا غريبة تشبه تصرفات عبدة الشيطان والأرواح الخفية.
وسأل: "أين هم من تعدّيات البناء في حرم المناطق الأثريّة بمنطقة القاهرة الفاطميّة ودهشور؟ وأين هم من الحفر خلسة وتهريب مقتنيات المقابر الفرعونيّة إلى الخارج وعرضها للبيع في مزادات علنيّة، وخصوصاً في تلّ أبيب؟".
أضاف: طالبت الجمعيّة المصريّة لحماية حقوق الأثريّين باستحداث إدارة في وزارة الآثار مؤلّفة من أفراد الأمن المنوط بحراسة الآثار، بالتّنسيق مع وزارة الداخليّة، لمواجهة خروق كهذه في المناطق الأثريّة، مع تشديد عقوبة التعدّي على حرمة المنطقة الأثريّة.
وتتكرّر يوماً بعد يوم الوقائع الجديدة الّتي تكشف هذا الخلل في تأمين المناطق الأثريّة بمصر، فتارة تظهر 3 توابيت فرعونيّة عائمة في إحدى الترع، أحدها في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، وآخر من دون أن يعرف أحد من أين جاء، وتابوت آخر يحتوي على مشاهد إباحيّة لفيلم كامل تمّ تصويره في حرم منطقة الأهرامات، فضلاً عن حفلات الطّقوس الماسونيّة داخل غرفة هرم " خوفو". أمّا تبريرات وزارة الآثار فلا تنتهي، في ظلّ عدم رغبتها في الاعتراف بهذا الفشل في توفير وسائل التّأمين اللاّزمة، وهذا الأمر يتطلّب تحرّكاً من الحكومة المصريّة لإنهاء تلك الأزمة، حتّى لا تكون هذه المناطق الأثريّة المهمّة بمثابة فريسة سهلة للأعمال الإرهابيّة في ظلّ استهداف المناطق الأثريّة من تنظيم "داعش" الإرهابيّ، على غرار ما حصل أخيراً في متحف "باردو" بتونس.