حلب، سوريا – كان 18 آذار/مارس 2011 يوماً استثنائياً في تاريخ سوريا، فسرعان ما تحولت المظاهرة المطالبة آنذاك بإطلاق سراح أطفال "مدرسة الأربعين" في مدينة درعا (جنوب سوريا) إلى انتفاضة عمّت أرجاء البلاد. البداية كانت عندما كتب الأطفال على جدران مدرستهم عبارة "إجاك الدور يا دكتور"، ليعتقلوا من قبل قوات الأمن السورية، في وقت كانت تشهد فيه بلدان تونس وليبيا ومصر عهد انتهاء حكم الديكتاتوريات، أو ما عرف بـ "الربيع العربي".
سقف مطالب المتظاهرين كان يقف عند حد الحرية والمطالبة ببعض الاصلاحات، ما لبث ذلك أن يرتفع إلى المناداة بإسقاط نظام الحكم وأجهزته الأمنية.. أما اليوم وبعد مضيّ أربع سنوات على الثورة السورية لا يبدو المشهد كما كان يتمناه المتظاهرون، البلد انقسمت إلى أربع دويلات: دولة الأكراد، دولة الثوار، دولة الأسد ودولة داعش، قوى اقليمية مثل إيران وتركيا وغيرها باتت محركاً اساسياً في الحرب، تعددت اسماء فصائل الثوار وانتماءاتها بين الجبهة الشامية والجيش الحر وجبهة النصرة، فيما لا زال الأسد متمسكاً بكرسيه، رغم أنّ أحياءً في العاصمة دمشق باتت خارج سيطرته.
في مدينة حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد انقسمت المدينة إلى شطرين، شرقي خاضع لسيطرة الثوار وغربي لا زال تحت سيطرة النظام. ويحتفل الناشطون المعارضون في الجزء الشرقي الذي يكاد يخلو من السكان بسبب القصف المتواصل بالذكرى الرابعة لانطلاقة شرارة الثورة. منذ 15 حتى 18 آذار/مارس شهدت أحياء بستان القصر والشيخ مقصود ومساكن هنانو وصلاح الدين احتفالات وكرنفالات، علم الثورة (ذو النجوم الثلاث) رُفع في جميع الأسواق والشوارع، هذا العلم الذي يراه الناشطون الجامع لهم في "سوريا الحرة"، كما يقولون لـ "المونيتور".
على هامش فعاليات رفع علم الثورة في حي صلاح الدين التي حضرتها المونيتور، كان يدور حوار بين مجموعة من الناشطين حول مستقبل البلاد وما آلت إليه، ويرى الصحفي عقيل حسين (31 عاماً) أن المجتمع الدولي تخاذل عن الوقوف إلى جانب تطلعات الشعب السوري المحقة، الأمر الذي أطال أمد الثورة وأوصل البلاد إلى ما هي عليه الآن، ويقول لـ "المونيتور" إن:" نظام الحكم في سوريا هو من أسوا الأنظمة على صعيد الحقوق والحريات، ولا يمتلك أدنى مقومات الشرعية إلا شرعية القوة.. قمنا بالثورة وكنا نعتقد أن العالم سيقف إلى جانبا، وكانت الأهداف واضحة: الحرية والعدالة والمساوة للجميع.. لكننا خذلنا".
أعلن عن تشكيل الجيش السوري الحر في أواخر تموز/يوليو 2012 بعد انشقاق عدد من الضباط عن الجيش السوري احتجاجاً على "قمع التظاهرات وحصار المدن والأحياء الثائرة"، ويتفق معظم الناشطين في مستهل حوارهم على أن دخول السلاح إلى الثورة كان في غير مصلحتها، رغم هذا فإنهم يرون أنّ التسلح كان لا بد منه لمواجهة الحل الأمني الذي انتهجه النظام.
وهنا يقول عقيل الذي تمكن من الانشقاق عن قيادة القوى الجوية في الجيش أثناء أداءه للخدمة الإلزامية عام 2012 إن: "التحول للحراك المسلح في وقت مبكر كان أمراً خاطئً، هناك فارق قوة كبير بيننا وبين النظام، وكنا بحاجة لمزيد من الوقت لانخراط كامل وحقيقي للشعب في الثورة وكسر حاجز الخوف الذي صنعه النظام".
وأضاف:" كان يمكن التغلب على فارق القوة العسكرية بالإيمان الشعبي بأهداف الثورة، حقيقة إن الشعب السوري في معظمه معارض لممارسات النظام لكنه غير مشارك فعال بالثورة".
رغم القبضة الأمنية للنظام التي توصف بـ "الحديدية" فإن الحراك السلمي للثورة وصل إلى مراحل متقدمة، وقد شهدت مدينة حماة (وسط البلاد) ما يشبه العصيان المدني، وفي 1 تموز/يوليو 2011 انتفضت المدينة في مظاهرة عارمة ووصل عدد المشاركين فيها إلى نصف مليون شخص مطالبين برحيل الأسد. ثلاثة أيام مضت على التظاهرة ليعزل الأسد محافظ حماة ويجتاح الجيش المدينة ويشن حملة اعتقالات واسعة فيها. ويُقضى على الثورة فيها إلى يومنا هذا.
"لجوء النظام للحل العسكري والقمعي أدى بشكل طبيعي لتنامي حمل السلاح في الانتفاضة السورية من أجل المحافظة على الثورة" يقول حسن قطان (24 عاماً) وهو من منظمي المظاهرات في جامعة حلب، رغم ذلك فإن حسن لا يؤيد هذا الخيار، ويقول لـ "المونيتور": "كنا بحاجة لمزيد من الوقت لتشكيل جيش حقيقي ومنظم قادر على مجابهة ترسانة النظام العسكرية.. دعني أقول أننا كنا مضطرين لذلك للحفاظ على أرواحنا وثورتنا، لكن كان لذلك نتائج سلبية فيما بعد".
الحراك المسلح يختلف إلى حد كبير عن الحراك السلمي، فيكفي أنّ تكون معارضاً للنظام لتحمل السلاح، ربما لارتكاب النظام جرائم حرب أو بدافع الانتقام لسقوط ضحايا أو لأية اسباب أخرى، لكن الحراك السلمي يحتاج لإيمان حقيقي بمبادئ الثورة التي رفعها المتظاهرون المتمثلة بالحرية والمساواة والعدالة.
وهنا يقول حسن قطان:" اسوء ما أفرزه التحول للحراك المسلح دخول أشخاص غير مؤمنين حقيقة بأهداف الثورة السورية، من الممكن أنّ يلتقوا معنا بهدف اسقاط النظام، لكنهم في النهاية لا يلتقون مع تطلعاتنا وما نطمح إليه".
وتدخل الآن إيران وحزب الله اللبناني وقوى اقليمية أخرى في تحالف عسكري غير خفي مع النظام، وإن المعارك الأخيرة في حلب والجنوب السوري كانت تتميز بمشاركة واسعة لكل من إيران وحزب الله، وهنا يرى الناشط في المجال الطبي بمدينة حلب، فؤاد حلاق (25 عاماً) إنّه بات من الضروري في هذا الوقت دعم الحراك المسلح.
وقال لـ "المونيتور": "دعك من كل ما مضى، نحن الآن نواجه محاولة احتلال لأراضينا، وبات من الضروري جداً دعم الثوار لمواجهة القوى المحتلة".
لا يزال نظام البعث أو "عائلة الأسد" على وجه الخصوص متحكمين بمقاليد الحكم في البلاد منذ أربعة عقود ونصف، وفيما يرى الثوار السوريون أن التحول للحراك المسلح كانت له تبعات سلبية رغم "تخاذل المجتمع الدولي" عن مطالبهم، فإنهم اليوم يرونه ضرورة ملحمة في وجه ما يسمونه بـ "الاحتلال الإيراني" للبلاد.