نشر الحوثيّون تعميماً في خصوص النّساء في مدينة عمران يمنع خروجهنّ بعد صلاة المغرب ويحظّر حضور أيّ فرق رجاليّة أو مغنّيين ذكور حفلاتهنّ، إضافة إلى منع الكاميرات تماماً بما فيها الهاتف الجوّال الّذي يحتوي على كاميرا. وبالفعل، بدأ تطبيق هذه الأوامر في مدينة عمران. وأثار هذا التّعميم ضجّة كبيرة في أوساط النّاس، خصوصاً النّساء اللّواتي يشعرن بأنّ المرحلة المقبلة قد تحمل كثيراً من المفاجآت غير السارة، لما استطعن تحقيقه بمشقّة من مساحات حريّة محدودة.
ويأتي قلق البعض من الحوثيّين لأنّهم الأكثر تشدّداً ضمن سياق بيئة معادية لحقوق المرأة. ففي اليمن، تعاني المرأة من قوانين تمييزيّة، وهناك أعلى نسبة فارق في التّعليم بين الذكور والإناث، لكن الحراك الشعبيّ فيها في عام 2011 بالمشاركة الكثيفة للمرأة، لفت الانتباه بشدّة إلى قضايا المرأة وخلق وعياً مختلفاً.
إنّ الحوثيّ ليس الطرف السياسيّ الوحيد في اليمن الّذي يستهدف المرأة، فالمرأة اليمنيّة دأبت على المشاركة في العمل بالريف خصوصاً، وكانت لا تغطّي وجهها حتّى وقت قريب، عندما بدأ ينتشر التّعليم الدينيّ المتشدّد — السلفيّ خصوصاً — بإشراف من الدولة، مما شوّه الوعي المجتمعيّ وظلّت حقوق المرأة ورقة مزايدة للحركات الّتي تدّعي الحداثة أو ورقة استعراض للالتزام الدينيّ بين الحركات الإسلاميّة المختلفة.
وفي عام 2011، خرجت النّساء اليمنيّات بأعداد كبيرة للمشاركة في الثورة، وتعرّضن لكثير من الحملات التشهيريّة بسمعتهنّ بلغت ذورتها في خطاب الرّئيس الأسبق علي عبدالله صالح، أبريل 2011، عندما أشار إلى الاختلاط بين الجنسين في الساحة الثوريّة.
لقد أثار التّصريح ضجّة واسعة في مجتمع قبليّ محافظ، وكان له وقع خاص على حزب الإصلاح، وهو حزب إسلاميّ كان متحكّماًُ في الساحة، حيث سرعان ما تلقّف التّصريح وبدأ بإقامة حواجز تمنع الاختلاط، لكنّه لم ينجح كثيراً في وضع حدّ فاصل تماماً.
تتشابه القوى اليمنيّة في اعتداءاتها على المرأة، بل إنّ ضحايا الأمس على يدّ حزب الإصلاح هم ذاتهم ضحايا الحوثيّ اليوم، لكن مع تنكيل أكبر وخشية من غياب أيّ آليّة محاسبة. ففي السابق كانت هناك دولة ضعيفة مع مساحة حريّة إعلاميّة ومنظّمات مجتمع مدنيّ يدعمها الخارج، وتشكّل ضغطاً كبيراً على الحكومة اليمنيّة والقوى السياسيّة المتعدّدة، لكنّ الحوثيّ اليوم متخفّف من أيّ مسؤوليّة تجاه المجتمع الدوليّ وينكّل بالإعلاميّين في شكل كبير.
وفي السّابق، تعرّضت أروى عبده عثمان – رئيسة سابقة لمنظّمة تعنى بجمع التراث اليمنيّ- للضرب من قبل الفرقة الأولى مدرّع في عام 2011، وهي فرقة عسكريّة حليفة للتيّارات الإسلاميّة الإخوانيّة والسلفيّة، وكان الاعتداء على وقع خطاب الاختلاط في حجّة أنهنّ لم يستجبن لأوامر منع الاختلاط.
وهناك حملة أخرى جديدة تتعرّض لها أروى عثمان، الّتي تعتقد أنّ كلّ الجماعات الدينيّة تميل إلى التّضييق على المرأة إجمالاً، لكن الحوثيّ هو الأسوأ حتّى الآن، إذ تلقّت منه تهديدات عدّة. وكلّ هذا لأنّ النّاشطة أروى عثمان شاركت في الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر، الّتي أسقطت حكم الإمامة في عام 1962، وفي حركة تحدٍّ قامت بالرّقص والغناء مع مجموعة من الشباب. وكانت لحظة تحدٍّ كبيرة للجماعة الدينيّة الّتي استولت على صنعاء قبلها بأياّم في 21 سبتمبر. وبعدها، تعيّنت أروى عثمان وزيرة للثقافة في الحكومة المستقيلة في يناير الماضي، وشنّ عليها الإعلام الحوثيّ حملة شعواء قائلاً: إنّها حكومة الرّقص.
وشيء مشابه تعرّضت له النّاشطة اليمنيّة المعروفة ساميه الأغبري، إذ أنّ حزب الإصلاح قام بتكفيرها. أمّا الآن فتعرّضت لحملة شعواء من قبل الحوثيّين الّذين أساءوا إلى سمعتها. ومن السخرية أنّها انتقلت من حكم الكافرة بحسب الإصلاحيّين إلى حكم الداعشيّة بحسب الحوثيّين.
وقالت سامية الأغبري: كنّا نطمح في ثورة 2011 إلى وضع أفضل لليمن، والمرأة اليمنيّة خصوصاً، لكنّ انضمام قائد الفرقة الأولى مدرّع للثورة في مارس وتجاوزات فرقته ضدّ المرأة أشعرتنا بالخطر، وإنّ القادم قد يكون أسوأ، واليوم تزداد الأمور سوءاً، ونحن مهدّدون فعلاً باستنساخ حكم طالبان في اليمن. إنّ الحوثيّ أكثر وقاحة من الإصلاح الّذي كان يكتفي بدفع صغار عناصره للتّشهير والتهّديد، كما كان يفعل زبانيّة الرّئيس الأسبق علي صالح. أمّا لدى الحوثيّ فتقوم بالهجوم أسماء معروفة ومشهورة من محامين وحقوقيّين وكتّاب.
وإنّ الطالبة هبة الذبحاني شاركت ساميه في الرأي، في أنّ الحوثيّين أشدّ بشاعة ممّن سبقوهم، فهي سبق وتعرّضت للتّهديد من الحوثيّين، متوعّدين بتجريدها من ثيابها لو استمرّت في لبس السراويل ولم تلبس العباءة. وإنّ المرّة التالية كانت في 25 يناير الماضي، عندما كانت تشارك في مظاهرة طالبيّة ضدّ الحوثيّين ورفضت تسليمهم الجوّال الّذي صوّرت فيه اعتداءاتهم على الطلاّب، وكان جزاؤها الضرب مع زميلتها. أمّا المرّة الأخيرة فكانت الأسوأ على الإطلاق، إذ خرجنا بمظاهرة وطاردنا الحوثيّين، بالأسلحة البيضاء، لكن نجحنا بالفرار منهم.
"لا شيء يعود إلى الوراء"، ولن ينجح الحوثيّ في مساعيه للتّضييق على المرأة اليمنيّة، بحسب رأي إحدى النّاشطات والكاتبات اليمنيّات الّتي اعتبرت أنّ ثورة 2011 كانت نقطة تحوّل في حياتها، لافتة إلى أنّ قبل عام 2011 كانت ربّة منزل تقليديّة، لديها ستّة أطفال، وهي من أسرة محافظة اجتماعيّاً ودينيّاً، لكن الحماس للثورة دفع زوجها للقبول بمشاركتها في المظاهرات، وكان احتكاكها الأوّل في المجال العام، وألهمتها شخصيّات كتوكل كرمان وغيرها. لذا، أصرّت بعد الثورة على أن تشقّ طريقها في المجال العام وتكتب، فاستشاط زوجها غضباً وحاول منعها أو على الأقلّ إقناعها بالكتابة باسم مستعار، لكنّها رفضت وأصرّت على حقّها في العمل وفي الظهور بصفتها الحقيقيّة.
وشاركتها في الرّأي النّاشطة الحقوقيّة رضيّه المتوكّل، إذ قالت: إنّ الحوثيّ لن ينجح في التّضييق على المرأة لأنّه لن يدوم طويلاً. ورضيّه مثلها مثل كلّ من أخذنا برأيهنّ وأجمعن على أنّ إنجازات المرأة جاءت من نضالها وتحدّيها للقوى السياسيّة الّتي تتعامل بانتهازية فجّة في شأن المرأة ولا تتبنّى قضاياها، إلاّ للاستعراض الإعلاميّ. وكذلك، تستغلّها، ولا تحفّزها مثلاً على المشاركة السياسيّة سوى بالتّصويت في الانتخابات.
لهذا، يعتقدن أنّ إنجازات مؤتمر الحوار الوطنيّ مثل إقرار قانون الكوتا وتحديد سنّ أدنى للزواج، فهي إنجازات نخبويّة لا قيمة لها من دون نضال المرأة على أرض الواقع، وقد تلتفّ عليها القوى السياسيّة في اليمن بسهولة، لكن حاجز الخوف انكسر في عام 2011، لتظلّ المرأة اليمنيّة قادرة على حماية إنجازاتها ومنع المحاولات لإعادتها القسريّة إلى المنازل، بعد مشاركتها في شوارع الثورة التي ساهمت في صنعها.