حلب، سوريا – في طابور طويل يصطفّ العشرات من أهالي حيّ الشيخ مقصود، من أجل الحصول على الخبز، الّذي يوزّع كمساعدات على النّازحين والفقراء.
ولتتجنّب الازدحام، جاءت فاطمة (35 عاماً) منذ ساعات الصباح الأولى إلى مكتب المجلس المحليّ للحيّ، حيث يجري توزيع الخبز والمعونات. وأثناء انتظار وصول دورها، روت فاطمة قصّتها لـ"المونيتور" قائلة: "لم أعد أحتمل المخاطرة بحياة أطفالي، كنت أسمع أصوات البراميل والقذائف تتساقط حول منزلنا في حيّ الميسر في شكل شبه يوميّ (..). وبعد محاولات عدّة، وافق زوجي على أنّ نترك منزلنا، لنستقرّ الآن في حيّ الشيخ مقصود".
يعتبر حيّ الشيخ مقصود، الواقع في الشمال الغربيّ من مدينة حلب، ملاذاً آمناً للنّازحين، وتقصده العائلات العربيّة والكرديّة على حدّ سواء، هرباً من قصف الطيران الّذي تشهده الأحياء الشرقيّة الخاضعة لسيطرة المعارضة. كما نزحت إليه مئات العائلات من منطقة (كوباني)، إثر المعارك الّتي تشهدها بين تنظيم "داعش" والقوّات الكرديّة.
وقالت فاطمة: "نشعر هنا بالأمان نوعاً ما، نحن نسمع أصوات الانفجارات تأتي من بعيد، لكن لا يتعرّض الحيّ للقصف".
يخضع حيّ الشيخ مقصود حاليّاً لإدارة قوّات الحماية الكرديّة بمشاركة ضعيفة من قوّات المعارضة. ورغم أنّه خارج عن سيطرة قوّات النّظام منذ نيسان/أبريل 2013، إلاّ أنّه لا يتعرضّ للقصف.
لقد اصطحبتنا فاطمة إلى مأواها المتواضع، وفيه غرفتان صغيرتان ومطبخ يكاد يكون خالياً، إلاّ من بعض الأواني وموقد للكاز، وقالت لـ"المونيتور"، وهي تعدّ لأطفالها شيئاً من الطعام: "أكرمنا الله بأن أعطانا أحد أقاربنا هذا المنزل، لكن ما أتمنّاه أن نعود إلى منزلنا ولا نجده مدمّراً".
إنّ معظم قاطني الحيّ هم من النّازحين والفقراء، فالكهرباء مقطوعة في شكل كامل، والشوارع مليئة بالحفر وبرك المياه، غير أنّ نشاط الجمعيّات الإغاثيّة محدود مقارنة بالعدد الكبير للمحتاجين. وفي هذا الخصوص، قالت فاطمة: "حصلنا منذ شهر على سلّة منظّفات واحدة فقط، فأسعار المحروقات مرتفعة جداً، ونحن نضطر إلى تكسير الخشب للحصول على الدفء، لكنّي أحمد الله، فحالنا أفضل بكثير من حال بعض الأسر هنا، فهم لا يجدون من يعيلهم".
يتولّى "مجلس حيّ الشيخ مقصود المشترك" الإدارة المدنيّة للحيّ، ويتفاخر رئيس المجلس عماد داوود بأنّ مجلسه يتكوّن من ممثّلين عن كلّ أطياف وأعراق سكّان الحيّ، من مسلمين ومسيحيّين، عرباً وأكراداً.
لقد قلّب داوود السجّلات لديه، وقال لـ"المونيتور": "يسكن حاليّاً في حيّ الشيخ مقصود نحو 90 ألف نسمة هم من مختلف الديانات والأعراق، وما يزيد عن نصف السكّان هم من النّازحين، فالأهالي يأتون إلى هنا بحثاً عن الأمن، ونحن نفتح أبوابنا للجميع".
ورغم أنّ حيّ الشيخ مقصود آمن من ناحية عدم تعرّضه للقصف، إلاّ أنّ موجة نزوح شهدها خلال الشهرين الماضيين، بسبب المخاوف من حصار محتمل قد تفرضه قوّات النّظام على مدينة حلب، فالحيّ مفتوح على الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة فقط، وله جبهات قتال مع النّظام ترابط فيها قوّات المعارضة، بجانب وحدات الحماية الكرديّة.
أضاف داوود: "قبل نحو شهرين، وصل عدد سكّان الحيّ إلى 120 ألف نسمة، لكن خلال الفترة الماضية شهد موجة نزوح إلى خارج مدينة حلب، هرباً من هاجس الحصار".
ويتولّى المجلس المشترك مهمّة توزيع المساعدات الإنسانيّة على النّازحين، ويتوافد عشرات المراجعين الّذين يبدو على معظمهم البؤس والفقر إلى مكتب المجلس.
وبينما يقوم داوود بتسيير أمور بعضهم، قال لـ "المونيتور": "إنّ معظم قاطني الحيّ لا مدخول لديهم لتأمين معيشتهم، فقد فقدوا أعمالهم (..). نحن نحصل شهريّاً من المنظّمات على 1200 حصّة غذائيّة و1200 حصّة أخرى تحتوي على موادّ منظّفة لتوزيعها على السكّان، لكنّها لا تفي بالغرض أمام الحاجات الكبيرة".
أضاف: "يحتاج السكّان إلى مصاريف إضافيّة للاشتراك بالمولّدات، فالكهرباء مقطوعة منذ ثلاث سنوات، بسبب تعرّض محطّة (الشقيف) للقصف بالطيران، وتواجهنا صعوبات في تأمين خطّ بديل للكهرباء".
يتمتّع حيّ الشيخ مقصود بموقع مهمّ، فهو يقع في مكان مرتفع، وبالإمكان مشاهدة معظم أحياء حلب وقلعتها من على أسطح مبانيها. وليس ببعيد عن مكتب المجلس المشترك، كانت مجموعة من الرّجال تراقب طائرة مروحيّة، وهي تلقي البراميل المتفجّرة على أحياء المعارضة، وتحاول من مصدر الدخّان المنبعث تحديد مكان سقوط البراميل. وفي هذا السّياق، قال أحدهم: "الله يسترنا، دوام الحال من المحال".
هي الرحلة التي اعتادها السوريون، البحث عن ملجئ آمن، وقد تكون المناطق الكردية أحد أفضل خياراتهم المتاحة، إلا أنّ رحلتهم إليها لا تبدو الأخيرة، مع احتمالات حصار مدينة حلب، وتدهور العلاقة بين وحدات الحماية الكردية والنظام، على خلفية اندلاع الاشتباكات للمرة الأولى بينهما في 17 كانون الثاني/يناير في الحسكة، التي كانا يعتبران شريكاً في حكمها.